فاصلة

مقالات

مهرجان «آنسي».. 7 أيام من سحر الرسوم المتحركة

Reading Time: 4 minutes

 «الفن الحقيقي لا يتعلق بما تراه العين، بل بما يشعر به القلب». هذا الاقتباس لهاياو ميازاكي، رائد أفلام التحريك اليابانية من استوديو «غيبلي»، يصف تمامًا الحالات الشعورية التي رافقتني خلال حضوري مهرجان آنسي (Annecy International Animation Film) لهذا العام، المقام في المدينة الفرنسية التي تحمل الاسم نفسه. إذ تراوحت مشاعري ما بين بهجة سرمدية وشجن غامر، أثناء مشاهدتي للتجارب الإنسانية وهي تتوحد في صور مكثفة ومتكررة تخلو أحيانا من أي حوار.

 هذا الانبهار هو امتداد لدهشة الطفل الأولى أمام أول مشهد يخطف عقله وفؤاده، اللذان يشبعهما هذا المهرجان بأجوائه الكرنفالية. حيث يتماهى جمهوره مع طقوس لا يشاهدها كثيرًا في مهرجانات أخرى، مثل تراشق للطائرات الورقية على مسارح عروض الأفلام، وإصدار أصوات «الفقاقيع» قٌبيل كل عرض، والتفاعل الحي مع شخصيات الأفلام خلال العرض.

مهرجان آنسي

 7 أيام من السحر في «آنسي»

على مدار أسبوع كامل، يتوافد آلاف من عشاق سينما التحريك، إلى بلدة «آنسي» الفرنسية الساحرة الصغيرة الواقعة على ضفاف جبال الألب، لحضور المهرجان الأكبر والأهم لأفلام التحريك «أنيميشن». منهم الموهوبين الشغوفين بسينما التحريك، أو الطلاب الدارسين لها، وحتى المحترفين في الصناعة والمهتمين بها من جميع  الأعمار والأعراق والجنسيات. الجميع يصطف في طوابير طويلة لمشاهدة العروض التي تبدأ في ساعات الصباح الباكر وتستمر حتى منتصف الليل. بجانب عروض الهواء الطلق المسائية، التي يجمع فيها سكان البلدة ورواد المهرجان لمشاهدة أفلام شائعة وشعبية من كلاسيكيات ديزني وغيبلي وغيرهما، والتي تخلق نوعا من الحنين للماضي الجميل.

مهرجان آنسي

 الحضور الكثيف للمهرجان كان في انتظاره برنامج غني وثري بالعروض والفعاليات السينمائية، حيث تجاوز عدد الأفلام المشاركة هذا العام خمسمئة فيلم من مئة دولة تقريبًا، وكان للأفلام العربية تواجدٌ مميزٌ بعدد من العروض أبرزها «الأفضل مبيعًا» من إخراج طارق علي وماجد نصار وإنتاج ستوديو زند من مصر. وهو فيلم تجريبي ترويجي متميز وغني بصريًا صُنع لصالح هيئة الشارقة للكتاب.

 مئة عام من أفلام التحريك في البرتغال

وجرت العادة في مهرجان «آنسي» أن يستضيف كل عام دولة مختلفة، ويسلط الضوء عبر برامجه المتنوعة على تطور أفلام التحريك لفنانين من هذه الدولة. وكانت البرتغال الدولة الضيف لهذا العام احتفاءً بمرور مئة عام على نشأة أفلام التحريك بها. وخلال هذا القرن؛ شهدت صناعة التحريك في البرتغال غزارة  في الإنتاج وتنوعًا في الابتكار.

مهرجان آنسي

 احتفاء خاص بـ ريجينا بيسوا

  واحتفى المهرجان بالفنانة البرتغالية ريجينا بيسوا، التي بدأت رحلتها في أوائل التسعينيات، من خلال معرض فني منفرد لأعمالها التي تميزت بالتجريب واستخدام تقنيات غير تقليدية، مثل: النقش على الجص والخشب والورق المقوى. واستلهمت ريجينا معظم أعمالها من ذكرياتها وتجاربها، مما أعطى إنتاجاتها طابعًا عاطفيًا عميقًا.

 وعرضت أفلام «بيسوا» ضمن فعاليات المهرجان وأبرزها «الليلة» و«قصة مأساوية بنهاية سعيدة» و«كالي، مصاص الدماء الصغير» ضمن مزيج مختلف من العروض التي ركزت على أفلام التحريك البرتغالية لمخرجين مختلفين من ضمنهم ألفارو فيغو، الذي اجتمع مع بيسوا في جلسة نقاشية للحديث عن مسيرتهما وعلاقتهما الفنية.

مهرجان آنسي

لا تقتصر برامج مهرجان «آنسي» على سينما التحريك بأشكالها التقليدية. فهناك البرامج التي تركز على التجارب العالمية المختلفة التي تربط ما بين أفلام التحريك بأشكالها التقليدية والأنماط السينمائية الأخرى والتقنيات الجديدة. فقد كان للمخرج الأمريكي ويس أندرسون حضور لافت من خلال مشاركته في ندوة ركز فيها على عرض تجربته الفنية في أفلام التحريك مثل «Isle of Dogs» و«Fantastic Mr. Fox»، التي عُرضت على هامش المهرجان احتفاءً بما قدمه من تطوير في نواحي تقنية وبصرية لهذه الصناعة.

مهرجان آنسي

 لنتحدث عن الذكاء الاصطناعي

موضوع مهم آخر تناولته برامج المهرجان، وهو الدور المثير للجدل لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الفن والفنانين والعملية الإبداعية. حيث اختار المهرجان هذا العام عددًا من الأفلام التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في تنفيذها ضمن المسابقة الرسمية وأبرزها الفيلم الموسيقي «إليوت فيلانتي Étoile filante»، والفيلم الياباني الطويل «من قال إن الموت جميل؟ who said death is beautiful»، وهو قرار صاحبه الكثير من الجدل.

who said death is beautiful

 وردًا على البلبلة المُثارة حول ذلك الاختيار، قال المدير الفني لـ«آنسي» مارسيل جان في لقائه لمجلة «فارايتي»: «شعرنا بأهمية اختيار بعض هذه الأعمال حتى تتركز المناقشات حول الذكاء الاصطناعي على تطبيقات حقيقية وملموسة بدلاً من أن تظل نظرية. ومهرجان آنسي لم يضع أبدًا أية قيود فنية من قبل. فقبل 45 عامًا، أثار فيلم «تانجو» جدلاً واسعًا عندما فاز بالجائزة الكبرى، حيث اعتبره البعض غير مؤهل لأنه ليس فيلم تحريك! اليوم، يُعتبر هذا الفيلم من روائع أفلام الرسوم المتحركة. وحتى قبل حوالي 20 عامًا، نشأ جدل واسع حول الأفلام التي تستخدم تقنية ثلاثية الأبعاد. واليوم، يواجه الذكاء الاصطناعي نفس التحديات. قد لا يكون هذا التطور التكنولوجي مشابهًا لما سبقه، لكننا بحاجة إلى طرح الأسئلة وإجراء النقاشات الضرورية».

 في النهاية، فإن مهرجان «آنسي» الدولي لأفلام التحريك ليس مجرد حدث فني؛ بل هو تجربة ملهمة تعيد إحياء دهشة الطفولة، وتعكس الابتكار الفني والتنوع الكبير من خلال استضافة العديد من الدول وتعزيز التبادل الثقافي. ومع التسارع التكنولوجي وتطور التقنيات الفنية، يظل المهرجان مُلتقى للنقاش حول آخر هذه التطورات وتأثيرها على مستقبل الصناعة، ما يجعل من «آنسي» حدثًا يجمع بين الماضي والحاضر ويؤسس قاعدة معرفية وعملية لكل من يرغب في خوض غمار هذه الصناعة ورواية قصص تلامس الروح وتثير الدهشة.

وهذا يثير التساؤل حول تطور صناعة التحريك في السعودية، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم التكنولوجيا الحديثة في دفعها، وإن كان يمكن لمهرجان مثل آنسي أن يدعم المواهب السعودية ويعزز من فرص التعاون والتبادل الثقافي في هذا المجال.

اقرأ أيضا: «إحراق»… أو كيف صارت قصة موراكامي القصيرة رواية سينمائية؟

شارك هذا المنشور