فاصلة

مقالات

قراءة عن استخدام الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

Reading Time: 7 minutes

تُعد الأغاني جزءًا لا يتجزأ من السينما، حيث تضفي عمقًا عاطفيًا للصورة في وصف شعري يُساهم في تعزيز السرد القصصي. مثالًا على ذلك، السينما المصرية، حيث برزت الأفلام الغنائية كركن أساسي في تراثها السينمائي، ولا سيما خلال الأربعينات والخمسينات. 

هذه الأفلام لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، حيث إن شراء مشغل اسطوانات «الجرامافون» واسطوانات الأغنية كان أمرًا مُكلفًا وقتئذ، لذا كانت تستخدم السينما كوسيلة نشر لهذه الأعمال الغنائية للعامة. 

وبالتأكيد أنها ساهمت في تطوير الأغنية المصرية بما يناسب اللغة السينمائية، واستطاعت السينما المصرية أن تدمج بين الدراما والموسيقى بشكل فريد، مما جعلها تحظى برواج جماهيري كبير وتحقق أرباحًا خيالية، وتعتبر هذه الأفلام وثائق فنية تحتفظ بصور كبار المطربين والمطربات في مراحل حياتهم المختلفة، مما عزز من قيمتها الثقافية والتاريخية (١).

الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

«يبدو أن السينما المصرية نطقت لكي تغني» (٢).

الأغنية في المملكة العربية السعودية

تمتلك المملكة العربية السعودية إرثًا فنيًا واسعًا، يعكس تنوع ثقافاتها ومناطقها المختلفة. يُعتبر الفن الغنائي جزءًا أصيلًا من هذا التراث الشعبي، حيث تتنوع الألوان الغنائية التي تمتد جذورها إلى عشرات، بل مئات السنين. ورغم وجود أكثر من مئة وأربعين لونًا غنائيًا موثقًا، إلا أن ما يصل إلى آذان المستمعين عادةً ما ينحصر في حوالي عشرة ألوان فقط. هذا الانغلاق النوعي يؤدي غالبًا إلى حالة من التكرار الموسيقي الممل، مما يمثل تحديًا كبيرًا للفنانين في الاختيار من بين هذه الأنواع. اختيار فن مندثر وقديم لا يعني بالضرورة أنه سيعطي صورة عميقة للفيلم أو يعزز الخلفية الفنية للمخرج. من اشتراطات اختيار الأغنية أن تكون موائمة للحقبة الزمنية للفيلم وأن تُوظَّف في مشهد يعزز الارتباط السليم بين الأحداث والموسيقى.

باختلاف خصائص مناطق المملكة، تنحصر بعض من الألوان الغنائية في مناطق معينة. مثلًا في المنطقة الغربية، تشتهر ألوان مثل المجرور، الدانة، الغناء الشعبي الينبعاوي، والمزمار. أما في منطقة الشمال، فتبرز الدحّة والهجيني. وفي المنطقة الوسطى، السامري، العرضة، والمسحوب. بينما في المنطقة الشرقية تبرز ألوان الحدادي، الموال، والزهيري. أما في منطقة الجنوب، فالألوان الغنائية الشائعة تشمل القزوعي، الزامل، والدّمة (٣).

يساهم هذا التنوع في الألوان الغنائية في إثراء المشهد الثقافي والفني في المملكة، حيث يزوّد الفنانين برصيد واسع يمكّنهم من استغلال هذه الفنون بطرق مبتكرة، وينعكس هذا التنوع أيضًا على الخصائص الفريدة لكل منطقة، مما يضيف بُعدًا ثقافيًا مهمًا يعزز من الهوية الفنية للمملكة العربية السعودية.

لا يوجد شك إلى أن الأغنية في الفيلم تسهم في نقل المشاعر والمضامين العاطفية بفعالية، مما يجعل المشاهد يرتبط مع القصة أكثر، لكن العاطفة ليست كل شيء، الربط الثقافي بين الأغنية والمشهد يضفي بطبقة إضافية على المتلقي، وفي أحيان ينفصل من الجو العام للفيلم بسبب غياب الحس الإخراجي في الموسيقى، مما يشتت على المشاهد، فإستخدام أغنية لمجرد أنها أغنية تلاقي رواج، ليس من المبتكر، والاعتماد في استخدامها قد يضعف التركيز على السرد القصصي والتأثير سلبًا على المشهد، مما يقلل من تماسك القصة وخلق تنافر واضح في جو الفيلم العام، وتتراجع القيمة الفنية بسبب أغنية.

نظرة على اختيارات محمد السلمان الغنائية

جسدت بعض الأفلام السعودية مشاهد محكمة فنيًا، في استخداماتها الإخراجية وعلى سبيل المثال المخرج محمد السلمان، في فيلمه «أغنية غراب»، الذي يحكي عن «ناصر» شاب يكتشف إصابته بورم، وسرعان ما يُفتن بشابة غامضة من اول لقاء. استخدم «السلمان» نوعًا موسيقيًا غير معتاد.

في أغنية «سمير الوادي» لـ مطلق الذيابي صوّر لنا «السلمان» ناصر الشاب التائه بين المرض والحياة، وحالته في الوقوع بالحب تجاه هذه الشابة. في حلم بمشهد سريالي كان يحلم به «ناصر» في الوصول لهذه الشابة الغامضة، قاطعًا لها الوعود والعهود، وهو في موضع لا يُشفع له بذلك بسبب مرضه، هذا التشبث العاطفي يفسر لنا أبعاد شخصية «ناصر»، وكأنه يقول «أيا ليتَ أحلامُ المنامِ يقينُ» من خلال استماعنا إلى هذه الوصلة الغنائية.

«تعالي دقائقَ نحلمُ فيها بنافورةٍ من رذاذ القمر بأرجوحةٍ عُلّقت في النجوم بأسطورةٍ من حديث المطر»

الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

محتوى الأغنية يجب أن يعبر بأي شكل من الأشكال عن الحكاية العامة للفيلم أو الثيمة لها، والإيقاع يخدم هذا الدور بشكل خاص في شعور الشخصية، وحال الفيلم العام. في فيلم «لسان» للمخرج محمد السلمان، حكى لنا عن «خليل»، فلاح بسيط من الأحساء يعيد تقييم موقفه العاطفي وإرثه، وتعامله مع ورطة لربما حكيت له من عالم ما ورائي.

في المشهد الافتتاحي نرى «خليل» داخل سيارته، ومن زاوية تصوير منخفضة خارج السيارة، الشمس تصب أشعتها الحارقة علينا وعلى «خليل»، مستمعين إلى نغمات «الأورج» لأغنية «الصيف» للمغني الإحسائي «محروس الهاجري»، واستخدام الفنان هذا بالتحديد يعطي ترابط ثقافي أكثر للفيلم بحكم أن الأحداث في الأحساء والمغني كذلك. يستخدم «السلمان» أغنية «الصيف» مرتين في الفيلم وفي جميع المرات يكون «خليل» داخل سيارته والشمس من فوقه والعرق يتصبب من على جبينه، وفي ظل تكرار الاستخدام هذا فإنه لم يتعمد استنفاذ الأغنية، لأنه في المشهدين كان توظيف الأغنية يلامس البيئة والوضع الحالي للشخصية.

«هل تذكرين الصيف وأمسيات الصيف؟

في عامنا الماضي جانا الهوى الراضي

كالطيف أو كالضيف والآن عاد الصيف

كيف افترقنا كيف»

وفي «٢٧ شعبان» للمخرج محمد السلمان، يحكى الفيلم عن قصة عاشقين في أوائل الألفينات يلتقيان في مطعم بشكل سري، وصوّر الفيلم تلك الحقبة بشكل دقيق من اختيار أماكن التصوير، أشكال الممثلين، إلى نغمة «يا طارشي» القديمة على جوال النوكيا. عندما وصل «محمد» الى المطعم مع حبيبته «نوف»، تركها وحيدة كي تستعد للكشف عن وجهها، وبعد ما استعدت رجع «محمد» للغرفة، ولكنها كانت الغرفة الخطأ وتلقى ضربًا مبرحًا من الزوج في الغرفة.

في بداية الفيلم نرى «نوف» خائفة مما سيحصل ومحتارة حتى إنها أصرّت على إنهاء هذا الموعد، ولكن بعد ما أبدى لها «محمد» أن فكرة الكشف عن الوجه في موعد غرامي تعتبر مثل النظرة الشرعية، قررت أن تفعل ذلك وعلاوة على هذا، شغلت أغنية للفنان السعودي راشد الماجد «شيلي الطرحة» على مشغل الأغاني الخاص بها، وكانت الأغنية كعلامة توكيد لما فعلته نوف. هذا الاستخدام كشف عن رؤية المشهد بشكل صريح من زاوية الصوت والصورة. صرّحت «نوف» عن رغبتها ايضًا في الكشف عن نفسها في تخطيطها بشكل مسبق، بإحضار الاغنية خصيصًا للحظة الكشف عن وجهها.

مسافات «الهامور»

 يحكي فيلم «الهامور» عن قصة «حامد» حارس أمن يجري خلف حياة الثراء في أساليب ملتوية، ولكن سرعان ما تنقلب الأحداث. 

على غالب الظن أن فيلم «الهامور» كان يحمل الأغاني الأكثر تأثيرًا على الجمهور السعودي، مثل «أرفض المسافة» للمغني محمد عبده، أو أغنية «وش رأيك» للفنان رابح صقر. 

الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

في مشهد عمل «حامد» في الأبراج السكنية سمعنا أغنية «أرفض المسافة» وكأننا نسمع ونرى رفض «حامد» للمسافة، بينه وبين مستواه المعيشي الحالي، وفي كل مرة نسمع أنغام «أرفض المسافة» تنقطع الموسيقى في أكثر من لقطة، وكأن المسافة بينه وبين الثراء تتقلص أكثر فأكثر، عند اقترابه للأشخاص ذوي النفوذ، وبهذا الاقتراب نستوعب عدم الحاجة لتأكيد آخر بالرفض، فهو يرفض المسافة والسور والباب والحارس، والترميز بالحارس كان على حامد نفسه، فهو يرفض وظيفته، ومنزله المليء بالمشاكل الأسرية، والمسافة التي جسدت السور بينه وبين الثراء.

مذياع «نورة»

تنوع الأغاني المحلية في الفيلم السعودي، يعكس الاختلاف الثقافي في كل منطقة. مثلًا في فيلم «نورة» للمخرج توفيق الزايدي. صّور الفيلم في العُلا في قرية تم بناؤها بالتسعينات، كذلك القصة تُحكى في تلك الفترة، وبما أن العُلا في شمال المملكة، نلاحظ استخدام آلة الربابة، وهي آلة وترية تستخدم حتى الان في شمال المملكة وبعض المناطق.

 نكتشف خلال تتابع أحداث القصة عن تفكير أهل القرية، وامتناعهم عن بعض الفنون مثل الرسم والموسيقى، إلا أن في بعض الأحيان المنع لا يكون تام، بل نرى تقبلهم الواضح لآلة الربابة. أيضًا سمعنا أغنية «شرطان الذهب» للفنان راشد الماجد على مسجل «نورة»، وانتشار الأغنية في تلك الحقبة أضاف لنا تأكيدًا تاريخي عن الفن الشائع آنذاك.

الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

«سكة طويلة» الفيلم والأغنية

في فيلم «سكة طويلة» استخدم المخرج عمر نعيم أغنية «سكة طويلة» للفنان السعودي عبادي الجوهر، مما أضفى لمسة ذات بعد واضح، فالقصة تحكي عن «مريم» وشقيقها ورحلتهما للسفر عبر طريق صحراوي يشكل سكة طويلة، فنستمع الى الأغنية أكثر من مرة طوال الفيلم.

الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

فلكلور «حد الطار»

كثيرًا ما نسمع مصطلح «الفلكلور»، وهو تعبير عن الألحان والأغاني الشعبية، وهي في الغالب قصيدة شعرية ملحنة، مجهولة الأصل كانت تشيع في الأزمنة الماضية. وقد شاهدنا في افتتاحية فيلم «حد الطار» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، أغنية فلكلورية وهي «عليك مبارك يا نور حيه» التي زُف بها العريسان في الفيلم، كذلك «أشر لي بالمنديل» للمطربة «توحة».

«يا غزال مر» في «الخلّاط+» 

أيضًا في فيلم «الخلاط+» للمخرج فهد العماري. شاهدنا حضور مبهر من الفنان علي عبد الكريم، في منتصف الفصل الثاني من الفيلم. بدايةً بأغنية «يا غزال مر»، بعد محاولة «سارة» في إصلاح العلاقة بين والديها، يبدؤون في التودد لبعضهما البعض وتشتغل الأغنية في صورة تبرز الروح العائلية بينهم، وبالتحديد في لقطة مصافحة الزوج الى زوجته نستمع الى أبيات.

«يا غزال ٍ مر من يمي يميل

يا هلابك يا هلا وأحلى سلام

طاغي ٍ بالزين ابو رمش ٍ كحيل

غصن بان ٍ لا تثنى يا سلام

وفي انتقاله تصويرية للقسم الثالث من الفيلم، تركب ساره وأفراد أسرتها السيارة، ونستمع للفنان محمد عمر في أغنية «يا غزال» مرة أخرى، بعدما أصلحت «سارة» العلاقة بين والديها تذهب بعيدًا عن المطعم بعد تلقي خطاب فصلها، تسافر متخطية إلى مكان أفضل جراء ما حصل، وعلى حنجرة محمد عمر.

“مسافر في عيونك يا حبيبي

غريب الدار داره ما لقاها

انا بالشوق يا الغالي غريبي

وغرامك دار ووعودك ثراها”

الثمانينات والتسعينات في «شريط فيديو تبدل» 

في فيلم «شريط فيديو تبدل» للمخرجة مها الساعاتي الذي يحكي عن قصة شاب يحاول الفوز بقلب فتاة أحلامه، في محاولة لإبهارها من خلال تقليده لفنانها المفضل، حضرت بعض من الأغاني القديمة التي اشتهرت في فترة قصة الفيلم مثل: «جاني الأسمر جاني» للفنانة عتاب، وأغنية «يا بنت لولا الشمس» للفنان علي عبد الكريم.

لـ الراب والشيلات حضور أيضًا

لا شك أن استخدام الموسيقى في الفيلم السعودي لا ينحصر فقط على الفنون الشعبية، بل حتى فن الراب، الذي يعد جزءًا من ثقافة الهيب هوب الغربية، كما رأينا في فيلم «شمس المعارف» للأخوين قدس، فهو فن منتشر بكثرة في المنطقة الغربية.

وأيضًا في فيلم «أمس بعد بكرة» شاهدنا الثنائي الغنائي «راندار» و«اليونق» في أغنية راب. وعلى جهة أخرى الشيلات ويمكننا تعريفها على أنها موروث شعبي في قالب جديد يساعد على توثيق القصائد وتداولها، وشاهدنا حضورها البارز في فيلم «سطار» و«المدرسة القديمة».

هوامش:

(١) صحيفة البيان: أسرار الأفلام الغنائية.. للمرة الأولى – فبراير عام ٢٠١٠.

(٢) بتصرف من مقال للناقد: سمير فريد.

(٣) هند باغفار: كتاب الأغاني الشعبية في المملكة العربية السعودية – عام ١٩٩٤.

اقرأ أيضا: السينما السعودية في مواجهة النقد «القضعاني»

شارك هذا المنشور