فاصلة

مراجعات

«ليست وحشًا. شرسة للغاية»: رشيدة لانكستر أو الهوس بالعرب كموضوع للأفلام

Reading Time: 3 minutes

ضمن قسم العروض الخاصة «برلينالي سبيشيال» قدم مهرجان برلين السينمائي فيلم المخرج الألماني من أصل أفغاني برهان قرباني الأحدث «ليست وحشًا. شرسة للغاية – No Beast. So Fierce». قرباني الذي قدم سابقًا «شهادة- Shahada» و«برلين ألكسندر بلاتز-Berlin Alexanderplatz» وكلاهما عُرضا في دورات سابقة لمهرجان برلين، ويُعد حاليًا من الأصوات السينمائية الألمانية المتحققة والمنتظر جديدها بشكل دائم. 

شاهدت فيلمه السابق «برلين ألكسندربلاتز» وأُعجبت به حتى وإن كان به بعض المبالغات، إلا أن اقتباسه الفائت لرواية ألفريد دوبلن بذات الاسم كان موفقًا في تحديث القصة ونقلها إلى عالم معاصر. في فيلمه الجديد يحاول فعل ذات الشيء، اقتباس أدبي آخر لكن هذه المرة لمسرحية لشكسبير هي ريتشارد الثالث. تدور أحداث المسرحية الأصلية حول ريتشارد الثالث، ذو الإعاقة المتلهف للسلطة لدرجة أنه يقتل كل من يعيق طريقه ليصبح ملكًا، ربما كتعويض عن إعاقته. يتحول ريتشارد في الاقتباس الحر لقرباني إلى رشيدة، محامية شابة، تعرضت لأهوال في طفولتها، وهي ابنة لعائلة من اثنتين تحكمان عالم الجريمة في برلين هما عائلتي لانكستر ويورك، ورغم أسمائهما المستوحاة من المسرحية إلا أنهما عائلتين عربيتين. هنا ربما يكون تعويض رشيدة المماثل لتعويض ريتشارد عن عجزه، هو أنها امرأة، يصعب أن تصل إلى أي سلطة مع وجود أي رجال في أي من العائلتين، ما يدفعها للبدء في عمليات قتل متكررة لكل المرشحين المحتملين للسلطة، حتى الأطفال. يُصور كل ذلك بديكور ومواقع تصوير وأداء مسرحي للغاية بلغة منضبطة سواء في الألمانية أو العربية مع إنتاج ضخم وتصوير متميز.  

No Beast. So Fierce (2025)
No Beast. So Fierce (2025)

يبدأ الفيلم بلقطة لفتيات صغيرات في صحراء، بالتأكيد ترمز لعالم بعيد كل البعد جغرافيًا عن ألمانيا، وبه يحدث انفجار تراه الطفلة الصغيرة، التي سرعان ما نراها محامية تقف في محكمة تتحدث بالألمانية وسط جلسة قضائية محتدمة بين عائلتين من المافيا. تنتهي الجلسة، وتخرج رشيدة، لتنظر من الأعلى إلى العائلة الغريمة لعائلتها، وترتكب جريمة اغتيال لعدد من رؤوس تلك العائلة عن بُعد، وتنظر بتشفٍ إلى أرملة تلك العائلة التي فقدت زوجها وأخيها في الحال.

من كل ذلك، يبدو فيلم قرباني للوهلة الأولى محمسًا، نص أدبي شكسبيري، عالم معاصر، امرأة قوية، أسلوب مسرحي واضح وإنتاج ضخم وتمكن تقني أظهره في أفلامه السابقة. لكن مجرد أن تبدأ رشيدة في خوض رحلتها للتخلص من كل الأعداء، فإن الفيلم يفقد بريقه تدريجيًا، ويتحول إلى مشاهد مسرحية مطولة تخلو من أي دراما حقيقية، بل ومن أي منطق لمقدمات ذلك الفيلم. 

ليست وحشًا. شرسة للغاية
No Beast. So Fierce (2025)

انطلق هذا الفيلم في رحلته قبل خمسة أيام بالتحديد من الانتخابات الألمانية، والمرجح فوز اليمين بها بمكاسب عالية، ووفقًا لحديث برهاني ذاته فإن ذلك الفيلم هو نوع من الصرخة للحرية الحقيقية، وأن رشيدة تستخدم كل ذلك العنف لتتعامل مع الصدمة التي تعرضت لها صغيرة، لكن رشيدة لا تبدو أنها تحارب أي أحد غير ذاتها، فجميع الذين تود التخلص منهم يبدون أقل ذكاء أو حكمة أو قوة منها، وما هذه البطلة التي لا تتعرض لمأزق أبدًا، أين تقع نقاط ضعفها؟ ولماذا تحب أرملة من قتلتهم؟ هل لأنها تحاول من خلال مثليتها أن تعبر إلى عالم تحكمه النساء؟ من هنا تبدأ نقطة الضعف الأولى وهي أن قرباني لا يصور لنا ما هي مدى العقبات الحقيقية التي تواجه رشيدة في رحلتها نحو الحُكم، وإنما نراها تنتصر على أعدائها بكل سهولة وبخطابات مُحكمة ربما تكشف الدراما بشكل كلامي مزعج. 

في وسط كل الديكورات المصممة بشكل مسرحي، والحركة والكلام المتكلفين للغاية، نشعر أننا نرى عملًا لمخرج مهووس بشكل ما بأشياء عدة لا تقدم أي شعور حقيقي. الهوس الأول هو هوس شكلاني بحت، ففي أحيان كثيرة يبدو الفيلم كفنون الفيديو التي تركز على العناصر البصرية فقط دون الدراما، إضافة إلى تكوينات الممثلين والممثلات داخل الكادر، والهوس الثاني هو ربما هوس بالثقافة العربية، لكنه نظر إليها من الخارج، فنشعر أنه إذا استبدلت البطلة العربية بأي بطلة من أي دولة عالم ثالث تعرضت لموجات هجرة أو حروب، فإن الفيلم لن يتأثر بشكل كبير، لكن يمكننا بشكل ما أن المخرج يضيف ملمحًا إكزوتيكيا للثقافة العربية أو الإسلامية تحديدًا في عناصر حكيه، لكنه بشكل ما لا يُحسن استغلال ذلك، وأكثر ما يؤكد ذلك، هو أنه إذا كانت الأسرتين العربيتين تتحدثان الألمانية فإننا لا نرى فيهما أي شيء عربي إلا أسمائهم!

ليست وحشًا. شرسة للغاية
No Beast. So Fierce (2025)

فيلم قرباني فرصة مُهدرة بالتأكيد، إذ امتلك طاقم تمثيل ممتاز من عوالم المسرح والسينما، ونص أدبي يقتبسه، وإنتاج ضخم، وموقع مثير للأحداث (برلين) لا يُظهر منه أي شيء فعلي. لماذا أُهدرت الفرصة؟ لأن الفيلم لا يحرك داخلك ساكنًا ناحية بطلته، ذو دراما مُسطحة، ولأن مخرجه يبدو مفتونًا بوضع عناصر شكلانية وحكائية كبيرة دون النظر إلى منطق القصة الأساسية، فتظهر رشيدة كوحش لا نعرف مدى شراسته لأن أعداؤه ضعفاء. 

اقرأ أيضا: «ميكي 17»… غرابة المأساة وكوميديتها

شارك هذا المنشور

أضف تعليق