في الجزائر العاصمة، يوم الجمعة 23 مايو، غاب عن عالمنا محمد الأخضر حمينة، أحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما الجزائرية والعربية. كانت وفاته بحد ذاتها مشهدًا سينمائيًا، لرجل عاش من أجل السينما، ووهب عمره لها.
وفي التوقيت نفسه، وعلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، كان مهرجان كان السينمائي يعرض ضمن قسم «كلاسيكيات كان» نسخة مرمّمة بدقّة 4K من تحفته الخالدة «وقائع سنين الجمر». الفيلم الذي لا يزال حتى اليوم الإنجاز العربي والإفريقي الوحيد الذي حصد سعفة كان الذهبية. إنجاز يفخر به كل جزائري، دون أن يخمد الأمل بأن يكرّم فيلم عربي أو إفريقي آخر يومًا بهذه الجائزة المرموقة.

في قاعة «بوينييل» بقصر المهرجانات، كنا جميعًا ننتظر بشغف لحظة عرض الفيلم مجددًا. وقد رُمّم العمل بروعة تحت إشراف المخرج الراحل نفسه، في احتفاء بخمسين عامًا على عرضه الأول، وبالإنجاز الكبير الذي حققه، وبالرجل الذي تخيّل هذا العمل وجعله واقعًا.
كنت على علم بالشغف الذي وضعه أبناء الأخضر حمينة — مروان، مالك، وطارق — في هذا الحدث، مدعومين بحماسة الموزّع مالك علي يحيى، والمغني والممثل والمنتج سفيان زيرماني. وفي اليوم السابق للعرض، سارت مجموعة من السينمائيين الجزائريين على السجادة الحمراء في كان، تكريمًا للفيلم وصاحبه. كنت من بينهم، إلى جانب مالك لخضر حمينة وزوجته، والصحفي ومدير مهرجان عنابة محمد علّال، والصحفية هنا غزّار بوعكاز، والمنتج تقي الدين إسعاد، والممثلة سارة لعلامة، والفنانة كاميليا جوردانا، وسفيان زيرماني.
في اليوم التالي، اجتاحنا وقائع سنين الجمر بمشاعره وقوته. قد يكون الفخر والانتماء قد لونا نظرتنا، لكنني على يقين أن كل من كان في القاعة — جزائريًا كان أو غير ذلك — تأثر بعظمة هذا العمل. النسخة المرمّمة كشفت عن عمق لغته البصرية، وبعده الملحمي، وإخراجه الذي منح شخصياته وممثليه كرامة إنسانية وسط كفاح يعنينا جميعًا.
ذُرفت الدموع في المشاهد الختامية، أعقبتها تصفيقات طويلة وقوفًا، لكننا خرجنا من القاعة بفرح. بالنسبة للبعض كان لقاءً متجددًا، ولآخرين لقاءً أول مع الفيلم والمخرج. ثم، وبعد أقل من ساعة، وصلنا النبأ: محمد الأخضر حمينة قد رحل.

في الفيلم، يؤدي الأخضر حمينة دور «ميلود»، الرجل الذي يراه البعض مجنون القرية، بينما هو أقرب إلى نبيّ. يصرخ في الأحياء والموتى بكلمات قوية، ذكية، ومحمّلة بالمعنى، مستوحاة دون شك من روحه. وفي النهاية، حين تتحقق نداءاته بالحرية، ويُنتزع الاستقلال بعد الألم، يختفي في هدوء، مستلقيًا بين القبور التي طالما خاطبها، ليستريح أخيرًا في جنّته الأبدية.
ربما، في تلك اللحظة بالضبط، كان محمد الأخضر حمينة يودّع عالمنا على الضفة الأخرى، في توازٍ مؤثّر مع ما رسمه في فيلمه. وبينما كان جيل جديد من السينمائيين الجزائريين يحتفي بإرثه في المكان ذاته الذي تُوّج فيه قبل خمسين عامًا، انسحب هو في صمت، تمامًا كما فعل «ميلود».
كان شاعرًا بالصورة كما بالكلمة، وفي رحيله أيضًا، كان شاعرًا. كانت النهاية مثالية لحكّاء عظيم. مشهد وداع سينمائي يليق به.
ولا شيء من هذا ينقص من حزن من عرفوه وأحبوه. لكن، هكذا ترحل الأساطير. ولهذا تبقى أسطورتهم خالدة.
اقرأ أيضا: الضوء كراوٍ صامت: حين يتقمّص النور دور البطولة في السينما