فاصلة

حوارات

مريم جعبر مخرجة «ماء العين»: لا يمكن وصم ثقافة بعينها بالقدرة على ارتكاب الشر

Reading Time: 5 minutes

أسرة ريفية بسيطة تعيش في قرية منعزلة على الساحل التونسي، تعاني ألم افتقاد ابنها الأكبر الذي غادرها للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يحلمون بعودته ويخشونها، إلى أن يعود فعلاً حاملاً معه نُذُر لا تثير الراحة. 

هذه هي الحكاية الرئيسية لفيلم “ماء العين”، الفيلم الطويل الأول للمخرجة التونسية الكندية مريم جعبر الذي شاركت به في المسابقة الدولية للدورة 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، التي اختتمت فعالياتها قبل أيام قليلة. 

القصة نفسها كانت محور فيلمها الأول الذي فتح لها أبواب العالمية، وهو الفيلم القصير “إخوان” الحائز على ترشيح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم قصير في عام 2020.

وعلى الرغم من أن “ماء العين” لم يفز بجائزة برلين، إلا أنه لقي ردود أفعال جيدة وإن أثار الجدل حول بعض الرموز والأحداث التي مزجت فيها جعبر بين الواقع وعالم الأحلام وصراعات العقل الباطن.

رحلة طريق في شمال تونس قامت بها مريم جعبر ومدير التصوير فينسنت جونفيل، كانت نقطة البداية في عام 2017 لولادة الفيلم القصير “إخوان”، إذ قابلت مريم الأشقاء الثلاثة مالك وشاكر وريان ميشيرغي، أبطال فيلميها. تقول مريم في حوارها مع فاصلة “وقتها كانت أخبار الحرب في سوريا لا تزال تتصدر نشرات الأخبار العالمية، والحديث عن هروب الشباب التونسي وانضمامهم للحرب سواء مع داعش أو غيرها، يثير التساؤلات. وكان لدي فضول لمعرفة الأسباب التي تدفع أحدًا للتطرف بهذا الشكل، لذلك كتبت الفيلم القصير أولًا، وأثناء التصوير بدرت إلى ذهني فكرة أخرى للفيلم الطويل، بحيث استكشف قصة هذه الأسرة برؤية مختلفة، وبدأت في كتابة السيناريو في يناير 2019”.

تقول مريم إن القضية برمتها كانت غريبة “عمَّت تونس حالة من التوتر والارتباك بسببها، فلا يوجد نمط واضح لقصص هروب هؤلاء الشباب، حيث كان أغلبهم من خلفيات مختلفة، وبعضهم كان يعمل في وظائف محترمة ولا ينتمي لأية طوائف دينية بشكل يوحي بإمكانية تطرفه أو انضمامه لجماعة من هذا النوع. ورغم أن تناول الأمر من منظور العائلة كان يعتبر تابو وقتها، إلا أني قررت استكشاف ما قد يحدث داخل العائلة بحثًا عن الأسباب والتعرف على الجذور التي نتج عنها هذا”.

مريم جعبر

الأم والأب 

ركزت مريم في فيلمها القصير “إخوان” على الأب والعلاقة المضطربة بينه وبين الابن الأكبر العائد من سوريا هربًا بعد سقوط داعش، بينما تتبعت في الفيلم الطويل الرحلة الروحية للأم، والصراع النفسي المعقد بين حبها لابنها ومحاولة حمايته، والذنب الكبير الذي يحمله هذا الابن العائد من حرب ارتكب فيها جرائم لا يمكن التغاضي عنها.

تشير مريم في حديثها مع فاصلة إلى أن معضلة الأم “صعبة، وحاولت بناء عالم مميز خاص بها ما بين الأحلام والواقع، يجسد رحلتها الروحية. فهي في البداية تحاول التعامل مع حالة ما بعد صدمة فقدان ابنيها، ومع عودة مهدي تتعامل مع ظلال ما حدث، ولا تريد أن ترى الحقيقة كاملة”.

رحلة التعافي 

تشرح مريم أن رحلة الأم تبدأ أولا بالنكران، فمع عودة الابن الأكبر مهدي، تشعر منذ الوهلة الأولى بوجود خطأ ما، لكن غريزة الأمومة تغلبها… أحلامها وعقلها الباطن يطلعاها على ما لا تريد رؤيته، إلا أنها لم تكن مستعدة بعد لتقبل الحقيقة. وخلال الرحلة تصل إلى مرحلة المواجهة أخيرًا وتجد طريقة للتعامل الألم والتصالح معه.

تضيف مخرجة “ماء العين” : “بالنسبة لي هذا جزء من الرحلة البشرية أو منظوري الشخصي لرحلة التعافي، حيث كنت أعتقد في الماضي أن التعافي هو أن يكون الانسان سعيدًا دائمًا، لكنى اكتشفت أنها نظرة ساذجة جدًا، وخلال رحلة العمل على هذا الفيلم أدركت أن التعافي هو تقبل الألم وحقيقة الحياة. واكتشفت أنه في حالة كبت الألم سيكون من الصعب جدًا الشعور بأية متعة. مجرد تقبلك لهذا المزيج من المشاعر يجعلك قادرًا على الحياة بشكل كامل، بدلًا من الحياة في حقل ضيق لأنك تحاول حماية نفسك، وعلينا أن نعلم أبناءنا مواجهة الحياة لا الهروب من قسوتها”.

مريم جعبر

اللوم 

في فيلم “بنات ألفة” سعت المخرجة التونسية كوثر بن هنية للكشف عن أسباب هروب الشباب للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة من خلال قصة ابنتي ألفة، رحمة وغفران الشيخاوي، المعتقلتين حاليًا في سجون قوات الردع الليبية. وألقى الفيلم باللوم على المنظومة الاجتماعية والنظرة الدونية للبنات في الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها ألفة، والتي تضعهن دائما في موقع اتهام ودفاع عن الشرف، وترى في الفيلم الأم نفسها تمارس عليهن الضغوط نفسها رغم معاناتها الشخصية منها. أما في “ماء العين” نجد الابن مهدي يلقي باللوم على أبيه ويتحجج بقسوته وانتقاداته المستمرة، وهو استكمال للفكرة التي ظهرت بوضوح في الفيلم القصير.

بينما تقول مريم جعبر: “مهدي يلوم والده لأنه لا يعترف بمسؤوليته الشخصية عما فعله بحياته. أرى أن السنوات العشرين الأولى من حياتنا مع أسرنا مهمة جدًا وتؤثر فينا بشكل كبير، ولكن النضج يعني أن نتحمل مسئولية حياتنا الشخصية، ونتصالح مع ما حدث أثناء تنشئتنا. فالأب والأم هم في النهاية بشر، لديهم همومهم ومشاكلهم وميراثهم النفسي الخاص، إذا أردت أن أعيش حياتي يجب أن يكون زمامها في يدي، وأتصالح مع ما سبق. ومن هنا جاءت أهمية المواجهة بين مهدي وبلال، الابن البديل الذي ينتمي لهذه العائلة بالقرب والمودة وليس الدم، فهو النقيض لشخصية مهدي، وينهره بشدة عندما يحاول إلقاء اللوم على الأب لأن الشخص الناضج عليه أن يتحمل المسؤولية بنفسه”. 

رؤية عالمية 

ترى مخرجة “ماء العين” في حديثها مع فاصلة أن القدرة على ممارسة الشر هي “صفة بشرية موجودة بداخلنا جميعًا ولا تخص فئة معينة من البشر، لذا لم يذكر في الفيلم ولا لمرة واحدة أية إشارة إلى الانتماء الديني لداعش”، وتعلق مريم: “أردت أن أجعلها قصة عالمية لأني أعتقد أن القدرة على ممارسة الشر موجودة فينا جميعًا وهي غير مرتبطة بهوية ثقافية أو دين محدد، فمنذ كنت مراهقة قرأت الكثير عن وقائع إبادة جماعية في أنحاء العالم، وتشكلت لدى رؤية مفادها أن القدرة على فعل الشر موجودة في كل مكان. أعتقد أنها صفة بشرية عالمية، ولكن مع الأسف أشعر أنه منذ هجمات 11 سبتمبر2001، تم حصرها في العالم العربي الإسلامي وهذا ما يضايقني بشدة، لذا أردت عرض قصة أكثر عالمية تتناول فكرة التطرف بشكل أعم”.

Who do I belong to

تشير مريم إلى أن شخصية الأب في الفيلم القصير كانت صادمة للبعض في العالم الغربي، “لأنه رجل عربي مسلم يرفض الإرهاب بشدة ويقف ضده بقوة، وهناك اعتقاد سائد في الغرب أن المجتمع المسلم يقبل الإرهاب وكأنه شيئًا طبيعيًّا. وهذه فكرة خاطئة تمامًا حصرت التطرف في الدين الإسلامي، وكأن هناك حالة من فقدان الذاكرة الجماعي، نتجاهل معها أن التطرف الديني موجود في كل الأديان والمعتقدات”.  

وتضيف مريم “لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن كون ثقافة معينة كانت ضحية في الماضي، لا يعنى أبدًا أن أصحابها غير قادرين على ارتكاب جرائم في الوقت الحاضر والعكس صحيح، الظالمون في الماضي من الممكن أن يصبحوا ضحايا المستقبل، ومن المهم جدًا أن نفتح نقاشًا حول هذا الأمر خاصة مع ما يحدث في العالم حاليًا”.

اقرأ أيضا: «ماء العين»… أن تفسد الطبخة في فصلها الأخير

شارك هذا المنشور