فاصلة

مقالات

«فال»… وصية كيلمر السينمائية الأخيرة

Reading Time: 4 minutes

كان آيس مان في «توب غان» (1986 – «Top Gun»)، وجيم موريسون في «ذا دورز» (1991 – «The Doors»)، ودوك هوليداي في «شاهد القبر» (1993 – «Tombstone»)، وباتمان في «باتمان للأبد» (1995 – «Batman Forever») وكريس شيهيرليس في «هيت» (1995 – «Heat»)، وفال كيلمر (1959 – 2025) هو البطل المطلق في فيلم «فال» (2021 – «Val»)، الذي يعدّ نوعًا من المذكرات الحميمية عن حياة اتّسمت بالفن والسينما والفرح والمآسي.

 

 يجمع الوثائقي الذي أخرجه ليو سكوت وتينغ بو، مئات الساعات من اللقطات والمشاهد التي سجّلها فال كيلمر بنفسه طوال حياته. ومنها يروي الفيلم تاريخ عائلته بمتعتها ومآسيها وخسائرها المؤلمة، وقصة حبه مع جوانا والي وولادة أطفاله، إلى جانب تطوره ومهنته كممثل، وحياته الفنية، ومونولوغه المسرحي عن مارك توين، وإصابته بسرطان الحلق الذي أدى إلى جلسات علاج كيميائي وثقب قصبته الهوائية، وفقدان صوته. 

قد يتبع «فال» مسارًا سرديًا تقليديًا، ولكن استخدام المشاهد الخاصة التي صوّرها فال، يجعل الفيلم مختلفًا تمامًا عن الأفلام الوثائقية التقليدية، خصوصًا أنّ ابنه جاك هو الذي استعار صوت فال كيلمر للتعليق الصوتي الاعترافي. في الفيلم، نكتشف نوايا فال بأن يصبح ممثلًا من نوع مختلف، وأحلامه التي تلاشت. نشهد من كثب صعوده وسقوطه، وروعته وانحداره.

فال كيلمر
Val (2021)

كان لدى كيلمر دافع قهري لتصوير كل شيء طوال حياته. هذا الهوس اشترك فيه مع شقيقه الأصغر، ويسلي، الذي توفي في سن الخامسة عشرة. هناك العشرات والمئات والآلاف من الأشرطة حول أنشطة العائلة، وحميميته، واختباراته، ووقت فراغه، التي استغلها المخرجان في جميع أبعادها. 

من خلال الفيلم، تصبح حياة طفل مبدع وموهوب من كاليفورنيا واضحة إلى حد ما: بدأ دراسة المسرح في نيويورك، كان أصغر شخص يدخل مدرسة غوليارد المرموقة في سن السابعة عشر. تلقى مكالمة من هوليوود، وتوجه إلى هناك، وتغير كلّ شيء فجأة. انتهى الأمر إلى أن تكون الشهرة سلاحًا ذا حدين، مما دفعه إلى التخلي عن اهتماماته التمثيلية الشخصية التي كان يطمح إليها، ولبس بدلة باتمان التي بالكاد سمحت له بالتحرك أثناء التمثيل. شيئًا فشيئًا، ستظهر قضايا أخرى، والديون والطلاق والمشاريع الشخصية غير المكتملة وإخفاقات الأعمال وشراء المنازل وبيعها وأسلوب حياته وعلاقته بأطفاله.

الأفلام الوثائقية التي تصوّر ممثلي هوليوود بشكل ذاتي نادرة. هناك الكثير من الأفلام التأبينية، والاحتفالات بالنجوم كأساطير خالدة، وقصص الخلاص التي تغفر الخطايا أو تمجد المآثر. أفلام تتجنّب تدمير الأسطورة لكشف الحقيقة. قناع النجم الساطع الذي صاغته الصناعة، غالبًا ما يكون غير قابل للكسر.

فال كيلمر
Val (2021)

في «فال» لا نرى هذا. يبذل كيلمر جهدًا لطرح أسئلة على نفسه كفرد، كرجل عائلة، وقبل أي شيء، كشخص يستسلم لغموضه الفني. وهنا تكمن سمعته كشخص يسعى للكمال، وممثل يصعب العمل معه، ورجل غير مستقر عاطفيًا إلى حدّ ما. يبرر أفعاله ويربطها برغبته في القيام بالأشياء بشكل جيد وجدّي، وهو أمر لا يحدث دائماً في هوليوود. 

يظهر «فال» ألمًا يصعب رؤيته، لكنه ليس عاطفيًا. كوميدي أحيانًا، وليس محاكاة ساخرة. فيلم عن السينما، وإن لم يكن متكلفًا. في النهاية، هو نقد لهوليوود، لكنه ليس مسيئًا. ما يقدمه لنا في الواقع، هو تأمّل في مصير ممثّل مُخلص لمهنته، لشخصية محاطة باللوحات الفنية، ورسومات غريبة، للأب الذي يفسّر لماذا يستحيل الكلام والأكل في آن واحد مع وجود ثقب في حلقه.

يُتيح لنا الفيلم فرصة الانخراط في لحظات كيلمر الحميمية، ويقدم مئات الحكايات مثل: لماذا وافق على أداء دور باتمان، ورفض الجزء الثاني؟ ويضيء على حبه وإخلاصه لمارلون براندو، الذي تمكّن أخيراً من مشاركته في تصوير فيلم مضطرب، وهو «جزيرة الدكتور مورو» (1996، «The Island of Dr. Moreau»). وما أخبرنا به كيلمر بأن براندو ليس دائمًا هو الذي يجسّد دور مورو في الفيلم. على الرغم من أنه يمكن أن نرى ونسمع كيلمر يشيد بحماس «لمزيد من الجنس، ومزيد من المخدرات، ومزيد من الكحول، وقليل من توم كروز»، إلا أن علاقته بالنجم أثناء تصوير فيلم «توب غان» وبعده قائمة على الاحترام. يخبرنا كيلمر كيف تجاهل توم كروز في موقع التصوير، راغبًا في الحفاظ على العداوة بين آيس مان وشخصية توم كروز.

Val (2021)
Val (2021)

في فيلم «فال»، تتسم حميمية المادة لدرجة الوقاحة، وقد تكون طاغية أحيانًا، لكنها مبررة دائمًا. وتشمل هذه الحميمية الحالة الجسدية والصحية التي يعاني منها كيلمر، فيؤلمنا ذلك ويجرحنا ويشعرنا بعدم الارتياح، لأننا مثله، كنا جميعًا نعتقد أننا سنصبح أفضل، أو على الأقل أفضل مما كنا عليه سابقًا.

 «فال» فيلم نادر، لا يروي كيلمر تجاربه وحياته بطريقة الإنشاء بل بالعكس. يعيش كل كلمة وجملة وتجربة من جديد. في «فال»، كان كيلمر لا يزال على قيد الحياة، قبل أن يفارقنا بداية هذه الشهر، لكنّ شيئًا منه قد مات إلى الأبد. كان بالكاد يُعبّر بالكلمات عما يريد قوله.

 «فال» هو الصورة الذاتية المرّة والحلوة، والشهادة السينمائية التي تركها لنا. فيلم مؤلم ومحزن ومفرح في آن. مرآة غريبة لسراب الشهرة والنجاح، وثائقي عن ممثل كبير ظنّ الجميع خطأً بأنهم يعرفونه.  

اقرأ أيضا: ماذا حدث لفال كيلمر؟

شارك هذا المنشور

أضف تعليق