فاصلة

مقالات

لمحات من السينما السعودية: من سينما الأحواش إلى البحر الأحمر

Reading Time: 4 minutes

مرت السينما السعودية بالكثير من التذبذبات في مراحلها المختلفة، منذ بداية الخمسينات وحتى اليوم، تغيرت ملامحها كثيرًا ما بين الماضي والحاضر، تغير المتلقي ثقافيا واجتماعيًا، مما يعطي قصتها طابعًا مختلفًا.

بداية الطريق العكسية من هوليوود! 

إذا اعتبرنا أن المرحلة الاولى من صناعة السينما السعودية بدأت في فترة إنتاج الوثائقيات الخاصة في شركة “أرامكو” في فترة الخمسينات وبعض الأفلام الروائية مثل فيلم “الذباب” تبعها ما يعرف بسينما الحوش أو أفلام الأحواش والأسطح وسينما الأندية الرياضية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وقبل ذلك تجارب الممثل السعودي الراحل خليل الرواف في هوليود، والذي كان له الانطلاقة الرسمية الأولى لسينمائي سعودي في هوليوود من خلال فيلم “I Cover the War!” مع جون وين، مع تقديم بعض الأفلام والمسلسلات والأعمال السعودية الخاصة بالتلفزيون السعودي في فترة السبعينيات.

وقد يصح القول على أن فترة المخرج عبدالله المحيسن بإنتاج أفلام وثائقية محترفة هي المرحلة الثانية من صناعة الأفلام السعودية تزامن معها في عقد الثمانينيات إنتاج سعودي تنفيذي خاص للسينما المصرية، ثم بالفيلم الروائي الطويل لسعد خضر “موعد مع المجهول” والذي من بعده توقفت الأفلام الروائية السعودية.

توقف جاء تزامناً مع حادثة اقتحام جهيمان الحرم سنة 1979 وغيرها من التقلبات الجيوسياسية التي عاشتها المنطقة، مع المزاج الشعبي وغيرها من التفاصيل، لتستمر فقط بعض الأعمال السينمائية التسجيلية مثل فيلم عبدالله المحيسن “الصدمة” وفيلمه الآخر الذي وثق فيه رحلة الأمير سلطان بن سلمان للفضاء في ثمانينات القرن الماضي، وغيرها من الأفلام التسجيلية القصيرة التي من ضمنها سلسلة برنامج (سلامتك) الفيلمية، وحتى السهرات التلفزيونية التي كان ينتجها التلفزيون والتي تعتبر بشكل أو بآخر تعريفاً قديماً للفيلم الروائي القصير.

الثمانينات فترة التعثر والتغيرات

في نهاية الثمانينات توقف الإنتاج بشكل نسبي قبل أن يعود الأمل لكل صناع الأفلام في العالم مع ثورة تقنية أفلام الفيديو والتي يستطيع من خلالها صناع السينما تصوير أفلامهم من دون ميزانيات ضخمة تتطلبها كاميرات السينما المكلفة.

في بداية القرن الحالي بدأ عصر الكاميرات الرقمية، وهذا الأمر ساهم في عودة صناعة السينما السعودية بالشكل الحالي لينطلق الجيل الثالث المبني على قلة التكاليف والفيلم من خلال الفيديو، وهذا الأمر جعل المخرجة هيفاء المنصور صاحبة الريادة في الأولوية بصناعة أول فيلم بالتجربة الرقمية من خلال أفلام “من” عام ١٩٩٧ و “أنا والآخر” في 2001.

عرضت هذه الأفلام في أبوظبي من خلال مهرجان الخليج السينمائي وهو المهرجان الذي أسسه السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله ليكون مهرجاناً خليجياً يجمع صناع الأفلام الخليجيون في مكان واحد بشكل شبيه بدورة الخليج الخاصة بكرة القدم، ولكن هذه المرة في المجال السينمائي، لتنطلق بذلك شعلة الجيل الثالث من صناعة السينما السعودية التي تشكلت عام 2005.

تبعت هذه التجارب، تجارب أخرى استفادت من مخزونها السينمائي من موقع سينماك السعودي، والذي كان يضم مجموعة من السينمائيين العرب الذين لديهم شغف واحد وهو عشق السينما، ومن بين هؤلاء خرج لنا عدد من السينمائيين السعوديين مثل محمد بازيد وعبدالله آل عياف في “القطعة الأخيرة” و”السينما ٥٠٠ كلم”، والفيلم الأخير كان يوثق زاوية عشق السعوديين للسينما. 

نقلة زمنية وتجارب جدية

 عام 2006 كان سنة فارقة بالنسبة للسينمائيين السعوديين إذا كانت نقلة نوعية للأفلام السعودية الروائية بفيلمين وهما “كيف الحال” التجربة التجارية لشركة روتانا إضافة لفيلم المخرج عبدالله المحسين “ظلال الصمت” واللذان كانا الأفلام الأولى روائياً في سياق سينما الفيديو السعودية.

في ذات السياق بدأت الأفلام السعودية الروائية القصيرة تنتج في كل منطقة في المملكة من الرياض قدمت أفلام لمخرجين شباب وجدد مثل تجربة نواف المهنا “مجرد يوم” والذي نال عليها شهادة تقدير خليجية وتجارب أخرى لسمير عارف وطلال عايل، ومن الشرقية قامت مجموعة “القطيف فرنيدز” من الشباب بصناعة فيلم قصير بنفس محافظ توعوي بعنوان “رب ارجعون” ومن الغربية برزت أسماء مثل محمد هلال، ومشاري هلال وممدوح سالم ويجب أن نتوقف عند الإسم الأخير الذي قام بتأسيس مهرجان جدة للعروض المرئية في العام ٢٠٠٦. 

وفي سنة 2007 برز اسم علي الأمير من خلال فيلمه طفلة السماء، اضافة للتجربة السينمائية الأولى لعبدالله ال عياف من خلال فيلم “إطار” والذي نال أول جائزة خليجية روائية سعودية سينمائية بفوزه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمسابقة أفلام من الإمارات عام 2007

بشكل موازي بدأت تتشكل الحركة النقدية السينمائية في المملكة من خلال بعض الأسماء الهامة مثل رجا المطيري في زاويته المعتادة وقتها بصحيفة الرياض مع الكتابة المسرحية والسينمائية لرجا العتيبي، ولا ننسى خالد ربيع السيد والذي قام بتأليف كتاب هام بعنوان ” فيلموغرافيا السعودية” والذي يرصد فيه الحركة السينمائية السعودية من “1977 – 2007م”، ومن خلال صحيفة الوطن في النشرة النقدية وصحيفة الشرق الأوسط بصفحتها السينمائية المتخصصة، مع ندوات حية لعدد من النقاد من أبرزهم طارق الخواجي. 

المخرجات السعوديات.. العنصر الأعمق في الصناعة

عام ٢٠٠٨ كان الإنتاج الاضخم عدداً والأهم عمقاً وفي هذا العام برزت المخرجة السعودية كعنصر هام في مسيرة السينما بالمملكة من خلال عدد من المخرجات مثل نور الدباغ وهناء العمير وهناء الفاسي وغيرهن، كذلك تشكلت ظاهرة المجموعات السينمائية مثل مجموعة قيثارة من الشرقية التي أنتجت التحفة السينمائية “بقايا طعام”، ومجموعة تلاشي السينمائية والتي تميل أكثر للمواضيع الاجتماعية الصادمة، وظهرت متأثرة بالمجموعة الكويتية السنيمائية التقدمية “عكس”.

وهذا العام برز العديد من الأسماء السينمائية الواعدة مثل بدر الحمود، عبدالعزيز النجيم، عوض الهمزاني، حسام الحلوة، ومحمد الظاهري والاخير نال فيلمه “شروق غروب” جائزة الفيبريسي الهامة في مهرجان دبي السينمائي الدولي. 

عهد كامل شكلت خطاً مميزا لها باعتبار تجربتها الفنية في القندرجي تحمل نفساً عربياً سينمائياً ناضجاً و صعد اسمها سريعا في مصاف المخرجات السعوديات المتميزات. 

تشكل ايضاً وعي للكتاب السينمائيين المتخصصين في السيناريو مثل عباس الحايك وهناء العمير وغيرهم، قبل أن يصبح لدينا كتاب محترفين أمثال: مفرج المجفل وعبد العزيز العيسى ومنال العويبيل 

مهرجان أفلام السعودية 

في عام ٢٠٠٩ احتفل السعوديون بقيادة  الشاعر أحمد الملا هذه المرة بإطلاق مهرجان أفلام السعودية بشكل رسمي في الدمام، هذه المرة وبشكل ربما متواضع في وقته حيث كانت استضافة الأفلام في مقر الجمعية المتواضع كإمكانيات، ولكن كانت الأجواء احتفالية حميمية غير مسبوقة، في عرض الافتتاح تواجد غالبية صناع السينما وممثلين من جماعات مختلفة، حتى ممثلي “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تواجدوا أثناء عرض فيلم الافتتاح.

كان المهرجان مع عناصر اخرى علامة فارقة في النهوض في السينما السعودية التي تشكلت وتطورت ونضجت بسرعة مع دخول تجارب شبابية ملفتة في الساحة السينمائية مثل المخرج علي الكلثمي من خلال “تلفاز 11″، ومثل هند الفهاد بتجربتها البسيطة في فيلم بسطة وتعيش اليوم صناعة فيلم “شرشف” والذي يرصد المجتمع السعودي في فترة ما قبل جهيمان، والمخرج عبدالمحسن الضبعان من تجربة الباص العادية إلى الوصول للعالمية من خلال منصة نيتفلكس عبر فيلمه الخطابة .

ولاننسى أحد أهم مخرجي الواقعية السعودية  عبدالعزيز الشلاحي من تجارب طموحة الى أول فيلم سعودي ناجح فنياً في صالات السينما وهو “حد الطار”، وإن تحدثنا عن صالات السينما يجب أن نتذكر تجربة الأخوين قدس الاولى المهمة في “كآبة المنظر” والتي قادتهم بجدارة لفيلمهم الأول في السينما وهو “شمس المعارف” والذي يعتبر الفيلم الأشهر لدى الجمهور في وقته، قبل أن يكتسح فيلم “سطار” شباك التذاكر من جديد ويحقق بالأرقام الإنجاز الأهم تجارياً في السينما السعودية حتى الآن، ويتبعه فيلم “الهامور” المفاجأة الحقيقة، الذي رشحته المملكة ليمثلها في الأوسكار.

هناك بالطبع الكثير والكثير من الافلام السعودية والتي وصلت اليوم للقيمة الفنية والتجارية المتوقعة، ولازال لديها الكثير ولكن عليها أن تتسم بالتواضع الطموح والتعلم من تجارب الآخرين أكثر وأكثر للوصول أيضاً للجمهور العالمي ليس فقط من خلال المهرجانات بل حتى من خلال الصالات. 

اقرأ أيضا: لماذا “شمس المعارف” من كلاسيكيات السينما السعودية؟

شارك هذا المنشور