بأعين تلمع بالشغف وروح تحمل بين طياتها هدوء الصحراء وجرأة التحدي، تخطو ميلا الزهراني على سجادة السينما بخطوات واثقة، مبرهنة أن النجومية ليست غاية بقدر ما هي نتيجة طبيعية لاختيار أدوار تعكس أصالة قصصها وتعمق شخصياتها.
بين صدى الصحراء في «هوبال» وغموض الجرائم في «المجهولة»، تسطر ميلا فصلًا جديدًا من الحكايات السعودية على الشاشة، ممثلةً روحًا لا تخشى كسر القوالب التقليدية، بل تتحدى كل حدودها. هي ليست مجرد وجه جميل يطل من الشاشة، بل تقدم رسالة سينمائية تُلهم، تسأل، وتستفز الفكر.
في آخر أعمالها السينمائية فيلم هوبال والذي يعرض الآن في صالات السينما السعودية بعد أن حصد جائزة الجمهور في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، تقدم الممثلة السعودية دوراً جديداً مختلفاً بعيداً عن بيئتها في شخصية بدوية.
تقمصت الشخصية شكلاً وأداءً .. سرحت بالغنم .. وقادت ( الوايت ) وشاهدنا أمامنا سرا بنت عياد عياناً بياناً.
هذا الحوار، نتجول معها في «فاصلة» بين تفاصيل مسيرتها، وأسرار اختيار أدوارها، وتجاربها التي تعكس فلسفتها الفنية العميقة، لنكتشف معًا كيف تصنع ميلا الزهراني رؤيتها الخاصة للتمثيل بعيدًا عن أضواء «النجومية» التقليدية.
يعرض لك أحدث أعمالك «هوبال» عن تفاصيل هذا العمل منذ البداية ؟
من حسن حظي أن العمل على الفيلم استغرق وقتًا طويلًا، فذلك الأمر كان له مردودًا إيجابيًا على المستوى الفني، حيث كان أمامي زمنًا وافيًا لفهم القصة واستيعاب تفاصيلها، والتحضير للدور أيضًا. بالإضافة لأنني كنت متحمسة جدًا للعمل في «هوبال» لرغبتي في التعاون مع المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل، حيث أكن لهما ثقة راسخة وأؤمن بقدراتهما، وقد اعترفت لهما برغبتي في العمل معهما من قبل ترشيحي للفيلم، لذلك بمجرد أن تواصلوا معي لإسناد دور «سرا بنت عياد» لي تحمست ووافقت دون تردد.
أما تحضير العمل، فلقد استغرق العمل على النص لمدة عام كامل حتى أصبح صالحًا للتصوير، مما أتاح لي فرصة التعايش مع الشخصية والتبحر في تفاصيلها، وفهم أبعادها بشكل مُعمق، وذلك كان ضروريًا جدًا لأن تقديم دور البدوية على شاشة السينما ليس بالأمر الهين أبدًا، فعلى الرغم أنها جزء من نسيجنا المجتمعي وتراثنا لكن كانت تحتاج لدراسة دقيقة لصعوبة تقديمها بما يتناسب مع الأحداث، وبما يعكس تلك البيئة الثرية بواقعية. خاصة أن «هوبال»من الأعمال «الثقيلة»، حيث يسلط الضوء على موضوعات هامة كالعادات والتقاليد والزواج وما إلى ذلك.
*هل شعرتِ بالخوف من العمل كونه ثقيل فنياً وبعيد تماماً عن بيئتك كشخصية بدوية، والنقطة الأهم كونه بطول عديد النجوم ؟
-بالفعل العمل «ثقيل» كما قُلت لكن ثقتي كانت كبيرة في «الشلاحي» هو مخرج متميز صاحب رؤية فنية، فهو لا يُجامل ولا يتهاون في إتمام الدور كما يجب أن يكون، أمر آخر طمأنني وهو المعالجة المكتوبة للدور، والتي جعلتني اتعمق في الشخصية وأبعادها، بجانب دعم المخرج لي ومساندتي على تشرُب أدق تفاصيل الدور، كما آزرني كثيرًا خاصة في الصعوبات التي واجهتها خلال التصوير.
-نعم بالطبع، لقد واجهنا الكثير من الصعوبات خلال التصوير خاصة لصعوبة الأجواء الصحراوية، لكن أكبر تحدي بالنسبة لي هو التغلب على خوفي من قيادة المركبات، فأنا أعاني من فوبيا منها لكن «الشلاحي» أصر على أن أقود «وايت» بنفسي داخل الصحراء، ولم يكن لديّ أي خلفية عن ذلك الأمر من قبل. الحقيقة كنت أظن أنه سيستعين بـ”دوبلير” ولن يحتاج إليّ لكنه رفض تمامًا، لذا تلقيت تدريبات مكثفة للقيادة والتعامل معه، ولقد أدركت أهمية ذلك الأمر عندما اكتشفت دور ذلك المشهد في تقمصي للشخصية، خاصة للاختلاف في شخصيتي عن دور “سرا بنت عياد” التي أقدمها.
كيف وصلتي لشكل «سرا بنت عياد»؟
فتاة تدعي القوة، لكنها تحمل الكثير من الضعف بداخلها، قوتها في لسانها فقط ، هي فتاة بدوية مدللة في أسرتها خاصة لدى خالها الذي عزز فيها الثقة في النفس، وتدفعها ظروف العائلة للزواج من رجل لا تحبه ولا ترغب في الزواج منه خاصة أن طباعه صعبة.
يمككنا وصف شخصيتها بأنها مزيج من القوة والرقة، وتعيش صراعًا ما بين رغباتها الشخصية وواجباتها الأسرية تجاه أبنائها حيث تخاف عليهم وتحاول حمايتها.
الفيلم فاز بجائزة الجمهور في مهرجان البحر الأحمر .. والآن بدأ عرضه في صالات السينما ويحقق نجاحات جيدة جداً ؟
أهم جائزة يلقاها الفنان هي إشادات الجمهور، نحن نصنع الأفلام لهم، لذلك أشعر بمزيج من الفخر والسعادة، وبالطبع يقلقني رد فعل الجمهور السعودي بعد طرحه في السينما لكنني أثق في الجهد الذي بذلته لتقمص الشخصية، ولست أنا فقط بل كل زملائي في العمل، هذا بالإضافة إلى تميز النص وكتابة الشخصيات الشخصيات، وبيئة التصوير، نعد الجمهور بمتعة كبيرة.
*كيف ممكن الفنان يتغلب على التردد أو الخوف في تقديم الأدوار؟ خاصة كفنانة تواجهك مشاهد تحتاج الجرأة ؟
-دعني أخبرك شيئًا، لا خلاف على أهمية الجرأة، لكن من وجهة نظري الخاصة أن حتى الجرأة لها حدود، خاصة أننا جزء من مجتمع مُحافظ له عاداته وتقاليده وثقافته وحتى طبيعته المنفردة، وواجب علينا احترامه، لذا فأنا أحمل على عاتقي مسؤولية كبيرة كـ«فنانة سعودية»، ابنة ذلك المجتمع، لذا فإن لجرأتي حدود لا يمكن تجاوزها بتقديم عمل مُبتذل أو حتى تقديم نفسي بصورة مُبتذلة تحت مسمى «الجرأة».
على الرغم من حرصك الشديد على انتقاء أعمالك إلا أن بعضها لم يحقق النجاح المتوقع منها.. هل يزعجك ذلك الأمر؟ وكيف تتعاملين مع الانتقادات وردود الفعل السلبية؟
-أي ممثل يطمح إلى تقديم أعمال تحقق له الاستمرارية في النجاح، لكن الواقع يفرض علينا حقيقة أنه لا وجود لمبدأ التوفيق المُستمر الذي نسعى إليه، حيث تتداخل عدة عوامل تؤثر في نجاح الأدوار. من بينها على سبيل المثال الظروف المحيطة بظهور العمل، وتوقيت عرضه، وكذلك الظروف الإنتاجية.
قد تكون الاختيارات الفنية في بعض الأحيان غير موفقة، لكن هذا لا يعد بالضرورة خطأ، إذ أن الممثل يتعلم من هذه التجارب ويكتسب فهمًا أعمق لذاته، مما يساعده على تحسين أدائه في المستقبل. كل تجربة، مهما كانت نتائجها، تُعتبر درسًا قيمًا يسهم في تطوير مهاراته التمثيلية.
*برأيك هل انتقادات الجمهور تُقيد الفنان في اختياراته خاصة أنه بعد مرور سنوات على الانفتاح في صناعة الأفلام في المملكة أصبح الجمهور لا يلتمس الأعذار كما كان في بدايات التجربة الفنية السعودية؟
-المجتمع السعودي يتمتع بتنوع واسع، وبالتالي، قد تتناسب بعض الأعمال التي أقدمها مع فئة معينة بينما قد لا تروق لأخرى. رغم أنني أسعى دائمًا لإرضاء أكبر عدد من الجماهير باختياراتي، إلا أنني لا أتوقع النجاح في هذا دائمًا. أنا أتعامل مع كل نقد أواجهه بإيجابية، وأعتبره فرصة للتطور في المستقبل. لا أريد أن تقتصر اختياراتي على نوع واحد من الأدوار، بل أسعى دائمًا لاختيار الأدوار التي تضيف لي وتساهم في تطور أدائي. أعتقد أن تكرار الاختيارات قد يؤدي إلى نسيان الفنان إذا ابتعد لفترة طويلة، ولذلك أعتبر أن الاستمرارية في الظهور أمر بالغ الأهمية. في الوقت الحالي، يشهد السوق السعودي زخمًا إنتاجيًا كبيرًا في المجال الفني، وهو ما يتطلب من الفنانين الاستفادة منه بأقصى درجة.
*كيف ترين المنافسة في مجال الإنتاج السينمائي السعودي اليوم؟
-السوق السعودي غني بالمواهب المتنوعة والمبدعين، وأنا شخصيًا لا أنشغل بمفهوم «النجومية» بقدر ما أركز على شغفي بالتمثيل. فمفهوم النجومية يضع الفنان في حدود معينة ويقيد اختياراته، مما يحد من حرية تقديم الأعمال التي يلهمه تقديمها. لهذا أرى أن النجومية قد تمنعني من التمتع بحرية الاختيار التي أحتاجها في مسيرتي الفنية. ما يهمني هو أن أكون ممثلة تقدم أدوارًا متنوعة تشعرني بالراحة، سواء كانت أدوارًا رئيسية أو ثانوية. لدينا في السعودية العديد من الفنانين المبدعين الذين أؤمن بقدرتهم على تقديم أعمال استثنائية، وأنا أطمح لأن أكون جزءًا من هذه التجارب.
*هل هذه الرؤية هي السبب وراء تفكيرك في مبادرة دعم الأفلام القصيرة؟
بالتأكيد، كانت المبادرة فكرة تهدف إلى دعم صناع السينما السعوديين الذين وجدوا الدعم عندما كانوا في بداية مشوارهم، تمامًا كما فعلوا معي. في الفترة الأخيرة، تلقيت العديد من الأفكار التي أثارت اهتمامي، بما في ذلك ثلاثة أفلام قصيرة شعرت بأنها قريبة من اهتماماتي. رغبتي في المشاركة في هذه الأفلام تأتي من قناعتي بأن الدور يتناسب مع قدراتي، وليس لأن المخرج اختارني بناءً على شهرتي أو لأنني سأقدم الدور بدون أجر. من خلال قراءة الأعمال المعروضة عليّ، أسعى لاختيار التجارب التي تلهمني وتثير حماسي.
*البعض يتحدث عن أهمية دور ورش التمثيل بالنسبة للممثل وتطويره؟
– لا خلاف على ذلك فهي عامل مساعد للممثل، لكني أؤمن بأن التجربة العملية خير مُعلم، فهي من تمنحنا التجربة الحقيقية والخبرة المطلوبة، فكل دور أؤديه يصقل موهبتي ويضيف إلى رصيد مهاراتي، بالطبع يمكنك تعلم الكثير من التقنيات والأساسيات في هذه الورش، لكن برأيي يوم تصوير واحد كفيل بتعليمك إياها، لذا فهي ليست من أولوياتي حاليًا، أٌفضل التعلم بالتجربة.
*بعض الفنانين صرحوا بدور مدرب التمثيل في ضبط أدائهم، منهم مؤخرًا الممثلة المصرية منى زكي.. ما رأيك أنت أيضًا في هذا الأمر؟
– خلال الفترة الماضية، خُضت تلك التجربة عدة مرات، وتواصلت مع مدربين تمثيل من جنسيات مختلفة عبر تطبيق «زووم»، لقناعتي بأهمية عمل الممثل مع مُرشد له يضيف له وجهات نظر متعددة عن الدور وأبعاده، مما يساهم في استكشافه لمزيد من التفاصيل التي تضيف للدور.
* كيف تقيمين الفرق بين السينما والتليفزيون؟ أيهما تفضلين كممثلة؟
-دون شك، السينما هي الأفضل بالنسبة لي. الشاشة الكبيرة تتمتع بسحر خاص يتفرد به. الإنتاج السينمائي غالبًا ما يتمتع بمستوى عالٍ من الاحترافية والتنظيم، كما يتم الاهتمام بكافة التفاصيل من مستوى الكتابة إلى التجهيزات الفنية. على عكس الإنتاج التليفزيوني، الذي يتميز عادة بسرعة في التحضير ويهدف لإنهاء العمل سريعًا بغرض عرضه على المنصات أو الشاشات، دون التركيز نفسه على بناء الشخصيات وتفاصيل النص.
*دعينا نتطرق لموضوع أصبح ذو أولوية في حياتنا جميعًا.. مواقع التواصل الاجتماعي، ماذا تُشكل للفنان؟
– وسيلة مهمة لتسويق الممثل لنفسه، ذلك الأمر بات ضروريًا في عصرنا هذا، كل فنان مسؤول عن التسويق لنفسه من خلالها، لكن بحكمة، فلا يُفرط في استخدامها لدرجة أن «يحرق نفسه»، ولا ينعزل عنها بالتالي يفقد ميزة التفاعل مع مع جمهوره وإثبات حضوره الذي أصبح يتابع العالم كله من خلال شاشة هاتفه الذكي، دعني ألخص لك رأيي: «يجب أن يتواجد الفنان عليها بذكاء».
*بعد خلع عباءة «سرا» في «هوبال» تنتقلين إلى دور آخر في «المجهولة» مع هيفاء المنصور الذي يجدد لقائكما بعد سنوات من «المرشحة المثالية»؟
– نعم، يتجدد لقائي مع هيفاء المنصور بعد 4 سنوات تقريبًا من تعاونا الأول في «المرشحة المثالية»، الأمر الذي أسعدني كثيرًا، فبيني وبينها انسجام كبير، ودرجة تفاهم عالية، وتكرار التعاون معها أمر رائع، لدرجة أنني وافقت مباشرة على الدور دون أن استطلع عن مضمونه، ولم أكن أعلم أية تفاصيل سوى أنه من إخراجها.
الحقيقة لديّ ثقة كبيرة في هيفاء المنصور منذ تعاونا الأول، على الرغم من بعض التوتر الذي شاب التجربة الأولى إلا أنها خلقت بيننا حالة من التناغم والإنسجام، أنا أصبحت أعي جيدًا ما تريده هي كمخرجة أمام الكاميرا، وهي تفهم ما أريده أنا كممثلة، لذا كانت التجربة الثانية بيننا رائعة، وكانت علاقتنا خالية من الاضطراب في «المجهولة» الذي أتوقع منه الكثير.
*أحداث الفيلم مُلبدة بالغموض.. هذا الأمر لم يُشعرك بالقلق؟
– على العكس تمامًا شعرت بالحماس، فالفيلم ينتمي إلى نوعية أفلام الجريمة الدرامية، وتدور قصته حول فتاة تبحث عن قاتل، الأحداث مليئة بالغموض وحبس الأنفاس، ما زاد من حماستي للدور والتركيز في تفاصيله لتقديمه بأفضل أداء ممكن، أيضًا فإن تجربتي الفنية قد نضجت بالمقارنة بفيلمي الأول «المرشحة المثالية» الأمر الذي لاحظته «المنصور» وأخبرتني به، وأتمنى أن يظهر ذلك على الشاشة ويلمسه الجمهور، لذا فلا بد من المغامرة واستكشاف مناطق جديدة في نفسي.
*ختامًا.. ما هي مشاريعك المستقبلية؟
– لدي فيلم قيد التحضير سيتم عرضه على إحدى المنصات، لكن لا أستطيع الكشف عن تفاصيله الآن. كما أعمل حاليًا على مشروع آخر قد يكون فيلمًا أو مسلسلًا من عشرة حلقات. هذا المشروع يعكس شغفي بالأزياء بجانب السينما، ويجمع بين العالمين من خلال دمج العلامات التجارية مع التمثيل. أرغب في تسليط الضوء على المصممين السعوديين المبدعين في مجال الأزياء من خلال قصة مليئة بالغموض، ولكن في الوقت الراهن من المبكر التحدث عن تفاصيل المشروع بشكل أكبر.
اقرأ أيضا: «هوبال»… ثراء البادية وفقر التبني السينمائي