على مدى ما يقرب من ثلاثين سنة، نجحت سلسلة «مهمة: مستحيلة» في الجمع بين العناصر الأساسية لأفلام التجسس والحركة، وأفلام الصيف الضخمة، والثلاثية السينمائية الكلاسيكية: الإثارة، والخطر، والتشويق، ودفعها إلى أقصى حد لضمان أقصى اندفاع للأدرينالين. وكل ما سبق يتلخص في رجل واحد، توم كروز في دور إيثان هانت، العميل المارق، خبير التنكر، منقذ البشرية والتوازن الجيوسياسي. هذه السنة، يودع كروز السلسلة، الذي أثبت منذ بدايتها أنه على استعداد للمخاطرة بحياته من أجل ترفيهنا.
إذاً، لكل شيء نهاية، وفيلم «مهمة: مستحيلة – الحساب الأخير» (2025، Mission: Impossible – The Final Reckoning) ليس فقط الجزء الثامن من ملحمة يُقال عنها إنها حاملة لواء سينما الحركة الحديثة، ولكنه أيضاً الجزء الذي يهدف إلى وضع حد (ربما!) لمغامرات إيثان هانت. وكما هي الحال غالباً مع كل ما يحمل كلمة نهائي أو أخير، كانت التوقعات عالية جداً!
لذلك، يأتي السؤال الذي طرحناه على أنفسنا بعدما خرجنا من صالة العرض: هل هذه هي النهاية التي تستحقها هذه السلسلة؟ الإجابة السريعة هي: لا. لكن دعونا منها، لنركز على الإجابة المطولة، دعونا نتحدث أكثر في الأمر، لأن فيلم «مهمة: مستحيلة – الحساب الأخير» ليس فيلماً سيئاً على الإطلاق. في الواقع، هو أفضل من معظم أفلام الحركة وأفلام «البلوك باستر» التي تُعرض في دور السينما. ولكن نظراً لسلسلة قدمت لنا أجزاء متكاملة مثل «مهمة: مستحيلة – سقوط» (2018، Mission: Impossible – Fallout) أو «مهمة: مستحيلة – بروتوكول الشبح» (2011، Mission: Impossible – Ghost Protocol)، فإن هذا الفيلم يبدو مخيباً للآمال بعض الشيء.

لن ينتقص هذا من تقدير كريستوفر ماكوري، الذي أخرج الأجزاء الثلاثة الأخيرة، فهو يُخرج بيد ثابتة أكثر من أي شخص آخر مشاهد الإثارة والفوضى. مشاهد الحركة في هذا الفيلم مذهلة؛ مشهد مطاردة الطائرات الأخير، ومشهد الغواصة، هما بلا شك من أفضل ما قدمته سينما الحركة في هذا العقد. وإذا كنت من محبي هذا النوع من الأفلام، فهذان المشهدان وحدهما كفيلان بإرضائك. وبالطبع، خيبة الأمل هذه لن تؤثر على رؤيتنا لتوم كروز. في سن الثانية والستين، لا يزال خارجاً عن الطبيعة، يركض ويقفز ويتحطم ويحبس أنفاسه، ويفعل كل ذلك بمهارة يحلم بها الكثير من الشباب في العشرين.
في الجزء الثامن من هذه السلسلة، القصة ليست ضخمة: الكيان، الذكاء الاصطناعي الذي غزا العالم والذي قابلناه في الجزء السابق «مهمة: مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول» (2023، Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One)، يهدد العالم بأسره الآن، ويسيطر على القوى النووية واحدة تلو الأخرى. يواجه هانت وفريقه مرة أخرى الحكومة الأميركية، التي تريد استخدام قوة الذكاء الاصطناعي لأغراضها الخاصة، وينطلق الفريق المتمرد لإنقاذ العالم. في عالم «مهمة: مستحيلة»، لا يزال كل شيء أبيض وأسود: ما يفعله إيثان هانت وفريقه هو الجيد، وأولئك الذين ضدهم هم الأشرار، سواء كانوا سياسيين، عسكريين، أو ذكاءً اصطناعياً. لذا، هانت هو أملنا، وهو الوحيد الذي يمكننا أن نضع مصير البشرية بين يديه بأمان (نعم، هذا يُقال كثيراً في الفيلم).

الحركة هي جوهر هذه الملحمة. وإذا كان هناك ما يُبقي الفيلم قوياً في أكثر لحظاته ضخامة، فهو التزامه الراسخ بمشاهد الحركة المذهلة. قليلة هي الأفلام المعاصرة التي يمكن أن تضاهي مشاهد الحركة في هذا الفيلم. لا يوجد استخدام مفرط للشاشات الخضراء أو المؤثرات الرقمية المُبالغ فيها، هناك دوار حقيقي، تعرُّق، سرعة، ومخاطرة. إلى جانب المشهد البصري والجسدي، يُثير الفيلم أيضاً سلسلة من المواضيع التي تتردد أصداؤها بقوة في السياق الحالي. التهديد الرئيسي للذكاء الاصطناعي المتواجد في كل مكان، هذا التهديد ليس مجرد أداة سردية، بل استعارة للعالم الحديث، بيئة تفلت فيها التكنولوجيا من سيطرة الإنسان، حيث يمكن التلاعب بالحقيقة، ولم تعد القرارات تُتخذ في المكاتب، بل بواسطة الخوارزميات.
وفي هذا الإطار، يُمثل هانت شيئاً يكاد يكون من الماضي: الولاء، والحدس البشري، والتضحية الشخصية. معركته ليست فقط ضد عدو غير مرئي، بل ضد مرور الوقت وفكرة أن كل شيء يمكن استبداله بآلة. بهذا المعنى أيضاً، يُجسد الفيلم صورة عن توم كروز نفسه، ممثل لا يزال، في خضم العصر الرقمي، يُغامر بالمخاطرة الجسدية الحقيقية، متبنياً السينما كتجربة ملموسة.
بالطبع، هذا لا يبرر وجود بعض النكسات الرئيسية للفيلم، بدءاً من الفصل الأول المطول، حوالي ساعة من الشرح والحوار المعقد بشكل سخيف والمفرط في التفسير الذي يهدف إلى توضيح كل التفاصيل. هذا، إلى جانب الهوس بإعادة النظر في ماضي السلسلة بحنين، مع لحظات وروابط غير ضرورية، أثّر بشكل كبير على وتيرة الفيلم وتوازنه. دعونا لا نخدع أنفسنا، الساعة الأولى من الفيلم ضعيفة، تكاد تكون سيئة للغاية، وربما أسوأ دقائق الملحمة (إذا استثنينا كامل فيلم «مهمة: مستحيلة 2» الأسوأ على الإطلاق). يُضيّع ماكوري وكروز وقتهما ووقتنا بساعة مملة ومكررة، سيئة الإخراج ومحررة بشكل أسوأ، ضائعين في متاهة ذكريات الماضي غير الضرورية، ومشاهد من الأفلام السابقة، وتعليقات مبالغ فيها، حيث كل ما نسمعه وما نراه أقل ذكاءً وإثارة مما يريداننا أن نصدق.

بمجرد أن تمر هذه المحنة الخانقة، يبدأ فيلم «مهمة: مستحيلة – الحساب الأخير» أخيراً بأن يصبح فيلماً جديراً بالمشاهدة. تصبح الحبكة واضحة، ولكي تعرف كل شخصية ما يفترض أن تفعله، ولكي نتحضر نحن الجمهور للأكشن. كل شيء، بعد تلك الساعة، محكم بدقة متناهية، ليذهل المشاهد تدريجياً من خلال مشاهد محددة، وإن كانت آسرة، إلا أنها لا تضاهي روعة الأجزاء السابقة عموماً. ولكن وسط المعارك وإطلاق النار، هناك مشهدان هائلان، يسرقان الأضواء بطموحهما التقني واللوجستي، حيث يظهر عنصران مثل الماء والهواء كأبطال.
بعد هذه الإجابة الطويلة، فيلم «مهمة: مستحيلة – الحساب الأخير» ممتع، ولكنك لن تتذكره. إنه بمثابة خاتمة بصرية، كمدينة ملاهٍ سينمائية. وإذا كنت تتوقع وداعاً مؤثراً، ملحمياً أو عاطفياً، فستغادر السينما وأنت تشعر بأن كل شيء ضخم جداً على هذا المحتوى القليل. إنه فيلم جيد، نعم، ولكن لملحمة كهذه… ربما كنا بحاجة إلى أكثر من مجرد خدعة نهائية أنيقة.
اقرأ أيضا: «امرأةٌ وطفل»… دراما روستايي في المساحات الرمادية