فاصلة

مراجعات

«فيرميلليو»… يوميات بلدة إيطالية عشية الحرب

Reading Time: 2 minutes

من خلال تبنّي لغة شعرية قادرة على تحويل الجمال الصارم للمناظر الطبيعية إلى عنصر قادر على عكس الحالة الذهبية للشخصيات، وجعل العزلة الطبيعية الناجمة عن تقسيم المناطق الإيطالية خلال الحرب العالمية الثانية، تتوافق مع العزلة الوجودية التي تعيشها الشخصيات، تمكنت المخرجة الإيطالية مورا ديلبورو في فيلمها «فيرميلليو» (Vermiglio)، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، من تقديم فيلم حميمي لكنّه يحمل أيضاً الكثير من الألم والحرب، العنف والصراع المجتمعي والشخصي، والتسلسل الهرمي بين الذكور والإناث، والأنانية الذكورية المنخرطة في كل شيء لتأكيد قوتها وهيمنتها.

من اسم قرية جبلية في شمال إيطاليا، يأخذ الفيلم عنوانه، وهو المكان الذي تجري فيه الأحداث. تعرف المخرجة جيداً هذه المنطقة التي ولدت فيها، لكنها تعيدنا وتعيد المنطقة إلى آخر سنة من الحرب العالمية الثانية، وتروي لنا العلاقات الشخصية بين أهل القرية، وداخل إحدى عائلاتها من أجل إظهار كيف أنّ الحالة المجتمعية تشكّلها مجموعة من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية، وكيف يؤثر ذلك على السلوكيات الطبيعية للإنسان وقبل أي شيء على بعده العاطفي.

مارتينا سكرينزي في «فيرميجليو»
مارتينا سكرينزي في «فيرميلليو»

 من ناحية لدينا القرية، ومن ناحية أخرى المدرسة، والمعلم (توماسو راجنو)، الذي يعلّم الصغار والكبار. نرى المعلم في المدرسة وأيضاً في بيته مع زوجته وأطفاله العديدين. في «فيرميلليو»، هناك المعتقدات، خاصة الدينية منها، بالإضافة إلى الخرافات والطقوس والأعراف التي زعزعها زواج ابنة المعلم لوسيا (مارتينا سكرينزي) بالجندي الصقلي بييترو (غويسيبي دي دومنغو) الذي يقلب استقرار البلدة والعائلة، ومنه تسلّط المخرجة الضوء على جذور مجتمع غير متكافئ عندما يتعلق الأمر بتوزيع الحقوق المتساوية بين الرجال والنساء.

«فيرميلليو»، هو ذلك المكان الهادئ الذي تتحرك فيه القصة، في لحظة تاريخية دقيقة ومهمة، يتألف من تفاصيل تحمل إحساساً بالحياة أو بدء الحياة بعد الحرب. يسمح لنا الفيلم بالتناغم مع وتيرته البطيئة، بقصة أبطاله الأطفال والبالغين والكبار، وأصوات وصمت ومساحة طبيعية وأصالة وعفوية اللهجة… كل هذا في واقع قاس لكن سحري بشكل لا مثيل له.

جوزيبي دي دومينيكو ومارتينا سكرينزي وآنا ثالر في فيرميجليو
جوزيبي دي دومينيكو ومارتينا سكرينزي وآنا ثالر في فيرميلليو

 يأخذنا الفيلم في رحلة تأملية، ليتجلّى أمامنا بدون صخب، ويقبع داخلنا بينما يحرك فينا الأحاسيس ويتركنا متألمين راغبين في تمضية المزيد من الوقت في هذه القرية ومع العائلة. يتغذى الفيلم على ما يُبحث عنه في الأعماق، مثل العاطفة والذنب والتجربة والأسئلة. 

«فيرميلليو»، جزء من حياة، مبني على ما هو ظاهر أمامنا وعلى أحداث عائلة تصلنا عبر الرسائل والجرائد التي تقرأها الشخصيات، مما يتركنا كمتفرجين مشاركين في العواقب الإنسانية التي تمرّ فيها العائلة.

 تتسلسل الدراما بصمت وتتدفّق الحياة في الفصول الأربعة، كما تتدفق موسيقى شوبان وفيفالدي. «فيرميلليو» فيلم صادق، من مخرجة واعية تثري بانوراما السينما الإيطالية المعاصرة.

اقرأ أيضا: «ساحة المعركة»… فيلم عن أهوال الحرب العالمية

شارك هذا المنشور

أضف تعليق