فاصلة

مراجعات

من “يا رب ولد” إلى “إن شاء الله ولد”… عن البنات التي لا يريدها أحد

Reading Time: 3 minutes

خلال السنوات القليلة الماضية، خطت السينما الأردنية خطوات مهمة، بإنتاج أفلام وضعتها تحت دائرة الضوء، رغم قلة عددها. يمكن القول إن الانطلاقة الكبرى كانت من خلال فيلم “ذيب” (2014) لناجي أبو نوار، ومن عده تميز فيلم “الحارة” (2020) للمخرج باسل الغندور، وهذا العام؛ عُرض للمرة الأولى فيلمٌ أردني في مهرجان كان، ضمن مسابقة أسبوع النقاد، قبل أن ينطلق إلى عدة مهرجانات أخرى وصولًا إلى مسابقة مهرجان البحر الأحمر في دورته الثالثة. الفيلم هو “إن شاء الله ولد“، وهو الفيلم الطويل الأول لمخرجه أمجد الرشيد.

بالنسبة لمشاهدي السينما المصريين والعرب، على الأرجح سيذكّرهم اسم الفيلم بعمل أقدم، هو “يا رب ولد” (1984) للمخرج عمر عبد العزيز، والذي لا تزال بعض مشاهده الكوميدية تُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي حتى اليوم.

 

يختلف الفيلم الأردني عن نظيره المصري في أغلب عناصره، بداية من اتجاهه الواقعي القاتم في بعض مواضعه، مرورًا باعتماده على شخصية نسائية لتحمل بطولة العمل الرئيسية، وانتهاء بالطبقة الاجتماعية التي تنتمي لها الشخصية، والتي تأتي في الشريحة الدُنيا من البطقة الوسطى وليست الشريحة العليا منها كما في الفيلم المصري. لكن الفيلمين يتفقان في أمر واحد كما يبدو من العنوان، وهو أمنية شخصيات الفيلمين في إنجاب الأولاد وليس البنات.

قرابة أربعين عامًا تفصل بين العملين، وخلال هذه المدة – رغم الحراك النسوي القوي- لا زالت المعتقدات الخاصة بتفوق الذكر على الأنثى، والرغبة في أن يكون أول طفل ولدًا وليست بنتًا، قائمة داخل الأسر العربية. يحاول أمجد الرشيد تناول تلك النظرة المجتمعية من عدة زوايا تخص الداخل الأردني، وإن كان يمكن ببساطة أن نشاهد الكثير من التماثل بين هذا المجتمع وكثير من المجتمعات العربية.

منال (منى حوا) أرملة فقدت زوجها حديثًا، تفاجأ بدينٍ ضخم لشقيق زوجها لم تكن تعلم عنه شيئًا، وإذ أنها لم تنجب ذكراً؛ فإن ممتلكات الزوج بجانب الوصاية على ابنتها الوحيدة، تؤول جميعها بموجب القانون إلى شقيق الزوج، هكذا تجد نفسها في ورطة مركّبة تحاول أن تجد لها حلًا.

 

من خلال هذه القصة البسيطة، يمر الفيلم على عدد من المشكلات التي تواجه المرأة في المجتمع الأردني، بداية من تهميش الزوج لها وعدم إخبارها بحقيقة ظروفهما المالية، مرورًا بالمشكلات القانونية التي تُفرَض عليها، كونها امرأة بلا رجل. لكن أمجد الرشيد لا يكتفي بشخصية واحدة لتمثل هذه الصعوبات، بل يضيف إلى السيناريو لورين (يمنى مروان) والتي تمثل جانبًا آخر من المجتمع. هي ابنة سيدة البيت الذي تعمل فيه منال ممرضة، وتتمتع بالثراء، لكن ترف المعيشة لا يعني بالضرورة أنها تتمتع بالحرية. بينما نجد لورين تتمتع نظريًا بالحرية، فإنها في الحقيقة الأمر تعاني من قيود مشابهة لتلك التي تحيط بمنال. لورين تعبر عن أفكارها وغضبها بمنتهى الطلاقة، ومن دون وجود ضابط على لسانها، لكنها مقيدة في زواج لا تستطيع الخلاص منه، ويزيد الطين بلة حملها غير الراغبة فيه، نظرًا لتأكدها من خيانة زوجها لها.

على الجانب الآخر، لا يقدم المخرج وكاتب السيناريو قيود المجتمع الذكوري من وجهة نظر الرجل، ولكن المرأة أيضًا، إذ نجد أن الشخصية التي تمنع لورين من الانفصال عن زوجها أو التخلص من الحمل هي أمها، التي تخشى على صورة ابنتها وصورة العائلة من نتائج أفعالها الخارجة على قيم المجتمع.
وصولًا إلى هذه النقطة يجب أن نذكر أنه مثلما كانت الرغبة واضحة لدى صناع الفيلم في جمع الكثير من الصور التي تمثل معاناة النساء، فإن الأمر أيضًا تحول إلى بعض العبء على السيناريو، بل وقاد إلى وجود الكثير من الأحداث المتوقعة، مثل التعاون بين منال ولورين من أجل أن تحصل الأولى على اختبار حمل إيجابي لتحاول إقناع المحكمة بأنها حامل (ربما في ولد سيحصل على إرث والده)، وتجد الثانية وسيلة للتخلص من حملها بعيدًا عن عيون أمها، وهو التعاون الذي – بجانب كونه متوقعًا كما ذكرنا- فإنه أيضًا لم يكن محبوكًا بالقدر الكافي، خاصة في ما يخص لورين التي من المؤكد أنها كان تستطيع الوصول إلى الكثير من الحلول بعيدًا عن هذه الصفقة مع منال.

في نهاية ”يا رب ولد“ ورغم نجاح البنات الثلاثة في إدارة أعمال الأب أثناء مرضه، فإنه يصرخ: ”لسه عايز الولد“، ويأتي ”إن شاء الله ولد“ ليؤكد أن الوضع لم يختلف كثيرًا بعد كل هذه السنوات، وأن المرأة لا زال أمامها طريقًا طويلًا تقطعه كي تتمتع بحقوقها سواء قانونيًّا، أو حتى في عرف المجتمع.

اقرأ أيضا: في “وراء الجبل”محمد بن عطية “لم يحلّق” عاليًا

شارك هذا المنشور