ما السؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهنك حينما تشاهد الفيلم الطويل الأول لمخرج أفلام قصيرة ناجح في نظرك؟ بالتأكيد ستتساءل إذا ما كان سينجح هذه المرة مع تجربة أصعب، تحتاج لكتابة سردية متقنة، ومن ثم تقديمها بطريقة إخراجية مميزة، تحمل القدر المهم من التعبير الفني. ومن هنا كنت متشوقًا لرؤية فيلم «سلمى وقمر» المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أفلام السعودية في دورته الحادية عشرة، عطفًا على مشاهدتي لأول أفلامها «القندرجي» عام 2008، والذي نال تقديرًا نقديًا جيدًا، وشارك في عدة مهرجانات دولية مثل «كان» في ركن الأفلام القصيرة الواعدة، ومهرجان بيروت، ومهرجان الخليج، والذي فاز فيه كثاني أفضل فيلم، وكان يحكي قصة رجل يعمل في إصلاح الأحذية، تستدعي زيارة امرأة له العديد من الذكريات، ومن ثم فيلمها الثاني «حرمة»، والذي فاز في مهرجان بيروت بالجائزة الذهبية كأفضل فيلم قصير، كما عرض في مهرجان برلين ضمن قسم «المنتدى»، حول قصة امرأة أرملة تواجه العديد من التحديات في حياتها. ومن لا يعرف عهد كامل مخرجة، ربما عرفها كممثلة جيدة، شاركت في فيلم هيفاء المنصور الشهير «وجدة» عام 2012، كما حققت مشاركة نوعية على صعيد دولي حينما شاركت في المسلسل البريطاني «Collateral» عام 2018، والفيلم الأمريكي «Being» عام 2019، وغيرها من الأعمال الأجنبية في عدة أدوار بسيطة.

لنعد إلى السؤال الأول: هل حافظت عهد، كمخرجة، على نجاحها وأسلوبها ولمستها الخاصة، التي شعرنا بها في أفلامها القصيرة، حينما تصدت لفيلمها الطويل الأول؟ في البداية، تقدم عهد فيلمها هذا كجزء من حياتها وتجربتها الخاصة، وبالتالي كانت لمسة إنسانية جميلة، حينما أهدت الفيلم لروح سائقها الخاص، حينما كانت طفلة يافعة. ومن هنا تأتي قصة الفيلم: عائلة في حالة مادية جيدة تعود للتسعينات، مكونة من أب سعودي وأم من أصول فلسطينية، كانا قد التقيا أثناء الدراسة في أمريكا، يحظيان بطفلة واحدة هي «سلمى»، يتخذ لها أبوها سائقًا سودانيًا جديدًا هو «قمر»، سيكون متكفلًا بنقلها إلى المدرسة والعناية بها، حتى عودتها إلى المنزل. ثم سيقفز الفيلم إلى مرحلة زمنية، حيث نرى «سلمى» في الثانوية، بكل عنفوان واندفاعات الفتاة المراهقة، بأداء رائع من الممثلة رولا دخيل الله، يكشف عن شخصية مرحة ومغامرة وفضولية، وإحساس إنساني وعاطفي. لا شيء أكثر من ذلك على مستوى حبكة الفيلم وتسلسل أحداثه، وهو ما تعيه جيدًا المخرجة عهد، حيث لم تكن تطرح فيلمًا تشويقيًا يهدف إلى سلسلة أحداث متصاعدة، بقدر ما كانت تهدف إلى بسط مساحة كبيرة من الحالة الإنسانية، تتعلق بالاحتياج العاطفي، وبالاعتياد الآمن، وبالطبع طبيعة العلاقات الطبقية، حينما يزاحم الشعور الإنساني تلك الصورة الذهنية النمطية.

ومن هنا يمكنني القول إن عهد كامل نجحت في هذا الجانب، بينما يأتي نجاحها الأهم في محافظتها على أسلوبها الخاص إخراجيًا؛ فهي تقدم مشاهدها بقدر أكبر من الهدوء والروية، وتحاول إبراز شخصيات أبطالها كمؤثر فاعل دون افتعال في تكوين الأثر المطلوب للمشاهد. ما زالت تعتني بحركة الكاميرا وتكوين الكادر بشكل سلس ومريح للرؤية البصرية، وتستعين بإيقاعات هادئة لا تحتمل كثرة التقطيع والتنقل. ما زالت المرأة موضوعًا مهمًا في حكاياتها، بشكل إنساني أكثر من كونها ضحية انفعالية محتجة وثائرة. ما زالت تقدم حوارات معقولة، وربما مقتضبة، وحينما تضيف لها لمسة طريفة كوميدية، فهي لا تبدو مقحمة أو منفرة. وبالطبع، عنايتها الشديدة في تقديم الممثلين وضمان نجاحهم في تقديم شخصياتهم، وهو الأمر الذي برز في أغلب الممثلين، وعلى رأسهم بطلة الفيلم، الممثلة الصاعدة رولا دخيل الله، وهو ما لا يمكن استغرابه، فعهد نفسها أثبتت قدرتها التمثيلية من قبل.

وأخيرًا… نعم، لقد نجحت المخرجة عهد كامل في تقديم فيلم لطيف وجيد، واحتفظت بسمتها الخاصة التي عرفها بها متابعوها منذ بداياتها، وأضافت عملًا سعوديًا دراميًا يعطينا الأمل بوجود ظاهرة ممتدة وناجحة من أعمال الدراما، التي ستشكل يومًا ما هوية السينما السعودية، بعيدًا عن الأفلام الشعبوية والتجارية.
اقرأ ايضا: مهرجان أفلام السعودية 11: «فخر السويدي» ربما من هنا علينا أن نبدأ كوميديًا!