فاصلة

مقالات

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة

Reading Time: 8 minutes

لو تجرّأ أحد على التنبؤ عام 1996، بأن فيلمًا مقتبسًا عن مسلسل تلفزيوني عُرض سنة 1966، بعنوان «مهمّة مستحيلة» سيستمر في إنتاج أجزاء متتالية، وسيحظى بنجاح باهر لأكثر من 25 عامًا، لقلنا إن هذا هذيان. 

ما بدأ كفيلم حركة (أكشن) بلمسة شخصية من المخرج بريان دي بالما، تطوّر، إلى سلسلة سينمائية من الطراز الأول. نحن أمام سلسلة أفلام ازدادت جودتها تدريجاً حتى أصبحت من أفضل ملاحم الاكشن السينمائية، بفضل التوازن الذكي بين الإثارة والتطور المستمر، وتجنّب التكرار، والالتزام بعدم التخلي عن جوهرها كعمل من إبداع مؤلف يُجسد بلا خجل أروع أفلام التجسس الكلاسيكية، وطبعًا من دون التخلي عن لحنها الموسيقي العظيم الذي ألفه الارجنتيني لالو سكيفرين. كما لا بد من الإشارة إلى الشخص «المذنب» وراء كلّ هذه الأفلام، وهو توم كروز، ملك شباك التذاكر. لولا تصميمه واهتمامه (هو المنتج الرئيسي منذ النسخة الأولى سنة 1996)، لكنّا نتحدث عن سلسلة انتهت قصتها بالفعل. 

Mission: Impossible - The Final Reckoning (2025)
Mission: Impossible – The Final Reckoning (2025)

في التسعينات، كان عشاق أفلام الحركة متشوقين بشدة لسلسلة تجسس متطورة بمشاهد مثيرة للرعب، مع تقنيات حربية مذهلة، وحبكات تتكشف كخيوط العنكبوت. ظهر «مهمّة مستحيلة»، ومعها العميل الخاص في «قوة المهمة المستحيلة» (IMF) إيثان هانت (كروز) وفريقه. قدم كلّ فيلم مهمةً جديدة بالغة الخطورة ومستحيلة، يختبر فيها هانت وفريقه أشد الصعاب. مثال على ذلك، مع بعض الجنون طبعاً، لم يتردد كروز من تصوير معظم المشاهد الخطرة بنفسه، بما في ذلك التعلق بالمباني الشاهقة أو الطائرات أو القفز من المنحدرات، التي ازدادت تعقيدًا وخطورة مع كلّ جزء لاحق، مما أثار استياء شركة التأمين الخاصة بكروز.

حتى لا يتشتت انتباهك، وتتمكن من متابعة كلّ الأجزاء، بانتظار الفيلم الجديد «مهمّة مستحيلة – الحساب النهائي» (Mission: Impossible –  The Final Reckoning) الذي سيُعرض في «مهرجان كان» الشهر المقبل، إليك الترتيب الزمني لجميع الأفلام، والآن مهمتك، إن قررت قبولها، هي مواصلة قراءة المقال.

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة
Mission: Impossible (1996)

– «مهمّة مستحيلة» (1996، «Mission: Impossible») – براين دي بالما

كان «مهمّة: مستحيلة» هو البداية. وبفضله، أصبح إيثان هانت (توم كروز) أحد أعظم أبطال الحركة في تاريخ السينما. أفاد الفيلم بشكل كبير من وجود براين دي بالما خلف الكاميرا في قمة مستواه. يروي الفيلم قصة هانت، العميل الذي يرى إحدى عملياته تسوء بشكل رهيب، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد الفريق باستثنائه. هذا يقود المنظمة التي يعمل فيها إلى الاعتقاد بأنّه جاسوس، وسيتعين عليه فعل المستحيل حرفيًا لإثبات براءته. 

ابتكرت مجموعة من كتّاب السيناريو المرموقين حبكة الفيلم، تجنّبت فيها التعقيد المفرط المعتاد في أفلام التجسس، بدون إهمال التفاصيل الدقيقة. صوّر الفيلم نمط حياة العملاء السريين كما لو كان يحدث في بُعد آخر، بُعد لا نستطيع نحن إدراكه. زرّع دي بالما بذور مشاهد الحركة المعقدة التي ستميز الملحمة في المستقبل، ولكن الأهم من ذلك كله، أنه الجزء الوحيد في السلسلة، الذي يُعتبر قبل أي شيء، فيلم تجسس. كما تُفهم الحبكة على أنها رحلة نضوج للعميل الشاب، آنذاك. إنه الفيلم الأقل احتمالاً لتصنيفه كفيلم أكشن. صحيح أنه يتضمّن انفجارات وإطلاق نار ومشاهد تحبس الانفاس، لكن أفضل مشاهد الفيلم هي بلا شك أكثرها هدوءًا. 

يحتفل الفيلم بشكل خاص بالمشهد الذي يظهر فيه توم كروز معلقاً من السقف بحبال لسرقة شيء لا يمكن الوصول إليه. هذا المشهد مستوحى من مشهد مشابه في فيلم «توبكابي» (1964، «Topkapi» للمخرج جول داسين). إنها لحظة دخلت تاريخ السينما على الفور، وعادةً ما تكون أول ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير في هذا الفيلم. بخلاف ذلك، فإن مشاهد الحركة متوازنة جيدًا، حيث تصل إلى ذروتها في الفصل الأخير المذهل الذي يربط كل شيء بفعالية. لقد كان الفيلم ترفيهاً من الدرجة الأولى عندما عُرض للمرة الأولى، وكان الزمن رحيماً به. كان «مهمّة مستحيلة» تجربةً أنيقة مهدت الطريق، التي لم تكن سهلة لهانت، ولكنه نجح فيها بزرع علكة متفجرة على متن مروحية.

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة
Mission: Impossible II (2000)

– «مهمّة مستحيلة 2» (2000، «Mission: Impossible 2»، جون وو)

حسنا، بكل صدق واريحية، يعدّ «مهمّة مستحيلة 2» الفيلم الوحيد من هذه السلسلة الذي يُعتبر سيئًا للغاية. تبيّن أنّ مخرجًا رائدًا لأفلام الحركة مثل جون وو و«مهمّة مستحيلة» هو مزيج سيء. لقطات المخرج الكلاسيكية بالحركة البطيئة وعدد الحمامات البيضاء الطائرة سخيف للغاية، حتى بالنسبة إلى سلسلة تُقدّر السخافة. الفيلم مملّ في معظمه، وما يزيد الطيب بلّة أنه يُغفل أحد العناصر الأساسية في مغامرات إيثان هانت وهو الفريق المحيط به. افتتح الفيلم بمشهد لهانت وهو يتسلّق الجبل بدون حبل أو دعم، واثق من نفسه وديناميكي ومتحمّس ليكون مركز الاهتمام. بدا استخدام الأقنعة في الفيلم مفرطًا. وعلى الرغم من النوايا لإبراز كاريزما هانت التي لا تنضب، إلا أنّ النتيجة انتهت بلمسات كرنفالية. وفي بعض الأحيان، اتخذت طابعًا أقرب إلى الفيديوهات الموسيقية. على الرغم من بعض المشاهد الآسرة، مثل قفز هانت من طائرة مروحية، ومشهد دراجات نارية، إلا أنّ الفيلم لا يحمل الكثير، وهو الأكثر تضرراً مع مرور الزمن.

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة
Mission: Impossible III (2006)

– «مهمّة مستحيلة 3» (2006، «Mission: Impossible 3»، جاي جاي أبرامز)

بحلول وقت إصدار فيلم «مهمّة: مستحيلة 3»، كان الجمهور قدّ تعرّف بالفعل إلى شخصية جيسون بورن مرتين. في ذلك العام، دشّن فيلم «كازينو رويال» بعصر جديد من جيمس بوند من بطولة دانيال غريغ. لذلك، احتاج هانت إلى المزيد من الخبرة وطريقة أفضل للحفاظ على دوره كعميل سري ونجم سينمائي لا يخاف المشاهد الخطرة. كانت المشاهد في الفاتيكان متقنة، وفي شنغهاي على مستوى عالٍ، لكن بالمقارنة مع الأجزاء السابقة، بدت القصة أشبه بفيلم إثارة يصوّر الحياة المزدوجة للبطل. أظهر هذا الفيلم الجانب الإنساني للشخصية. غير ذلك، لا يحدث الكثير. ليس من الواضح أبدًا ما هو التهديد الذي يجب على هانت وفريقه تحييده، أو حتى الدوافع الحقيقة للخصم. إلى الجانب الآخر من التألق، قدّم فيليب سيمور هوفمان أفضل شرير في هذه السلسلة.

Mission: Impossible - Ghost Protocol (2011)
Mission: Impossible – Ghost Protocol (2011)

– «مهمّة مستحيلة – بروتوكول الشبح» (2011، «Mission: Impossible – Ghost Protocol»، براد بيرد)

بالنسبة إلى كثيرين، يُمثل هذا الفيلم نقلةً نوعيةً في جودة السلسلة، على الأقل من حيث طموح مشاهد الحركة المعقدة. يُذكر الفيلم بشكل خاص بتسلق كروز برج خليفة في دبي، لكن أيضاً هناك بداية متفجرة في الكرملين وذروة مذهلة في الهند. بعد الجزء الثالث، كانت الثقة مطلوبة (حقق الجزء الثالث 397 مليون دولار، وهو الأقل في السلسلة)، هنا، يُصوّر هانت كرجل يركز على الانتقام. كائن شرير رغم أنه أنقذ العالم مرات عدة. وإذا كان في الفيلم السابق قد شوهد منخرطاً بالسعادة، فإنه يُظهر هنا جانبه الأكثر عزلة وانطوائية. قدّم براد بيرد، الذي لم يُخرج أي شيء سوى أفلام رسوم متحركة، فيلماً ناجحاً بمستوى التوقعات. نقطة الضعف الوحيدة في الفيلم هو الشرير. بمجرد انتهاء الفيلم، لا يُمكن تذكّر ما الذي كان يسعى إليه الشرير الذي لعب دوره مايكل نيكفيست.

Mission: Impossible - Rogue Nation (2015)
Mission: Impossible – Rogue Nation (2015)

– «مهمّة مستحيلة – أمّة مارقة» (2015، «Mission: Impossible – Rogue Nation»، كريستوفر ماكوري

حتى هذا الفيلم، كان معيار كروز، كونه المنتج، هو أن يُخرج كل فيلم من السلسلة مخرج مختلف يُضيف باستمرار أسلوبًا جديدًا. استمر هذا حتى ظهور المخرج كريستوفر ماكوري. كان التآزر كبيرًا إلى درجة أنّ المخرج أخرج جميع أفلام السلسلة منذ ذلك الحين. وإذا كان «بروتوكول الشبح» قد تجاوز ما يمكن تقديمه في فيلم أكشن، فإن «أمّة مارقة» سيضع معيارًا جديدًا. وقد اتضح ذلك في المشهد الافتتاحي، قبل انتهاء شارة البداية: تشبّث هانت بباب طائرة أثناء إقلاعها، ولم يكن هذا كلّ شيء، إذ اضطر أيضًا للغوص داخل خزان توربيني، تطلّب حبس أنفاسه لمدة ست دقائق. لحظة حبسنا فيها أنفاسنا معه أيضاً، ناهيك بالمشهد الرائع في موقع لا مثيل له: دار أوبرا فيينا. نادرًا ما بدت أفلام الحركة بهذا القدر من الروعة. «أمّة مارقة» هو المغامرة الأكثر توازناً في السلسلة بأكملها.

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة
Mission: Impossible – Fallout (2018)

– «مهمّة مستحيلة – سقوط» (2018، «Mission: Impossible – Fallout»، كريستوفر ماكوري)

إنه ليس مجرد أفضل فيلم «مهمّة مستحيلة»، بل هو ببساطة أحد أفضل أفلام الحركة على الإطلاق. إنه ذروة ما أتقنته السلسلة لسنوات. مشاهد حركة آسرة، وحبكة عظيمة، وتناغم مثالي بين جميع الشخصيات على الشاشة. لم يسبق في هذه السلسلة بأكملها أن حظي كروز بتناغم فوري مع ممثل آخر كما هي الحال مع هنري كافيل. مشاهدهما المذهلة لا يمكن حصرها، يكفي شجار الحمام الشهير. الفيلم هو المعيار الذي يجب أن تكون عليه أي ملحمة طويلة. مشهد مبهر من البداية إلى النهاية. لو كان لا بد من تصنيف أفلام «مهمة مستحيلة» بناءً على مشاهدها ومشاهدها الخطيرة، لكان هذا الفيلم على رأس القائمة، فهو عرض فنيّ مُبدع لسينما الحركة، فيه أي شيء. سباق عبر أسطح المنازل (مع كسر في الكاحل)، ومطاردة دراجات نارية في شوارع باريس، وتلك الذروة المذهلة من طائرة مروحية حيث يخاطر كروز بحياته كما لم يحدث من قبل. 

أُدرجت حبكات القصة ببراعة في النص، فأحيانًا كانت أكثر تعقيدًا، وأحيانًا أخرى كانت تُتيح لهانت خلفيةً عاطفية، موضحةً أنه بعد 22 عامًا من لقائه في الجزء الأول، جردته مهنته تمامًا من حياته الشخصية. في هذا الفيلم، قدم المخرج ماكوري للبطل كوابيس شخصية. سعى المخرج أكثر من أي مخرج آخر قبله إلى التعمق في دوافع هانت، مما أجبر البطل على مواجهة شياطينه حيث تصادم الجانب الشخصي مع الجانب المهني. ومرة أخرى، ظهر عميل قوة المهمة المستحيلة على أنه فطن ونشط وودود ولطيف مع المقربين منه. مع ذلك، ازداد انطواؤه، نظرًا لأنه في هذه المرحلة من حياته قد تصالح مع افتقاره إلى الحياة الرومانسية.

Mission: Impossible - Dead Reckoning Part One (2023)
Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One (2023)

– «مهمّة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول» (2023، «Mission: Impossble – Dead Reckoning Part One»، كريستوفر ماكوري.

بعد قرابة 30 عامًا من عرض الفيلم الأول، قد يتوقع المرء أنّ الجزء السابع من هذه السلسلة، لن يفاجئنا بأكثر من مشاهد حركة مذهلة. لكن هذا الجزء من الملحمة يتجاوز بكثير قفز توم كروز من على جرف على دراجة نارية ثم البقاء في الهواء لعدة ثوانٍ قبل فتح المظلة. كلا، بل في الوقت نفسه هو الفيلم الأكثر قتامةً في السلسلة. لم يعد إيثان هانت يواجه شريرًا تقليديًا، بل ذكاءً اصطناعيًا، يدفعه إلى أقصى حدوده في جهوده ليس فقط لإنقاذ العالم، بل أيضًا للحفاظ على حياة جميع أفراد فريقه. هذا الجزء جعلنا نقع في حبّ الفرقة مرة أخرى، ونذهب معها في مهمة مستحيلة جديدة مرتبطة بأخبارنا الحالية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. «مهمّة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول»، هو الفصل الأول من فصلين، يهدف إلى أن يكون الأخير، ولوضع حد لمغامرات ومصائب إيثان هانت كعميل خاص مخصّص لإنقاذ العالم مرارًا وتكرارًا.

«كان» 2025: «مهمّة مستحيلة» ملحمة الأكشن المستمرّة
Mission: Impossible – The Final Reckoning (2025)

عودة هانت إلى الشاشة لم تكن لتكون أفضل، الجزء الأول من «الحساب الميت»، يُظهر أن «مهمّة مستحيلة» لا يزال يحافظ على وضعه بشكل ممتاز، ولديه الكثير ليقدمه. يتبع الفيلم الهيكل التقليدي في الإخراج لماكوري: سريع، مثير، مباشر. الفيلم لا يضيع الوقت في مقدمات مبالغ فيها، لأنه يفترض أنه إذا وصل المشاهد إلى هذا الجزء، فهو لأنّ لديه رابطًا متينًا مع الشخصيات الرئيسية التي شاهدها في كل جزء. وهذا يتيح للفيلم الانتقال مباشرة إلى الحركة ووضع المشاهد من البداية في مواقف مثيرة. يتمتع «مهمّة مستحيلة – الحساب الميت الجزء الأول»، بإيقاع رائع، مع لحظات راحة، مما يعني أنك لن تشعر بالملل لحظة واحدة على مدى حوالي ثلاث ساعات. يتألق الفيلم لأن كل شيء يتناسب داخله، فهو يقدم قصة منطقية مثيرة للاهتمام، مصوّر بشكل جيد، مدروس ومكتوب وطبعاً مسلٍ. ولكن ما لا يتضمنه بالطبع هو الخاتمة، التي سنشاهدها في الجزء الثامن الجديد في «مهرجان كان».

اقرأ أيضا: الملك دي نيرو متوجًا في كان

شارك هذا المنشور

أضف تعليق