فاصلة

حوارات

كريم الرحباني: «آخر واحد» يعكس حالتي وحالة لبنان

Reading Time: 5 minutes

في وقتٍ يلفّه الإحباط والركود في لبنان الجريحة، يطلّ المخرج اللبناني كريم الرحباني بفيلم قصير يحمل روح الأمل والمقاومة، ليؤكد أن السينما ليست مجرد فن، بل نافذة للتشبث بالحياة وسط الحرب والنزوح والدمار. فيلمه الجديد “آخر واحد”، الذي عرض عالميًا للمرة الأولى في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، ينسج قصة رجل مسنّ يعيش على هوامش الحياة، لكنه يجد في حادثة عابرة دعوة للعودة بقوة إلى قلبها.

بين جدّية الطرح ودفء الطرافة، يتناول الرحباني موضوعات الشيخوخة والإنسانية، مستلهمًا التجارب الشخصية والظروف الصعبة التي أحاطت به وبعائلته، ليحكي عن لبنان الذي يرفض الموت ويتمسك بالحياة رغم كل شيء.

فاصلة” التقت بالمخرج ابن أسرة الرحباني العريقة، أثناء تواجده في جدة ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، للحديث عن إنتاجاته الفنية في السينما والدراما، وكان لنا هذا الحوار.

فيلم ( آخر واحد _ 2024)
فيلم ( آخر واحد _ 2024)

هذا هو فيلمك القصير الرابع، فهل ستستمر في العمل على الأفلام القصيرة دون غيرها؟ 

عملي لا يقف عند الأفلام القصيرة، بل أعمل على عدة مشاريع فنية أخرى، منها مسلسل “عقول مظلمة Dark Minds” الذي عرض على قناة ديسكفري الشرق الأوسط ويُبّث حاليًا عبر نتفليكس. وهو عبارة عن سبع حلقات منفصلة مدة كل منها 50 دقيقة، وتتناول كل حلقة منها قصة قاتل متسلسل في بلد عربي، وهناك مشاريع أخرى في طور الإعداد أو الانتهاء من عملية الإنتاج تمهيدًا للظهور للجماهير. 

بالموازاة وبسبب من الأوضاع الصعبة التي تعيشها لبنان والتي تفاقمت جراء الحرب الأخيرة، فكرنا في شركتنا “رحباني 3.0” في أن نقدم منتجًا فنيًا يدعم الروح المعنوية لأهل لبنان، فأطلقنا حملة وطنية بعنوان “مشوار رايحين مشوار” ع كان صعبًا جدًا في لبنان مؤخرًا، لذا قررنا في شركتنا، رحباني 3.0 (شركة عمر رحباني وشركتي)، أن نقدم شيئًا إيجابيًا. فأطلقنا حملة وطنية للبنان بعنوان “مشوار رايحين مشوار”. وأعدنا توزيع الأغنية التي تحمل العنوان نفسه وصورناها في مختلف أنحاء لبنان، ونجحت فعلا في بث طاقة إيجابية كبيرة بين الناس وهو ما كنا نسعى إليه في ظل الظروف التي نمر بها. 

يناقش الفيلم أفكار الوحدة والشيخوخة ومقاومة رتابة الحياة عبر رجل مسن، فكيف واتتك الفكرة واستقريت على هذا التناول؟

بالنسبة لي، السينما التي أحب أن أعمل عليها ترتكز دائمًا على شخصيات مثيرة للاهتمام، خاصة المسنين والأطفال. هؤلاء الأشخاص يعطون السينما بُعدًا حقيقيًا ومميزًا. الأطفال لا يجيدون الكذب، وكبار السن لم يعد لديهم حاجة للتظاهر أو الدبلوماسية، مما يجعلهم صادقين في انفعالاتهم وتواصلهم مع الآخرين. 

في الفترة التي واتتني فيها فكرة الفيلم كنت أمر بوقت صعب مليء بالاستسلام والركود. شعرت أن الجميع حولي، بمن فيهم أنا وعائلتي، عالقين في هذا الجو العام من الاستسلام والرضوخ، لا أحد يخرج من منزله، الكل مستسلم للظروف. من هنا جاءت فكرة كسر هذا الشعور.

الفيلم يحكي عن رجل في الثمانين من عمره ينتظر الموت، ولكن حادثة غير متوقعة تغيّر حياته وتدفعه لاتخاذ قرار مفاجئ بالعودة إلى الحياة. هذا الرجل، بالنسبة لي، يمثل حالتي وحالة عائلتي، بل وربما يمثل لبنان ككل؛ بلد يرفض أن يموت ويتمسك بالحياة رغم كل الظروف.

فيلم ( آخر واحد _ 2024)
فيلم ( آخر واحد _ 2024)

من المعروف أن التعامل مع كبار السن في التمثيل صعب، سواء من ناحية الحفظ أو الأداء. كيف كانت تجربتك في توجيه بطل الفيلم وتعاونك معه؟ 

صحيح، التعامل مع كبار السن فيه تحديات كبيرة. بالنسبة لهذا المشروع استعنت بالممثل عفيف مزبودي، وأوجه له تحية كبيرة. وهو ليس ممثل محترف.

حاولت في البداية إجراء تجارب أداء لاختيار بطل الفيلم، لكني لم أجد الشخص المناسب الذي يجسد الشخصية كما رسمتها في النص.

الفكرة كانت أن الشخصية يجب أن يكون لها ماضٍ وتاريخ يظهر بمجرد النظر إليها. في أثناء بحثي، كنت أتمشى في شوارع بيروت، تحديدًا عند الروشة، وهناك رأيت صياد سمك بملامح رائعة وكاريزما استثنائية. اقتربت منه وبدأت الحديث معه، وبالتدريج طرحت عليه فكرة التمثيل. في البداية اندهش من دعوتي وضحك على الفكرة، لكنه بعد حوار طويل اقتنع بأن يجرب.

اكتشفت أن هناك أشخاصًا يحملون موهبة التمثيل في داخلهم دون أن يدركوا ذلك. ورغم الصعوبات، مثل صعوبة الحفظ وأداء المشاهد بشكل دقيق، عملنا معًا لفترة طويلة حتى وصلنا للنتيجة التي أردناها. كانت تجربة صعبة جدًا، لكنها ممتعة ومليئة بالتحديات التي جعلت العمل أكثر قيمة.

فيلم ( آخر واحد _ 2024)
فيلم ( آخر واحد _ 2024)

هل كان الدور جريئًا بالنسبة له؟ وكيف تقبل الفكرة؟

صحيح، كان السيناريو جريئًا بالنسبة له. أكثر من مرة جاء ليقول: “كريم، لا أريد الاستمرار”. لكنني كنت أطمئنه وأوضح له الفكرة، وقلت له: “عفيف، أولاً أنت لا تمثل فقط، بل تعيش الشخصية. ثانيًا، المعالجة ستكون حساسة جدًا”.

الموضوع الذي تناوله الفيلم دسم وعميق، فهو يتحدث عن الشيخوخة، وعن إنسان يستسلم لفكرة الموت لكنه في الوقت ذاته يرفض هذا الاستسلام. ورغم جديّة الموضوع، عالجناه بطريقة إنسانية وبسيطة، بحيث تصل الرسالة دون استفزاز.

هل اشترط مشاهدة الفيلم قبل العرض؟

لا، ولم يشاهده بعد. قبل قليل [من حوار المخرج مع فاصلة] كان يتصل بي ليسأل عن موعد عرض الفيلم. أخبرته أنه سيُعرض قريبًا في لبنان، لكننا ننتظر أولًا عرضه في المهرجانات.

فيلم ( آخر واحد _ 2024)
فيلم ( آخر واحد _ 2024)

ما هي خططك القادمة في مجال الأفلام؟

لدي مشروع جديد أحاول تطويره، وهو مسلسل غير متصل الحلقات، فكرته تقوم على أن كل حلقة تتناول موضوعًا مختلفًا. على سبيل المثال، حادثة تعيد التوفيق بين زوجين كبيرين في السن وتمنحهما دفعة ليشعرا بالحياة من جديد. هذا الموضوع يثير اهتمامي وأرغب في تطويره. بالإضافة إلى ذلك، أعمل حاليًا مع عمر على فيلم روائي طويل. لدي أيضًا مشروع فيلم تحت التطوير بعنوان “شميم” كنت قد بدأت العمل عليه منذ فترة وأريد العودة إليه.

هل كونك من عائلة موسيقية وفنية، دفعك للتفكير في تقديم عمل موسيقي أو مسرحي مستوحى من تراث عائلتك؟ خاصة مع إرث جدك منصور رحباني وأعمامك غدي وعاصي.

بالتأكيد، رغم أنني اخترت الإخراج، إلا أن لدي إحساسًا موسيقيًا جيدًا كما يُقال. عمر أيضًا مؤلف موسيقي، وفي شركتنا نتشارك هذا الشغف بالموسيقى.

شخصيًا، نشأت في كواليس المسرح، وعشت تلك الأجواء منذ طفولتي. أذكر أنني كنت أنام على أزياء الممثلين وأصحو على أدوار ومشاهد يجري التحضير لها.

المسرح جزء مني ومن تكويني الفني، لذلك فكرة تقديم عمل موسيقي أو مسرحي مستوحى من هذا الإرث تراودني دائمًا. إنها فكرة كبيرة وأحلم بتنفيذها. وبالمناسبة، مسرحيات الرحابنة جميعها قريبة إلى قلبي.

ما هي المسرحية الأقرب إلى قلبك من أعمال الرحابنة؟

صعب جدًا الإجابة على هذا السؤال لأن كل مسرحيات الأخوين رحباني لها مكانة خاصة لدي. إذا تحدثنا عن مسرح منصور رحباني، فأعتبر “المتنبي” عملًا عظيمًا جدًا، و”ملوك الطوائف” أيضًا من المسرحيات التي أحبها كثيرًا. كذلك “ناطورة المفاتيح” و”باترا” من الأعمال التي لها تأثير كبير عليّ. بصراحة، كل مسرحية لها سحرها الخاص، لذلك من الصعب اختيار واحدة فقط.

هذه السنة شهدنا تراجعًا في السينما اللبنانية، سواء على مستوى جودة الأفلام المنتجة أو عددها.. برأيك، ما التحديات التي تواجه السينما اللبنانية حاليًا، بعيدًا عن التحديات السياسية؟

السبب الرئيسي وراء قلة الأفلام اللبنانية في السنتين الأخيرتين هو الوضع العام في البلد. حتى لو كنت تملك الأفكار، من الصعب جدًا تنفيذها في ظل الظروف الحالية. أتحدث من تجربتي الشخصية، فقد عملت على فيلم في ظل الحرب، وكنا نصور في ظروف صعبة للغاية.

العديد من المخرجين وصنّاع السينما الذين كانوا يخططون لإنتاج أفلام اضطروا لمغادرة البلد بسبب الظروف الأمنية والسياسية. هذا أثر بشكل مباشر على الإنتاج السينمائي. ومع ذلك، أنا أؤمن أن هناك العديد من الأفلام قيد التطوير، وسيظهر تأثيرها لاحقًا.

التحديات ليست فقط في الإنتاج المادي، بل أيضًا في غياب الاستقرار. لكي يزدهر الفن، نحتاج إلى استقرار فكري، أمني، وسياسي. الفن عادةً يأتي في النهاية، بعد انتهاء الحروب والأزمات، لأن الناس غالبًا ينظرون إليه على أنه رفاهية. لكن بالنسبة لنا، الفن هو أساس مهم، وبدونه لا يمكن التعبير عن الواقع.

فيلم ( آخر واحد _ 2024)
فيلم ( آخر واحد _ 2024)

ما هي أخبار عملك القادم؟ 

أعكف الآن على كتابة فيلم روائي طويل ولو سار جدول العمل كما أتوقع له سنبدأ التصوير في نهاية 2025، أنا وعمر نعمل على المشروع بشكل جدي.

اقرأ أيضا: سبايك لي: لن ينجح صانع الأفلام حتى يدرك أن السينما عمل جماعي

شارك هذا المنشور