تَعرض الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، المُقامة في الفترة بين (5 ـ 14 ديسمبر 2024) مجموعة من أهم الأفلام السعودية الطويلة، حيث تبرز التوقعات العالية بعد النجاحات التي حققتها أفلام سعودية سابقة بالمهرجان هي: «ناقة»، و«مندوب الليل»، و«نورة» الفيلم الذي عُرض بعد ذلك في مهرجان كانّ السينمائي الدولي.
في هذا التقرير توجز «فاصلة» تلك المُشاركات الموزعة على برامج الدورة ومسابقاتها المختلفة:
صيفي
يمثل هذا الفيلم السينما السعودية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. «صيفي» (2024) من إخراج وائل أبو منصور وبطولة مجموعة من الممثلين، من بينهم: أسامة القس، براء عالم، عائشة كي، نور الخضراء، وحسام الحارثي. تدور أحداث الفيلم في تسعينات القرن المنصرم وتتمحور حول «صيفي محمد» الأربعيني الموهوم بالثراء السريع، الذي بالرغم من مهاراته المحدودة، يتمسك بفرقته الشعبية التي تُحيي الأفراح الجماعية، بمساعدة رفيقه «زرياب أبو الحسن»، ويعتني أيضاً بمتجره «شريط الكون» الذي يبيع فيه أشرطة تسجيل متنوعة، وبخاصة تلك الأشرطة ذات الطابع الديني والخطب الإسلامية الممنوعة، التي يوفرها له «المهدي»، المستشار الديني لرجل الأعمال الشيخ أسعد أمان». يجد «صيفي» شريطًا يحتوي على تسجيل خاص يجمع الشيخ «أسعد» و«المهدي»، محتواه قادر على تدمير مكانة الشيخ الاجتماعية. يدخل «صيفي» في مغامرة خطيرة لابتزاز «المهدي» ماليًا، الأمر الذي يضطره إلى الهروب والاختباء لدى طليقته «رابعة»، الشغوفة بجلسات تطوير الذات والاستشفاء بالطاقة. بمساعدة أختها «رابية» (نور الخضراء)، يقتحم «صيفي» حياتهما، مستغلًا العلاقة المضطربة بين الأختين للبقاء أطول فترة ممكنة، قبل أن تتفاقم المشكلات وتشمل الجميع.
الفيلم هو اختيار استوديو «تلفاز ١١» لهذا العام في المهرجان، وهو الاستوديو الذي اعتاد الضخ على السينما السعودية بمعدل فيلم أو فيلمين سنويًا، حفاظًا على تنوعه المحمود في المشهد السينمائي السعودي، ومما لا شك فيه فإن «تلفاز» سيسعى جيدًا للبحث عن جمهور الفيلم الخاص، بعد نهاية المهرجان، وطرحه في دور العرض السينمائية.
من جهة أخرى فالفيلم هو التجربة الروائية الثانية لوائل أبو منصور بعد فيلم «مدينة الملاهي» التجربة التي مرت بالعديد من التحديات والصعوبات لذا، كان مقبولًا أن يتم التماس العذر للمخرج في هذا الفيلم، لكن مع «صيفي» الأمر مختلف تمامًا، لأن هذا الفيلم يعد أحد أكثر التجارب السينمائية مثاليةً لدى استوديو تلفاز، من ناحية الصعوبات اللوجستية المعتادة التي تواجه صناع الأفلام في تجاربهم، لذا، فإن كان هناك ملاحظات على الفيلم من أي ناحية فلا شك ستكون مشاكل وعيوب في صميم إخراج العمل نفسه.
هوبال
في تجربته الروائية الثالثة بعد فيلم «حد الطار» والمسافة صفر، يعود المخرج عبد العزيز الشلاحي بفيلمه الجديد «هوبال» مع رفيق دربه الكاتب مفرج المجفل في استمرار لثنائيتهما الناجحة سينمائيًا.
الفيلم مُدرج ضمن فعاليات برنامج «روائع عربية». وهو من بطولة مشعل المطيري، ميلا الزهراني، وإبراهيم الحساوي،. وتدور أحداثه حول «ليام»، الرجل الثمانيني المُقتنع بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد زعمه، كان آخرها اندلاع حرب الخليج الثانية. يدفعه ذلك إلى الانعزال وإجبار عائلته على الابتعاد عن كل سبل التحضر لتجنب العذاب. تنصاع العائلة لتعليماته، باستثناء «عسافر»، الذي يحب ابنة عمه «ريفة»، المصابة بمرض الحصبة، الذي تفشّى داخل العائلة. ويخشى أن يأخذها المرض منه كما حدث مع ابنة عمه الأخرى، فيقرر الهروب إلى القرية لعلاجها في المشفى، متحديًا تعليمات الجد. وتتطور الأحداث مع تصاعد النزاع بين من يلتزم بالتعاليم المتشددة ومن يقرر الخروج عنها.
الفيلم يعتبر أول تجربة للشلاحي بعد التحولات السينمائية العديدة، ففيلم «حد الطار» مثلًا، والتي حقق نجاحًا سينمائيًا، كان قد عُرض في وقت التشديدات الصحية وإغلاق دور العرض السينمائية خلال فترة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، لذا، فإن التوقعات والآمال المعقودة عليه كبيرة جدًا، ويبقى السؤال هل تكون تجربته هذا العام بنفس مستوى نجاح وجماهيرية «حد الطار»؟
ليل نهار
يُعرض الفيلم ضمن برنامج «روائع عربية»، وهو من إخراج عبد العزيز المزيني في أول تجاربه السينمائية كمخرج، الفيلم من بطولة زياد العمري، أبرار فيصل، عبد الله السدحان، ونواف السليمان. شارك في كتابته إلى جانب المخرج أحمد ندا وأضواء بدر.
تدور الأحداث حول «نهار»، وهو مُغني أوبرا محبوب، يجد نفسه في قلب عاصفة «إلغاء» بسبب انتشار فيديو يتهمه بالعنصرية. يعلن بشكل مفاجئ عن عزمه الزواج من امرأة سمراء على الهواء مباشرة، ليبدأ سباقًا مع الزمن لإيجاد المرأة المناسبة. يتزوج المغني الشاب من مغنية أفراح، وتتحول علاقتهما من علاقة مصالح متبادلة إلى رحلة عاطفية وموسيقية مليئة بالتحولات المُفاجئة وغير المتوقعة.
الفيلم يُمثل العديد من التحديات كونه أول فيلم من إخراج المزيني صاحب التجارب العديدة الناجحة في عالم الإنيميشن خاصة في «عالم مسامير» من مسلسلات وأفلام قبل أن يقدم تجربته الناجحة ـ بعيدًا عن الإنيميشن ـ برفقة رفيق دربه مالك نجر في فيلم «راس براس»، الذي حقق مشاهدات عالية على منصة «نتفلكس».
وعلى الرغم من عرضه في مهرجان البحر الأحمر إلا أن فيلم «ليل نهار» هو فيلم جماهيري يستهدف شباك التذاكر، لذا، فهو اللقاء الحقيقي الأول للمزيني مع شباك التذاكر فهل يحقق الفيلم أحلام المزيني في صالات السينما؟ هذا ما سنراه.
سلمى وقمر
في هذا الفيلم، تقدم المخرجة السعودية عهد كامل تجربة سينمائية من كتابتها، يعرض الفيلم السعودي البريطاني الإنتاج ضمن برنامج «روائع عربية». وتدور قصته حول «سلمى»، الفتاة الصغيرة التي تتميز بالذكاء والعزيمة. رغم صغر سنها، فهي تعرف تمامًا ما تريد من الحياة. وتعكس شخصية «سلمى» قوة الطموح والإرادة، لكنها تعاني من غياب والدها وبعده دومًا عنها، وبسبب هذا تتعقد علاقتها بوالدتها. فتجد «سلمى» في سائقها السوداني قمر» دعماً يُثري تجربتها الحياتية ويمنحها شعورًا بالأمان.
الفيلم هو التجربة الروائية الأولى للمخرجة عهد كامل، التي كان لها العديد من التجارب السينمائية المهمة قبل سنوات، وأبرزها فيلم «حرمة»، أول فيلم سعودي يُشارك في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2013، بجانب فيلم قصير آخر لها بعنوان «القندرجي»، وطبعًا مشاركتها الهامة في الفيلم السعودي الهام «وجدة».
فيلم «سلمى وقمر» والذي يحمل اسم «أنا وسائقي» في النسخة الإنجليزية، الاسم الذي كان يحمله أيضًا بالعربية قبل تغييره إلى «سلمى وقمر» مر بظروف عديدة أخرت وعطلت تصويره بشكل كبير، وقد يكون حتى موضوع السائق وقيادة المرأة للسيارة موضوعًا قد أُشبع طرحًا في السينما، لكن كون الفيلم يمثل تجربة شخصية للمخرجة، يجعلنا نترقب الفيلم بشغف أكبر، خاصة وكما ذكرنا فإن عهد من أكثر المخرجات اللاتي كانت لهن نجاحات كبيرة خلال فترة الألفية الأولى، فلاشك أن هذا الفيلم يمثل التجربة الأكثر نضجًا في مسيرتها.
مركب فرسان: 128 كيلومترًا عن بر الأمان
فيلم وثائقي طويل من إخراج موفق علي العبيد وتأليف نايف نجر. يُعرض ضمن برنامج «سينما سعودية جديدة». يوثق الفيلم أحداثًا وقعت عام 2016، عندما انطلقت مجموعة من الشباب في رحلة صيد قصيرة حول جزيرة فرسان قبالة ساحل جازان. كان من المفترض أن يعودوا خلال ساعة واحدة فقط، إلا أنهم ضلوا طريقهم بسبب ضباب كثيف، متجهين دون قصد منهم نحو الحدود اليمنية التي كانت تشهد حربًا ضروسًا. طاف الشباب بلا مأوى لمدة 90 ساعة، عانوا خلالها العطش والجوع وواجهوا مخاطر القراصنة ونيران الأعداء. ومع ذلك، لاح لهم في نهاية المطاف بصيص أمل.
الفيلم يعد استمرارًا لعرض وثائقيات «ثمانية» السنوية في المهرجان والتي تُشارك غالبًا في قسمٍ واحد، وهو قسم «سينما سعودية جديدة»، ولكن التغيير الملحوظ هذا العام هو اختيارهم لعمل وثائقي مرتبط بحدث، عكس توجههم في تناول وثائقيات سيرة ذاتية، كفيلمي «قصيدة الملك»، و«خالد الشيخ».
ثقوب
يقدم المخرج عبد المحسن الضبعان تجربة سينمائية مختلفة من خلال فيلمه «ثقوب» (2024) من بطولة مشعل المطيري ومريم عبد الرحمن. يُعرض فيلم الدراما والإثارة ضمن برنامج «سينما سعودية جديدة – الأفلام الطويلة»، وذلك بعد عرضه في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
تدور القصة حول بحث «راكان» وزوجته «ريم» عن شقة للإيجار بدلًا من عيشهما مع والدته المسنّة. ويعثر الزوجان على شقة تبدو مثالية باستثناء وجود ثُقب في الجدار، يبدو كأنه حدث نتيجة ضربة بمطرقة. ويتجاهل «راكان» الأمر بشكل غريب. بين الحاضر والماضي، تتكشف قصة مليئة بالمكالمات الغامضة واللقاءات المشبوهة والانفجارات العنيفة. تتعقد الأحداث عندما تتعرض والدة «راكان» لهجوم، مما يدفعه لمواجهة الشخص الذي لم يكن يرغب في رؤيته على الإطلاق.
الفيلم يمثل تجربة عبدالمحسن الضبعان الثالثة بعد تجربتين أحدهما ناجحة جدًا وهي فيلم «آخر زيارة» والذي شارك في كارلوفي فاري، ونال جائزة التحكيم في مراكش، والأخرى تجربة متواضعة وهي فيلم الخطابة والذي عرض على منصة نتفلكس من إنتاج «تلفاز١١».
اقرأ أيضا: نظرة على أبرز الأفلام العربية في «البحر الأحمر» السينمائي