فاصلة

مراجعات

«ميكي 17» أو كيف توقفت عن القلق وأحببت المباشرة؟

Reading Time: 3 minutes

قرابة ست سنوات مرت منذ الفيلم/الحدث «طفيلي – Parasite» للمخرج الكوري الجنوبي بونج جون هو، الذي حقق نجاحًا استثنائيًا على كافة المستويات، وحصد الجوائز بداية من السعفة الذهبية في مهرجان كان، وحتى ثلاث جوائز أوسكار، ليتحول من فيلم ممتاز إلى ظاهرة سينمائية، لا زال محبو السينما يتناولونها بالتحليل والإعجاب حتى الآن.

في إطار القسم الخاص في مهرجان برلين السينمائي الدولي 75، يعرض الفيلم الأحدث للمخرج «ميكي 17 – Mickey 17»، وخلال هذه الفترة بين الفيلمين تغيرت الكثير من الأمور في العالم، وبعض هذه التغيرات لا زلنا نحاول استيعابها حتى أو تفهم آثارها حتى الآن. يبدو أن جون هو كان يتابع ما يحدث حوله بتركيز ليقدم فيلمًا شديد المعاصرة، يتحدث عن أثرياء وقتنا الحالي والمصابين بجنون العظمة، والذين يتحكمون في مصير العالم، وعن أصحاب الأرض والمُحتلين، بشكل شديد السخرية، وشديد المباشرة أيضًا، ولكنها مباشرة من النوع الذي يصعب رفضه. هذا الزحام من الأفكار والمشاعر هو ما سنحاول التطرق إليه في السطور التالية.

ميكي 17
Mickey 17 (2025)

الفيلم مستوحى من رواية بعنوان «Mickey 7» للكاتب إدوارد أشتون، وتدور أغلب أحداثه داخل مستعمرة في أحد الكواكب، أقامها أحد أثرياء العالم، مع بعثة خاصة تعمل على التحضيرات والأبحاث لجعل الكوكب صالحًا للعيش خلال أربع سنوات. ميكي (روبيرت باتنسون) أحد أعضاء هذه البعثة ودوره هو أن يكون مُستهلكًا (Expendable) يعرضونه لتجارب مميتة ويعيدون «طباعته» في كل مرة بنفس شخصيته ليتعرض لتجربة جديدة.

قصة الفيلم وحدها تحتوي إشارات واضحة للكثير من الأمور المعاصرة، الثري صاحب المستعمرة كينيث مارشال (مارك رافالو) شديد الشبه بإيلون ماسك، والرئيس الأمريكي ترامب، بأفكاره الاستعمارية، ورغبته في صناعة وطن خاص لسلالة نقية في الفضاء. الكوكب الذين يريدون تفريغه من المخلوقات التي تسكنه، لإقامة وطنٍ جديد، يذكرنا بما يحدث في فلسطين، والاستغلال المتميز للتقنيات الحديثة شديد الشبه بما يحدث في توظيف التكنولوجيا لصناعة المزيد من الأسلحة الفتاكة.

ميكي 17
Mickey 17 (2025)

لكن خلف كل هذا يوجد خط أعمق يتمثل في شخصية ميكي نفسها. ميكي هو نقيض للبطل منذ المشهد الأول، لم يأت لهذه الرحلة بإرادته بل هربًا من ديونه، ولم يختر دوره بشكل واعٍ، بل ولم يتميز خلال الفيلم بالذكاء أو القدرة على حسن التصرف، إنسان عادي وربما أقل، لكنه يحتوي على قدر كبير من المشاعر الحقيقية والإنسانية، قدر لم يكن موجودًا في بقية شخصيات الفيلم، وهذه الإنسانية هي ما ساعدته على أن يُكمل رحلته. هناك ما هو أكثر، فميكي يشبه إلى حد كبير الشخصية الأسطورية بروميثيوس، الذي سرق الضياء من آلهة الأوليمب طبقًا للأسطورة اليونانية، ونتيجة لذلك عوقب بأن رُبط في صخرة ليأتي النسر ويأكل كبده، وفي كل يوم ينبت له كبد جديد ليتكرر هذا العذاب إلى غير نهاية. بطل الفيلم أيضًا كان يُشكل مصدرًا للمعرفة داخل المستعمرة، ولكن خلافًا لبرومثيوس، فهو لم يفعل هذا بإرادته بل رُغمًا عنه، وإن كانت النتيجة واحدة، فهو يموت في كل مرة ويُطبع من جديد بذكريات الموت السابق.

Mickey 17 (2025)
Mickey 17 (2025)

وإن كان هذا الاهتمام بتفاصيل شخصيتي ميكي ومارشال، لم يقابله اهتمام بالشخصيات الأخرى في الفيلم، والتي جاء بعضها مسطحًا بشكل كبير ولا تُسهم إلا بقدر ضئيل في الأحداث، حتى يمكن الاستغناء عنها. وقد تكون هذه إحدى أوضح مشكلات هذا الفيلم، وهي المباشرة في الكثير من الأحيان، حتى أن إحدى الشخصيات تقول تعريفًا واضحًا لمفهوم الاحتلال وأصحاب الأرض الأصليين. وهنا يبدو أن بونج جون هو قد ضحى بشكل أو بآخر بثِقل السيناريو في مقابل الرهان على الوصول لجمهور أكبر، فمن أراد منهم أن يستمع إلى واحدة من رسائل مباشرة، ها هي تُقال، ومن أراد أن يستمتع بما هو أكثر من ذلك فسيجد ذلك أيضًا. وهذا الطرح في حد ذاته يشبه ما نعيشه الآن، إذ يبدو أن المباشرة والخطابية تلقى صدى لدى الكثيرين.

ميكي 17
Mickey 17 (2025)

فيلم «ميكي 17» قد يشبه في تأثيره الفيلم الكوميدي الخالد لستانلي كيوبريك «سترينجلوف أو: كيف توقفت عن القلق وأحببت القنابل» (Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb)، وإن كان لم ينجح الوصول إلى نفس براعته في السيناريو.

اقرأ أيضا: في مؤتمر «ميكي 17»… المخرج بونج جون هو يستعيد غرابة المأساة وكوميديتها

شارك هذا المنشور

أضف تعليق