حلّ المخرج والممثّل الكندي الشهير كزافييه دولان، 35 عاماً، ضيفاً على الدورة الخامسة عشرة من مهرجان لوميير السينمائي (12 – 20 أكتوبر) المتخصص في استعادة كلاسيكيات السينما والأفلام المرمّمة ورد الاعتبار إلى الجواهر التي طواها النسيان.
داخل صالة «باتيه – بلكور» المكتظة بالمعجبين ومحبي الفنّان الشاب، تحدّث دولان عن مسيرته التي بدأها عام 2009 مع «قتلتُ أمي» ولم يكن أنهى حينها عامه العشرين بعد. طوال ما يقارب الساعة ونصف الساعة، رد على أسئلة الصحافية والناقدة فيرجيني أبيو، قبل أن ينصرف إلى حفل توقيع كتابه الأحدث، «صداقة من خلال فيلم»، كتاب يضم مجموعة من صور التقطها شاين لافيرديير خلال تصوير فيلمه «مومي» الذي فاز عنه بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كانّ 2014، مناصفةً مع جان لوك غودار.
كان «مومي» أول عمل له «يقتحم» به مسابقة كانّ، بعد ثلاثة أفلام عرضها في المهرجان نفسه. وقد حقق إيرادات تتجاوز المليون مشاهد في فرنسا (ثلاثة أضعاف إيراداته في مسقطه كيبيك)، مما يفسر شعبيته الكبيرة في بلاد تروفو. الفيلم هو حتى هذه اللحظة أكبر نجاحاته الجماهيرية.
ثمانية أفلام روائية طويلة هي مجمل ما أنجزه دولان بين عامي 2009 و2019، وأضحت محور اللقاء المفتوح مع الجمهور تناول خلاله أيضاً ماضيه وحاضره ونظرته إلى المستقبل ونضجه التدريجي الذي اختزله في الجملة الآتية: «باتت السينما، في العالم الذي نعيش فيه اليوم، شيئاً ثانوياً أحياناً».
أما عن الحبّ الذي يحتل مكاناً بارزاً في عمله، فوصفه على هذا النحو: «الحبّ من التيمات المهمة في أفلامي. كلّ حياتي ترتكز على الصداقة. أفلامي عن الحبّ هي في الأصل قصص صداقات. «ماتياس ومكسيم» هو في نظري فيلم عن إعادة البناء والشفاء. السينما هي طريق نسلكها لنعيش حياةً أفضل. أُظهر في أفلامي شخصيات تنهض مجدداً من كبوتها. أهوى المناضلين، هؤلاء الذين يبحثون عن عدالة اجتماعية».
في الآتي، بعض من أهم ما جاء في هذا اللقاء.
فيرجيني أبيو: كتابك الجديد «صداقة من خلال فيلم» يحتوي على صور فوتوغرافية التُقطت خلال مغامرة إنجاز «مومي» ومشاركته في مهرجان كانّ. تتنوّع الصور كثيراً: بالأبيض والأسود وبالألوان وبزوايا مختلفة. يعطي هذا شعوراً باللعب. هل يمكنك أن تشرح لنا أصل هذا المشروع ولماذا أردتَ نشر هذا الكتاب؟
كزافييه دولان: لم أكن لأفكّر يوماً في نشر كتاب صور عن أحد أفلامي دون دافع من المصوّر شاين لافيرديير. لقد تعاوننا معاً منذ «مومي»، وقد تابع المشروع في كانّ ثم في أفلام أخرى مثل «فقط نهاية العالم». ما يثير إعجابي هو أنه قادر على التقاط شيء يتجاوز الصور التقليدية، بل هي لحظات فريدة من العملية الإبداعية. ديناميكيات غير متوقّعة وعواطف. يروي هذا الكتاب كواليس العمل ويتجاوز «مومي» من خلال عرض الحياة المحيطة بالفيلم، من الكواليس إلى مهرجان كانّ.
أبيو: هذا الكتاب مليء بالطاقة، ونجد فيه أيضاً تفاصيل دقيقة جداً في الديكورات والملابس… كلّ شيء يبدو مدروساً بعناية. حدّثنا عن أهمية الديكور والتفاصيل بالنسبة إليك.
دولان: الديكور والتفاصيل أساسية عندي. ليس فقط تصوير المناظر الطبيعية أو الداخل الجميل، بل أيضاً التقاط التوافه، مثل منفضة مليئة بأعقاب السجائر. بالنسبة لي، الجمال يكمن في التفاصيل، مما يمنح الفيلم الحياة. سواء كانت غرفة متهالكة أو إطاراً فخماً، كلّ شيء مدروس ليروي شيئاً. أحب أن أعتني بهذه التفاصيل مع الممثّلين والفريق، لأنها ما يجعل الفيلم حقيقياً.
أوبيو: ماذا عن اهتمامك بالأزياء؟ في أفلامك، غالباً ما تكون الملابس رمزية. كيف تعمل على هذا الجانب مع الممثّلين؟
دولان: الملابس أشبه بجلد ثانٍ، وتخبر الكثير عن الشخصية. بالنسبة لي، من الضروري أن يكون للممثّل الحق في اختيار ملابسه، لأنها أول أداة بصرية له، حتى قبل أن يتحدّث. اختيار الملابس يساعد في التعريف عن الشخصية وكشف جوانب دقيقة عنها.
أوبيو: يتجلى هذا أيضاً في تسريحات الشعر. في كلّ فيلم، تتغير تسريحتك. يبدو أن لهذا دلالة على الأدوار التي تلعبها وتخرجها بنفسك.
دولان: نعم، أستمتع كثيراً بتغيير تسريحات شعري. إنها وسيلة لتحويلي، للاختباء خلف مظهر مختلف. إنها جانب من جوانب الإخراج التي أجدها مثيرة جداً، وهي وسيلة أخرى لاستكشاف الشخصيات التي ألعبها أو أخرجها.
أبيو: غالباً ما تكون الأصوات في أفلامك متسارعة ومليئة بالعواطف. يبدو أن الصوت يلعب دوراً مركزياً في سينماك. هل يمكنك أن تخبرنا المزيد عن ذلك؟
دولان: الصوت غاية في الأهمية، إنه عنصر أساسي لنقل العواطف. لقد قمتُ بالكثير من أعمال الدبلجة وأعتقد أن ذلك ساعدني في فهم قوة الصوت البشري بشكل أفضل، بغض النظر عن الجنس. ما يهم هو ما يقوله الصوت، وما ينقله، بغض النظر عما إذا كان صوتاً ذكورياً أو أنثوياً.
أبيو: استكشفتَ في أفلامك كثيراً الطبقات الاجتماعية المتواضعة، مع الكثير من النبل والاحترام. هل هذا اختيار سياسي؟
دولان: لن أقول إنه اختيار سياسي واعٍ، لكن لديّ عاطفة تجاه الشخصيات التي تكافح، التي تبحث عن العدالة، سواء كانت فردية أو اجتماعية. الأبطال المظلومون يثيرون اهتمامي أكثر من الشخصيات الناجحة، وكذلك المتمردون أو المُهمَلون. أعتقد أن ذلك مرتبط برغباتي الخاصة ونضالاتي.
أبيو: لديك قدم في الثقافة الأميركية الشمالية وقدم أخرى في الثقافة الفرنسية. كيف يؤثر ذلك على سينماك؟
دولان: كيبيك هي أشبه بجزيرة، ثقافة مميزة تعيش داخل أميركا الشمالية. هناك صراع مستمر للحفاظ على لغتنا وهويتنا. لكيبيك تاريخ من المقاومة والصمود، وهذا ينعكس في أفلامي. هذه الثنائية بين الثقافة الأميركية الغازية وثقافتنا الناطقة بالفرنسية معقّدة، لكنها تضفي نسيجاً فريداً على قصصنا.
أبيو: نلمس في أفلامك عمقاً عاطفياً قوياً، يتم التعبير عنه بطريقة شاعرية وأحياناً فرعية.
دولان: العاطفة هي جوهر كلّ ما أفعله. أحاول دائماً جعلها ملموسة، سواء من خلال النص أو الإخراج أو الموسيقى.
أبيو: لديك أسلوب خاص جداً، وهو أسلوب سينما المشاعر. هل تعتقد أنك تستطيع صنع فيلم بدون تلك العواطف القوية التي تميز أعمالك؟
دولان: أعتقد أنني أستطيع، لكنني لم أجرب ذلك. بالنسبة لي، صناعة الفيلم تجربة حسية جداً، شبه جسدية. إنه فعل محمّل بالعاطفة والألم.
أبيو: أفلامك لا تسعى لإرضاء الجميع، خاصةً الجمهور الأميركي، ما رأيك؟
دولان: بالتأكيد. بالنسبة لهم، يُعتبر فيلم مثل «فقط نهاية العالم» عنيفاً، بينما بالنسبة لي، يعرض حقيقة أساسية: عدم القدرة على التواصل ومعاناة أولئك الذين لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم إلا من خلال الصرخات أو العنف. بعض الناس لا يحبّ هذا النوع من العاطفية. لا يمكن إرضاء الجميع. ما يهم هو البقاء مخلصاً للذات وللرؤية الفنية.
أبيو: في أي لحظة من عملية الإبداع تدمج الموسيقى في أفلامك؟ هل تكتب وأنت تفكّر في الموسيقى؟
دولان: ولد «مومي» من أغنية ومقال، وهو مزيج من أشياء عدة. الموسيقى أساسية بالنسبة لي. أحياناً، تكون هناك مقاطع موسيقية لا تظهر حتى في الفيلم، لكنها تبقى حاضرة. آن دورفال (بطلة الفيلم) جعلتني أدرك مبكراً أن هناك إيقاعاً في كلّ شيء، حتى في الحوار. عندما تكون الجملة طويلة جداً، يمكن أن تكون مؤلمة للأذن. لا توجد طريقة محددة مسبقاً لكتابتها، لكنني أبحث عن لحن ما في الكلمات. غالباً ما تأتي الموسيقى قبل الحوار. أكتب بينما أستمع إلى الموسيقى، وحتى إذا بدأت بخمس أغان في السيناريو، هناك دائماً المزيد منها في النهاية خلال المونتاج.
أبيو: إذا كان بإمكانك إعادة صنع أحد أعمالك، أي منها ستعيده؟
دولان: أندم أحياناً على بعض الخيارات، مثل الإضاءة في «ماتياس ومكسيم». كان ينبغي لي أن أصوّر في أوقات مختلفة. عند النظر إلى الوراء، من الطبيعي ان أرغب في القيام ببعض الأشياء بشكل مختلف.
أبيو: لقد أعلنت أنك تريد التوقّف عن السينما، لكنك تعمل على مشروع جديد. ما الذي جعلك تغير رأيك؟
دولان: نُقل كلامي بشكل خاطئ. في الواقع، لم أخرج فيلماً منذ ست سنوات. في تلك الأثناء، عملت على مسلسل واشتغلته بالالتزام الذي أعمل به للسينما. لكن صحيح أن تمويل الأفلام أصبح معقداً جداً، خاصةً بعد الجائحة. كلّ شيء بات أكثر تكلفةً ولدينا وقت أقل لإنتاجه. هذا يجعل إنجاز الأفلام أصعب.
أبيو: ولكن لديك مشروع جديد قيد الإعداد؟
دولان: نعم، هناك مشروع يثير حماستي كثيراً. لم أخرج منذ سبع سنوات، وأشعر أنني مستعد للعودة. ومع ذلك، أعلم أنني لن أستطيع متابعة الوتيرة التي كنت أعمل بها في بداياتي. أحتاج إلى مزيد من الوقت لإنضاج أفكاري وتحقيقها.
سؤال من الجمهور: لقد أخرجتَ فيديو كليبات أيضاً. كيف تتناول إخراج مقاطع الفيديو هذه مقارنة بإخراج الأفلام؟
دولان: هذه الفيديوهات عادةً ما تكون أبسط من الأفلام. على سبيل المثل، في فيديو كليب المغنية أديل، كانت الفكرة بسيطة: هي جالسة على كرسي والكاميرا تدور حولها. ليس هناك عبقرية خالصة في ذلك. التحدي يكمن في التفاصيل: التصوير، الإضاءة والديكور. لكن إذا كانت فكرة المقطع صعبة التنفيذ، فربما لا أكون الشخص المثالي لتنفيذها. أجد أن الأمر مختلف تماماً عن اللغة السينمائية.
سؤال من الجمهور: سمعت أنك تعمل على فيلم رعب يحدث في عام 1880 في فرنسا. هل هذا صحيح؟ هل تحضر لعرضه في كانّ عام 2025؟
دولان: السيناريو مكتوب، لكنني لست متأكداً من أنه سيكون فيلم رعب بالمعنى الدقيق للكلمة. هناك عناصر كوميدية ومخيفة، لكنه سيكون مزيجاً من الأنواع. تدور القصّة في عام 1895 في العالم الأدبي الباريسي. من المقرر أن يبدأ التصوير العام المقبل، لكن بالنسبة لكانّ، لننتظر ونرَ.
اقرأ أيضا: أدريان برودي: بعد الأوسكار قيل لي: «لا تتغيّر ابقَ حقيقياً»