فاصلة

مراجعات

«فاصل من اللحظات اللذيذة»… كوميديا تبقى بعد المشاهدة

Reading Time: 4 minutes

منذ انطلاق مسيرة هشام ماجد السينمائية في فيلم “ورقة شفرة” (2008)، وهو يراهن في أغلب أفلامه – إلى جانب الكوميديا بالطبع- على الفانتازيا أو الخيال العلمي، كان هذا جليًا في “سمير وشهير وبهير” (2010) و”حملة فريزر” (2016)، وحتى في أول أعماله السينمائية منفردًا – بعيدًا عن أحمد فهمي وشيكو- “حامل اللقب” (2022) كانت الفانتازيا حاضرة. لكن طرافة الفكرة وحدها لا تكفي لصناعة فيلم جيد، فمن الممكن أن تموت الفكرة البراقة من خلال معالجة السيناريو الضعيفة أو غير المقنعة.

في أحدث أفلامه “فاصل من اللحظات اللذيذة”، يتعاون ماجد مع المخرج أحمد الجندي، صاحب النجاحات الكثيرة في مجال الكوميديا سينمائيًّا وتلفزيونيًّا، ومنها تعاون سابق مع بطل الفيلم في “الحرب العالمية الثالثة” (2014). بينما كتب السيناريو كلًا من شريف نجيب الذي تعاون مع الجندي في “طير انت” (2009) وغيره من الأعمال، وجورج عزمي القادم إلى السينما من عالم الستاند أب كوميدي. تشاركه البطولة هنا الزاهد التي قدمت أعمالًا كوميدية متعددة في السنوات الأخيرة.

زيارة جديدة لفكرة قديمة

يقدم الفيلم معالجة لفكرة ليست جديدة، وهي العوالم الموازية أو الحياة البديلة، والتي شاهدناها من قبل كثيرًا في السينما العالمية، فيما اتخذت السينما المصرية صيغة أبسط منها وهي كوميديا الشبيه، التي ربما كان أول من قدمها نجيب الريحاني في “سلامة في خير” (1937) حينما يحل الفرّاش سلامة (الريحاني) مكان أمير قندهار للشبه بينهما، وكررها الريحاني تاليًا في فيلم “سي عمر” (1941).

في “فاصل من اللحظات اللذيذة” تبدأ الأحداث مع أسرة صغيرة على مشارف الانهيار؛ الزوج صالح (ماجد) مهندس فاشل، والزوجة درية (الزاهد) مذيعة مغمورة، وابنهما الطفل بودي (جان رامز) يعاني من عدم اهتمامها. يكتشف صالح بالصدفة ثقبًا في جدار منزله ينقله إلى عالم موازِ، حيث يجد شبيهًا له في ذلك العالم الآخر وقد غدا مهندسًا مرموقًا، وزوجته مذيعة شهيرة ونجمة مجتمع، بينما الطفل غاية في الأدب، وهو ما يغريه بالبقاء هناك واستبدال هذه الأسرة بأسرته الحقيقية. لكن الأمور لا تسير كما يود بالتأكيد.

فاصل من اللحظات اللذيذة

الصعوبة الأولى لدى صناع الفيلم كانت في كيفية صناعة العالم الموازي، وأبعاد التباين التي يمكن أن تثير الكوميديا لاختلافه عن العالم الأصلي من جهة، وأن تكون ملائمة لدفع الأحداث إلى الأمام، من جهة أخرى.

الاكتفاء بالفروق المادية بين العالمين/الأسرتين لم يكن كافيًا لصناعة مفارقات كوميدية، إذ استُهلكت هذه الفكرة بالفعل، وهكذا أضيف إليها فارق آخر وهو درجة التأدب المبالغ فيها، والتي تجعل الانفعال الزائد يُعاقَب فورًا، مرورًا بأفكار أخرى شكلت في النهاية الكثير من الاختلافات التي سمحت بكوميديا لافتة ليس فقط من خلال التناول الساخر لطبيعة العلاقات الجنسية في العالم الموازي، وهو الاستخدام الأكثر سهولة لإثارة الضحك في إطار “السينما النظيفة”، ولكن من خلال التمادي في صناعة اختلافات تخص بعض الشخصيات بشكل غير تقليدي، مثل شخصية كمال (محمد ثروت) الذي كان الاختلاف بين نسختيه هو الأكثر طرافة، وهو ما استغله ثروت أيضًا لتقديم أداء لافت يختلف عن كثير من أدواره السابقة.

فاصل من اللحظات اللذيذة

عالم جديد بميزانية محدودة

لا تتوقف تفاصيل العالم الموازي على الأفكار المكتوبة فقط، بل يتدخل العنصر البصري بشكل واضح، إذ يجب أن يشعر المشاهد بالاختلاف بين العالمين، ليس فقط من أداء الممثلين، ولكن من خلال الطابع البصري لكل منهما. في هذا الأمر تبدو واضحة الميزانية المتوسطة لإنتاج الفيلم، بداية من تنفيذ لقطات الجرافيك في أثناء مرور صالح بين العالمين، وحتى في عدم التوسع الكبير في العالم الموازي، لكن المشرف الفني ومصمم الديكور للفيلم عمرو صلاح، نجح بإيجاد حلول بسيطة لخلق الاختلاف، باستخدام الألوان الربيعية المبهجة والحاضرة بقوة في العالم الثاني، مع صناعة تصميمات ذات تفاصيل قليلة تفي بالغرض للأماكن المختلفة مثل “الجنينة”، التي هي بمثابة مقر قيادة للعالم المختلف. يأتي هذا في مقابل ألوان داكنة أكثر وأقل تنوعًا في العالم الأصلي، وإن كان الديكور هنا لم يُستخدم فقط كخلفية للأحداث، ولكن أيضًا شارك في توليد لحظات كوميدية.

بينما على مستوى الأداء، حاول كل من الممثلين صناعة تفاصيل واضحة لكل شخصية من الشخصيتين اللتين يلعبانهما، ومع وجود ملامح مختلفة في الشخصيات بالفعل فإن الممثلين لم يلجأوا إلى تقديم تباين شاسع في الأداء بين العالمين، ربما بعض التفاصيل الحركية، أو تغيير في الصوت في حالة هشام ماجد، وإن كان الاختلاف الأكبر كان لدى محمد ثروت كما ذكرنا سابقًا.

فاصل من اللحظات اللذيذة

فواصل “غير لذيذة”

رغم التميز الذي ذكرناه في الكثير من عناصر الفيلم، فإنه لا يخلُ من بعض تفاصيل كانت تحتاج إلى عناية أكبر، أبرزها بالتأكيد هو ما يتعلق بكيفية السفر بين العالمين وبداية ظهور الفتحة التي تعمل ممرًا بين العالمين. لم يكن مطلوبًا إيجاد تفسير علمي، ولكن تقديم تفسير مقبول داخل عالم الفيلم عن سبب ظهور هذه الفتحة في الجدار فجأة من دون مقدمات، في بعض الأفلام يكون الأمر في غاية السهولة كأن يصلي طفل صغير بأن يتخلص من أهله، أو أن يتحول إلى شخص كبير فيحدث التحول، ولكن هذا لم يحدث في “فاصل من اللحظات اللذيذة”. شاهدنا برقًا قبل ظهور الفتحة، ولكن يمكن أن يكون هذا عرضًا وليس سببًا لظهورها. عدم إحكام هذا الأمر امتد لتفاصيل اختفاء الفتحة أيضًا قرب نهاية الفيلم، والتي قرر صناع الفيلم فجأة أنها تنكمش مع كل مرور خلالها، وهو ما لم نشاهده من قبل.

فاصل من اللحظات اللذيذة

ربما كان بالإمكان إيجاد حلول أفضل لاستكمال الحالة المتماسكة في الفيلم. وأقول متماسكة لأننا أمام عمل جيد بالفعل وهناك إخلاص من صناعه في التنفيذ، اعتمادًا على السيناريو ككل وليس على المشاهد الكوميدية فقط، حتى وإن كانت بعض المشاهد قد طالت بعض الشيء، مثل مشهد المعركة بين شخصيتي صالح في النهاية، أو قصرت بعض الشيء، مثل عدم ظهور أي تفاصيل عن عمل درية في العالم الأصلي.

فيلم “فاصل من اللحظات اللذيذة” هو فيلم كوميدي ممتع للمشاهدة سواء في موسم العيد أو خارجه، وأعتقد أنه سيحظى بشعبية أكبر عندما يتاح للعرض على المنصات، وربما سيصبح العمل الأنجح في مسيرة هشام ماجد – منفردًا- حتى الآن.

اقرأ أيضا: خمسون سنة على «المحادثة»… جوهرة كوبولا المخفيّة

شارك هذا المنشور