فاصلة

مراجعات

«ما تعرفه مارييل».. ماجريت زائف وعائلة حقيقية

Reading Time: 3 minutes

يمكننا ملاحظة انتشار موضوع العائلة في الأفلام الألمانية المشاركة في الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، وتناوله بأساليب وحكايات عدة، بدءًا من فيلم «الضوء- The Light» لتوم تيكفير الذي افتتح الدورة، ومرورًا بفيلم «طفل الأم – Mother’s Baby» ووصولًا إلى فيلم «ما تعرفه مارييل – WHAT MARIELLE KNOWS» للمخرج الألماني فريدريك هامبليك وهو الفيلم الألماني الثاني في المسابقة بعد الفيلم المذكور قبله. 

يقدم فريدريك هامبليك فيلمًا يتناول أسرة ألمانية صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد أم هي جوليا وأب هو توبياس وابنتهم الصغيرة مارييل. تبدو تلك العائلة مثالًا لعائلة ألمانية سعيدة ومثالية وعصرية، إذ يمتلك الأب سيارة فولكس فاجن كهربائية وتمتلك الأم سيارة مرسيدس ويسكنون في بيت جميل مكون من طابقين يبدو أنه على أطراف المدينة، لكنه ذو تصميم معماري مميز يدل على ذوق رفيع وتدل تفاصيله على رخاء مادي تعيشه الأسرة. 

What Marielle Knows
What Marielle Knows (2025)

يبدأ الفيلم بمشهد تقف فيه جوليا مع زميلها في العمل، في مكان عمل مهجور يدخنان ويتكلمان بأسلوب غير مباشر عن تجربة أشياء جديدة ونتفهم من ذلك الحوار أنهما بشكل ما يتحدثان عن الملل الجنسي في علاقاتهما مع أزواجهما، يضبط الحوار غير المباشر نغمة الفيلم منذ البداية، هذا فيلم يستخدم الكوميديا بشكل ما للغوص حتى في أعمق القضايا الشائكة. ننتقل بعدها إلى الزوج توبياس وهو في اجتماع عمل، نراه في اجتماع يحاول الدفاع عن تصميمه للطائر ذو الرأس المقطوع، بينما يهاجمه حضور الاجتماع قائلين أن هذا التصميم بشكل ما منقول من رسومات رينيه ماجريت، أو بقولهم «Pseudo Magritte» أو «ماجريت زائف» وهنا نرى فكرة من أفكار الفيلم مقدمة من خلال ذلك وهي الزيف المشابه للحقيقة. 

يعود الاثنان إلى المنزل بعد اصطحاب جوليا لمارييل إلى المنزل، يدخل توبياس ويسأل زوجته عن يومها باقتضاب ثم يسألها عن مارييل، فتقول له أنها تتصرف بوقاحة. يجلس الجميع على طاولة الغداء، لتخبرهم مارييل أنها تعرف كل ما مرا به في يومهما وأنها قادرة على سماع ورؤية ما يقومان به دائمًا وذلك بعد أن تعرضت للصفع من زميلتها في المدرسة. يُكذبها الاثنان في البداية قائلا أنها تتخيل ذلك وتخترعه، وأن كل ما تحكيه عن ما حدث معهما في ذلك اليوم ليس حقيقيًا، لكن بقرارة أنفسهما يعلمان أنها تخبر الحقيقة، الأمر كله أنهما لن يعترفا بذلك، لأنه من الأفضل لهما العيش في ذلك الزيف فضلًا عن مواجهات قد تهز صورتهما أمام أنفسهما أو قد تفسد علاقتهما ببعضهما البعض. 

من هنا تبدأ كوميديا الفيلم في التطور تدريجيًا، لنرى جوليا وتوبياس وهما يحاولان في البداية اكتشاف ما إذا كانت مارييل تمتلك تلك القدرة فعلًا أم أنها اخترقت هواتفهما؟ أم أنها تتصنت عليهما لمعرفة كل تلك التفاصيل؟ نراهما بعدها يبدآن في تغيير تصرفاتهما لعلمهما بأن هناك من يراقبهما، أو يتحدثان إلى بعضهما بالفرنسية لعدم معرفة مارييل بها، لكن هل هذه تصرفات حقيقية أم أنهما فقط يخشان الفضيحة؟! تسير الأحداث حتى لحظات يصبحان فيها أمام فكرة أساسية تنهي الصراع الداخلي المعتمل بداخلهما: لا مجال لإخفاء الحقائق، فهل تكون المواجهة هي الحل؟ 

 (2025) What Marielle Knows
What Marielle Knows (2025)

على المستوى البصري، فإن المخرج إلى حد ما لا يجمل الفيلم أو يستخدم أي تعقيدات بصرية في حكي قصة فيلمه وإنما يشبه الفيلم بصريًا أي فيلم دراما تجاري تراه على شاشة السينما، مع لقطات موجزة ذات غشاءات – فلاتر ملونة لوجه مارييل وهي تنظر إلى الشاشة لتعبر بها عن حالتها مع معرفتها لما يدور وربما تكون هي نظرة أيضًا للمشاهد تسائله قائلة :«وأنت أيضًا، هل تقول الحقيقة؟». لكن إلى جانب ذلك، فإن الدراما والكتابة المتماسكة للفيلم وحبكته تجعل منه فيلمًا ممتعًا خاصة مع أداءات ممثليه التلقائية التي تجعل الأبطال يبدون فعلًا كأشخاص عاديين تمامًا. يستخدم الفيلم إذًا عنصرًا غرائبيًا واحدًا لحكي شيء كلنا نعرفه جيدًا مهما أنكرناه، وهو أن أطفالنا يعرفون أو على الأقل يشعرون بما نفعل حتى وإن كنا متمكنين من إخفاؤه، فإحساس الأطفال كالتخاطر فعلًا خارق وثاقب لكل حائط فعلي أو وهمي. 

“ما تعرفه مارييل” فيلم بسيط حتى وإن استخدم الفانتازيا والخيال لتسيير حبكته، يناقش قضايا معقدة وثقيلة بأسلوب كوميدي ساخر ويمنحنا مساحة للنظر إلى أنفسنا وإلى علاقاتنا ورغباتنا الحقيقية وإمكانية التصالح مع أنفسنا مثلما يمنح لأبطاله في النهاية مساحة للتراحم والمغفرة في نهاية سعيدة نادرًا ما نجدها في أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي. 

اقرأ أيضا: «القمر الأزرق».. لينكليتر يعزف على الزمن

شارك هذا المنشور

أضف تعليق