فاصلة

مقالات

محمد الطويان: رحلة فنية تتجاوز الزمن

Reading Time: 3 minutes

فقدت الساحة الفنية السعودية اليوم، الجمعة 31 يناير، أحد أعمدتها برحيل الفنان محمد الطويان عن عمر ناهز ثمانين عامًا، بعد مسيرة حافلة امتدت أكثر من خمسين عامًا، أثبت خلالها مكانته كواحد من أبرز نجوم الدراما السعودية والخليجية. 

كان الطويان فنانًا متعدد المواهب، جمع بين التمثيل والتأليف والفن التشكيلي، وساهم في نهضة الدراما السعودية منذ بداياتها، مقدمًا شخصيات أيقونية لا تزال راسخة في ذاكرة المشاهدين، مثل «حظيظ» في مسلسل «السعد وعد»، و«عصويد» في مسلسل عودة عصويد، ومشاركاته العديدة في مسلسل «طاش ما طاش» الذي تولى الإشراف على جزئية الرابع والخامس، وهما من أنجح مواسم العمل.

كما قدم الطويان شخصية «أبو ضاري» في «كلنا عيال قرية»، وكان مسك الختام مشاركته في الفيلم السينمائي «مندوب الليل» والذي عرض في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم قبل أن يعرض في صالات السينما السعودية محققا ً نجاحًا جماهيرًا كبيرًا.

لم تكن مسيرة الفنان الراحل مجرد رحلة فنية، بل كانت تجربة ملهمة للأجيال، فقد حرص دائمًا على تقديم أعمال تحمل رسائل اجتماعية وثقافية تعكس الواقع السعودي وتحاكي تطورات المجتمع.

محمد الطويان وعبدالله السدحان والمخرج موفق الصلاح خلال تصوير مسلسل كلنا عيال قرية (2008)
مسلسل كلنا عيال قرية (2008)

البدايات

وُلد الفنان محمد الطويان في الأردن عام 1945، وترعرع في بيئة جعلته شغوفًا بالفنون منذ صغره، رغم أن والده كان تاجرًا ناجحًا، إلا أن شغفه بالفن كان أقوى من أن يتجه نحو التجارة. عندما سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته؛ تعرّف على أساليب التمثيل الحديثة والمسرح العالمي، ليعود بعدها إلى السعودية ويبدأ رحلته الفنية التي ستستمر لعدة عقود. 

انطلقت مسيرته الفعلية في الستينيات، حيث أطل على الجمهور من خلال السهرات التلفزيونية، ثم انتقل إلى الأعمال الدرامية التي رسخت اسمه واحدًا من أوائل نجوم التمثيل في المملكة.

أعمال لا تُنسى 

تعددت أعماله ما بين الدراما والمسرح، وشارك في مسلسلات شكلت جزءًا من تاريخ الدراما السعودية، مثل عودة عصويد، وطاش ما طاش الذي أدى فيه عدة شخصيات، وكلنا عيال قرية، ولعبة الكبار، ومرزوقة. كما شارك في آخر مواسم مسلسل العاصوف الذي تناول التحولات الاجتماعية في المملكة.

ورغم تركيزه على التلفزيون، إلا أن له حضورًا مسرحيًا أيضًا، حيث شارك في مسرحيات بارزة مثل طبيب بالمشعاب وسقوط الحساب. ومع نهضة السينما السعودية في السنوات الأخيرة، خاض تجربة سينمائية فريدة من نوعها عبر فيلم مندوب الليل، الذي لقي نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر السعودي وعُرِض في مهرجانات عالمية، ليؤكد أن الطويان قادر على التألق في جميع مجالات الفن.

الفنان محمد الطويان من آخر أعماله مندوب الليل
الفنان محمد الطويان من آخر أعماله «مندوب الليل» (2023)

بصمة مميزة 

كان الطويان فنانًا استثنائيًا تميز بأسلوبه الواقعي والبسيط في الأداء، حيث استطاع أن يتقمص الأدوار ويوصل المشاعر بصدق، ما جعله قريبًا من الجمهور. لم يكن الفنان القدير الراحل ممثلًا فقط؛ بل كان صاحب رؤية ثقافية، وساهم في اكتشاف وتوجيه العديد من الممثلين الشباب الذين أصبحوا اليوم نجومًا في الدراما السعودية، مثل ناصر القصبي وعبد الله السدحان. كما كان كاتبًا مبدعًا، حيث شارك في كتابة أعمال متميزة، منها عودة عصويد. وساهم في تطوير السيناريوهات الدرامية المحلية بما يعكس الهوية الثقافية السعودية.

الفنان محمد الطويان - مسلسل «طاش ما طاش»
الفنان محمد الطويان – مسلسل «طاش ما طاش»

جوائز وتكريمات 

حصل الطويان خلال مسيرته الفنية على عديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماته في الفن السعودي. كان أبرزها تكريمه من قبل وزارة الثقافة السعودية عام 2024 بجائزة المسرح والفنون الأدائية ضمن مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية. كما تم تكريمه في حفل جوي أووردز الأخير Joy Awards 2025 ضمن فئة رواد الفن الخليجي، لكنه لم يتمكن من الحضور بسبب ظروفه الصحية. هذه التكريمات لم تكن سوى اعتراف بسيط بحجم تأثيره على الفن السعودي، حيث كان اسمه دائمًا حاضرًا بين الرواد الذين وضعوا أسس الدراما المحلية وساهموا في تطورها.

رحيل فنان لن يُنسى

يمثل رحيل محمد الطويان خسارة كبيرة للمشهد الفني السعودي، حيث ترك فراغًا لن يكون من السهل ملؤه. ونعى العديد من الفنانين والإعلاميين الطويان معتبرين أنه كان أبًا روحيًا للدراما السعودية، وأستاذًا لكثير من الأسماء التي برزت في العقود الأخيرة. فقد كان فنانًا استثنائيًا ليس فقط بأعماله، ولكن بشخصيته المتواضعة وإخلاصه للفن.

ورغم رحيل جسده، سيظل خالدًا لدى الجماهير من خلال أعماله الباقية، وصوته سيبقى حاضرًا في ذاكرة المشاهدين، ليؤكد أن الفنان الحقيقي لا يموت أبدًا، بل يظل يعيش في قلوب محبيه عبر إرثه الفني الكبير.

اقرأ أيضا: “مندوب الليل”.. وحيدًا في مواجهة المدينة

شارك هذا المنشور

أضف تعليق