رحلة طويلة خاضها الفيلم السعودي «بين الرمال» للمخرج محمد العطاوي، منذ اختياره واحدًا من المشاريع الفائزة في مسابقة «ضوء لدعم الأفلام» التي تنظمها هيئة الأفلام السعودية ، حتى وصل أخيرًا لدور العرض السينمائية بعد عامين من إنتاجه.
«بين الرمال» هو أول فيلم سينمائي سعودي يحظى بدعم لوجستي كامل من قطاع الإنتاج الإعلامي في نيوم، من إنتاج ريم العطاوي ,جنا دھلوي، وسيناريو وإخراج محمد العطاوي، ويضم طاقم العمل رائد الشمري، أضوى فهد، فاطمة الشريف، وعبيد الودعاني.
تدور قصة الفيلم في عشرينيات القرن الماضي بالسعودية، حول تاجر يفترق عن قافلته في طريق سفر طويل، ويحاول النجاة من قطاع الطرق.
المخرج محمد العطاوي، تحدث مع فاصلة عن أسباب تأخر طرح الفيلم في دور العرض السينمائية لعامين كاملين منذ الانتهاء من مرحلة الـ Post- production في 2022 وإلى الآن خاصة وأنه عرض سابقا في مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2022 ، قائلًا: «نحن سعداء بموعد عرض الفيلم، وكان لدينا فرصة كبيرة لاستغلال مرحلة المهرجانات. وكان هناك ترشيحات للفيلم بالمهرجانات وآخرها كان مهرجان (العين) بالإمارات، وكان ذلك آخر عرض أول Premiere بالمهرجانات قبل طرحه سينمائيًّا بشكل رسمي».
وعن سبب ضعف مشاركة الفيلم في المهرجانات على الرغم من فوزه بإحدى جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، قال العطاوي إن مجال صناعة الأفلام في السعودية لا يزال مجالًا جديدًا، ومن المفهوم أن توجد مجموعة من الصعوبات التنسيقية، لكنه يعتبر مشاركته في أي مهرجان بشكل عام هي فرصة كبيرة، معلقًا: «ونتمنى هذا العام المشاركة في مهرجان أفلام السعودية مرة أخرى، بناء على طلبات المشاهدين، وكذلك لتكون فرصة لنا بشكل كبير لنشارك مع المشاهدين المحليين وليس فقط الجمهور الخارجي».
«بين الرمال» الذي قوبل بثناء نقدي كبير خاصة عند عرضه في مهرجان البحر الأحمر في دورته الثانية عام 2022، كان أول الأفلام السعودية التي يتم تصويرها في الصحراء، ما لفت إليه الأنظار ودفع افلامًا أخرى لأن تتبع خطاه في استغلال الإمكانات والبصرية التي تتيحها الصحراء السعودية والحكايات الكثيرة الخصبة التي يمكن حكيها عن تلك الصحراء التي لم تحك عنها السينما من قبل.
أما عن التناول النقدي الذي قوبل به الفيلم أثناء عرضه بمهرجان البحر الأحمر فظهر بجلاء فيما كتبه عنه د. مسفر الموسى قبل أن يفوز الفيلم بجائزة المهرجان ذاك العام.
يقول المخرج محمد العطاوي لـفاصلة إن أحداث القصة تدور في الصحراء والمكان فيها بطل مهم في الحكاية وبالتالي فإن اختيار التصوير في الصحراء كان نابعًا من القصة نفسها. وتابع: «بالنسبة ليّ أهم شيء كنت أرغب في التركيز عليه خلال التصوير هو نقل صورة حقيقية عن الصحراء السعودية تعكس خصوصيتها».
يفكر العطاوي ثم يواصل التعليق: «عند مشاهدتنا لأعمال هوليودية في الصحراء، دائمًا ما نراها مكانًا قاتمًا بلا حياة، ولا يمكن تخيل أن هناك أشخاص يعيشون بها. ولكن على النقيض منهم تمامًا؛ الصحراء عندنا مليئة بالحياة، ولها سحر وقيمة خاصة في الإرث والثقافة السعوديين»، مؤكدًا: «أحببت نقل صورة الصحراء بطريقة مختلفة، يظهر بها الطابع المختلف للصحراء السعودية وتبيان أثر الصحراء في القصة، وليس استعمالها فقط كمكان للتصوير».
وعن أحد أهم التحديات التي واجهته أثناء العمل على الفيلم، يقول العطاوي: «التحدي الأكبر كان توجيه بطل الفيلم رائد الشمري الذي لم تكن له تجارب تمثيلية أمام كاميرا السينما قبل هذا الفيلم، فعلى الرغم من شهرته الواسعة على السوشيال ميديا كمؤثر إلا أنه لم يتلق تدريبًا احترافيًا على التمثيل، لذا مثل اختياره بطلًا وقيامه بدور سنام التائه في الصحراء الذي يقاتل للوصول إلى زوجته قبل أن تضع مولودها تحديًا غير هيّن».
يؤكد العطاوي أن موهبة «الشمري» كانت خير عون في هذا الصدد رائد الشمري موهبته موجودة بالفعل، وبحكم أن القصة تدور في شمال المملكة، كنت أرغب في أن تكون اللهجة طاغية على الممثل الذي سيؤدي الدور، لذا بحثت عن شخص يُتقن اللهجة الشمالية، كان هذا هو العامل الأساسي في الاختيار قبل أن تفاجئني موهبته».
يحكي العطاوي لـفاصلة: «قررنا إجراء تجارب أداء في مدينة حائل وتزامن ذلك مع فترة جائحة كورونا، وكان القائمين على الكاستينج (المساعدة في اختيار الممثلين) يرسلون إليّ فيديوهات، ومن بينهم فيديو لرائد. كانت تلك هي المرة الأولى التي أشاهده فيها. وعندما حددنا تجارب الأداء للعمل لم أحدد مشهدًا معينًا لتجسيده، بل طلبت مقطع فيديو يتحدث خلاله المشارك عن نفسه، وعندما رأيت فيديو رائد اجتمعت معه، واخترته في شخصية سنام، ولم أخبره بأن الفيلم به ذئب. فقط تحدثت معه عن الصحراء ومنحته النص، وبعد يومين اجتمعنا للمرة الثانية، وكان كل شيء واضحًا بالنسبة له وكان معجبًا بالنص وأخبرني بذلك إلا أنه أبدى تخوفه من شيء واحد، سألته: الذئب؟ فقال: لا؛ بل مشهد التمثيل مع سيدة وأنا لم أفعل ذلك من قبل. فسخرت من ذلك لأنه يحمل هم ذلك المشهد ولا يحمل هم الذئب».
رغم السخرية الودودة بين المخرج وبطله المختار، إلا أن هذه اللمحة من الشمري أكدت للعطاوي أنه من نفس البيئة التي جاءت منها الشخصية الرئيسية: «وقتها عرفت أنه من نفس البيئة التي أرغب في أن تظهر على الشاشة، وأن الدور لن يكون مختلفًا عن طبيعته، لذلك سيكون أسهل بالنسبة له وليّ. وفي بعض المشاهد كنت أخذ رأيه فيها ويعطيني رأيه بطريقة الشخصية التي يجسدها، لأن شخصيته كرائد كان لا بد وأن تتواجد ضمن شخصية سنام».
أما عن أبرز الصعوبات التي واجهها أثناء تصوير الفيلم، فيقول العطاوي إن أبرزها كان أماكن التصوير، وحجم العمل الذي لم يتوقعه، موضحًا: «عندما كتبت الفيلم كنت أظن أنني سأقدمه بعد سنوات، لكنه صار أول فيلم أقدمه، فشعرت بأن هناك تحديات من ناحية الذئب والجمال والقافلة والممثلين، لكن الحمد لله».
وتابع: «كنت أشعر بالهم تجاه دور سنام في الفيلم، ما دفعني لتأجيل التصوير لمدة 5 أشهر، وجئنا بمدرب تمثيل من مصر عمل مع ما يقرب من 80% من الممثلين الذين يمثلون لأول مرة وقتها. فاستغرقنا نحو 4 أشهر في تدريب الممثلين يوميًا، وأجرينا بروفات على النص كله، وعدلنا النص بناءً على الأداء، وذلك أسعفنا في أن نكون أكثر جاهزية للعمل».
وعن صعوبة التصوير في الصحراء، قال إنه لم يكن سهلًا أبدًا، متابعًا: «هناك أمور كثيرة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار من حيث التصوير واللوجيستيات وغيرها، لكن نحن سعوديين وهذا تاريخنا، فليس لدينا مشكلة في التصوير مرة أخرى بالصحراء».
وردًا على ما يتردد في الأوساط السينمائية السعودية حول كونه «لا يقبل بأنصاف الحلول»، خاصة أن البعض يُشيرون إلى أن شركات الإنتاج تسعى حاليًا على السيطرة على صناع الافلام والسيطرة على ما يقدمونه من أعمال، وأن عدم قبوله بذلك كان سببًا في تأخير عرض الفيلم سينمائيًّا؛ يقول العطاوي إن المجال السينمائي بشكل عام «ليس سهلًا»، وبالنسبة له فإنه يجد أن مصلحة الفيلم هي أكثر ما يهمه: «أنا مُحمَّل بمسؤولية مختلفة لأنني أتحدث من خلال الفيلم عن الثقافة السعودية، فهي مسؤولية ثقافية أكثر منها مهنية، فكنت أرغب في خروج العمل بالصورة التي أطمح إليها».
يضيف العطاوي أن العمل يغدو صعبًا «إذا كنت مهتمًا بخروج الصورة بشكلها الصحيح، وبطبيعة الحال التعاون كان مهمًا للفيلم لذا عملت شركة الإنتاج مع جهات كثيرة، والحمد لله أن الفيلم تم تقديمه بشكل جميل واستطعنا تقديم الأداء المطلوب».
وعن رأيه في عدم الإقبال الجماهيري على فيلم «هجان» الذي تم تصويره في الصحراء أيضًا، وما إذا الأفلام الصحراوية والتي تنقل صورة البادية هو السبب قال: «القصة بالنسبة ليّ هي أهم شيء، والصحراء شيء مهم بالفيلم (يقصد هجان) ولكن لم تكن هي القصة. أما بالنسبة لعملي؛ فبصراحة ليس لديّ أي توقع عن ذلك الاتجاه، فهو أول فيلم ليّ فلا يوجد توقعات، ونتمنى الخير لكل الأفلام السعودية وكذلك غير السعودية بالسينمات. لكن إن شاء الله يكون هناك اختلاف من تلك الناحية».