فاصلة

حوارات

عمر الزهيري… أجمل الأفلام العربية لم تعرض في المهرجانات السينمائية الدولية

Reading Time: 4 minutes

خلال السنوات الماضية، أثار فيلمه الروائي الطويل الأول “ريش” ضجة كبيرة، وردود افعال واسعة داخل اروقة المهرجان وفي الساحة الإعلامية المصرية، لا يزال صداها قائمًا، إذ يستدعي الفيلم من وقتها في معرض الحديث عن حرية الإبداع السينمائي، وما يراد من فرض قيود على رؤية صناع الفنون تحت شعارات مختلفة، كثيرها ينحو للمصادرة وفرض رؤى ضيقة ومحدودة لمسارات الإبداع.

قبل أسابيع شارك المخرج المصري الشاب عمر الزهيري كعضو لجنة تحكيم في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي كما حضر مؤتمر النقد السينمائي المقام في الرياض نوفمبر الماضي ويشارك ويشارك حاليًا ضمن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة، حيث التقته “فاصلة” في هذا الحوار.   

كيف كانت تجربة مشاركتك في مؤتمر النقد السينمائي بالسعودية؟

التجربة كانت مثيرة بالنسبة لي، ولم أرَ تجربة بهذا الشكل من قبل، دائما كنت أحضر مهرجانات متعلقة بالسينما ومهتمة بعروض الأفلام وتسويقها، لكن وجود حدث بعينه مهتم فقط بالنقد كان شيئًا جديدًا. 

خروج النقد عن الصفحات والكلمات المكتوبة بالنسبة لي كصانع سينما وبالنسبة للجمهور كان مهمًا، فالتركيز على النقد في المهرجان من خلال وجود نقاد يتحدثون حول دور الناقد، ونكتشف معهم دور النقد الحقيقي في تطوير عقل أي سينمائي، وهو أمر كنت مشغولًا به خلال دراستي بمعهد السينما وتعلمت منه الكثير. وأكثر شيء طور السينما التي أقدمها هو علاقتي بالنقد، وفهمي للمدارس النقدية جعلني أرى الأفلام من منظور مختلف أي أتذوقها بشكل مختلف من خلال العناصر الفنية ومدى تحققها في كل فيلم، وهو أمر مهم جدًا حتى تفهم علاقتك بالفيلم الذي تقدمه أو تشاهده. فكان المؤتمر مهمًا لكونه قادر على إلهام المطلعين عليه من صناع السينما أو الجمهور لتغيير معايير رؤيتهم للأفلام، فكان الأمر مثيرًا بالنسبة لي.

تواجدت في لجان التحكيم سواء في مهرجان لوكارنو وحاليا في مهرجان الجونة كمخرج يخطو خطواته الأولى في السينما، ما أهمية وجودك كعضو لجنة تحكيم مع أسماء مهمة؟

هي فرصة كي انحاز فيها للسينما التي أرغب في تقديمها. فمثلًا أفلامي – وتحديدًا “ريش”- كان مفاجأة بالنسبة لي وجوده في المنافسة وفوزه بعدة جوائز قوية، في ظل اعتباره أن البعض ممكن أن يرى أنها سينما غير معتادة وغير سلسلة الفوز بجوائز.

بنفس الطريقة أحاول أن أجد الأفلام التي حققت المفاجأة، وهي أن أشاهد فيلمًا أرى فيه أشياء لم أرَها من قبل في  حياتي، فعندما أتواجد في لجنة التحكيم يكون لديّ فرصة للانحياز لتلك الأفلام، وبالمثل إذا تواجدت أفلامي في المهرجانات ستلقى نفس الفرص. وبالنسبة لمهرجان الجونة فأنا سعيد بمشاركتي في ظل إقامة المهرجان في الظروف الحالية، فإقامته كانت شيئًا مهمًا، خاصة أنه أُقيم بكامل قوته.

كما أن لديّ وجهة نظر بأن السينما في العالم تمر بوقت صعب كوسيط، وتجربة المشاهدة أصبح بها تغيير كبير، ووجود دورة فعلية لمهرجان موجود على الأرض؛ شيء مهم لتعافي السينما سواء عالميًا أو في المنطقة.

التقيت بعدد من صناع السينما السعودية التي لا زالت في بدايتها… ولا بد أنك واجهت سؤالاً دائما ً عن كيفية الوصول لكان وللمهرجانات  الدولية ؟

أرى أنه من الطبيعي حدوث انبهار في البدايات بشكل النجاح المتعارف عليه. في البدايات طبيعي أن ترغب وتقول أنك تريد المشاركة في أكبر المهرجانات في العالم والحصول على أكبر جائزة، لكن يوجد أشياء مهمة منها تقييمنا لجودة الفيلم، هل هي الجائزة أو رأي النقاد؟ أم رأي الجمهور أو إيراداته؟ وكلها أسئلة مشروعة. 

الأهم من تلك الأسئلة هو أن يكون مخرج الفيلم أكثر الناس فهمًا لفيلمه، ولا يستمد ثقته في ما ينتجه من الآخرين.

فمن الممكن أن أصنع فيلما يخبرني العالم كله أنه سيء، لكنني أحبه وتأثرت به كثيرًا لأن به تجربة إنسانية فريدة. قيمة الأفلام تظهر مع الزمن، فعندما تشاهد فيلمًا مضى على إنتاجه 20 عامًا، لا تشاهده لأنه حصل على جائزة أو من أجل رأي النقاد أو لأنه حقق إيرادات في السوق؛ أنت تتذكره كإنسان لأنه أثر بك، فالأفلام ترتبط فينا بأثرها الإنساني الممتد. أجمل الأفلام في السينما العربية لم تفز بالسعفة الذهبية وربما لم تذهب لمهرجانات كبرى.

 والشق الثاني من الإجابة؛ معرفة ماهية دور مهرجانات السينما، وهو في المقام الأول دور تيسير الإنتاج والتوزيع وتسليط الدور على الفيلم، أي ليس دورها تحديد مدى جودة الفيلم، فهناك مهرجانات كبرى لا تُوفق في اختيار أفلام يستمر أثرها لسنوات.

المهرجان دوره الأساسي أن يكون منصة كبرى لعرض الأفلام الأقل جماهيرية أو غير الجماهيرية، وله دور إنتاجي في أن يكون هناك تواصل بين سوق الإنتاج والمبدعين. والجوائز مهمة جدار كدور توزيعي من أجل أن يتم استكمال مشروعك.

ما هو الأثر الذي أحدثته مهرجانات الأفلام في مشروعك؟ 

في تجربتي قدمت فيلمًا روائيًّا طويلًا وفيلمين قصيرين، الفيلم الطويل حقق نجاحًا كبيرًا جدًا، لكن رغم نجاحه؛ لم يطغ على الأفلام القصيرة البسيطة التي لا يزال الناس يرونها ويتحدثون عنها. التغيير الذي حدث هو أن الناس تبدأ في معرفتك أكثر، فالناس لا تحب فيلمك من أجل جائزته ولكن لأنها لمست شيئًا فيها. ونصيحتي للمخرجين الجدد أن الهوس بالسينما أهم بكثير من الهوس بالرأي. 

قبل ازدهار السينما مؤخرًا في السعودية عندما كان المناخ منغلقًا، كان الشغف هو المحرك الرئيسي حتى إذا كنت ستعرض الفيلم على أصدقائك فقط. ولا بد أن أذكر فيلم (شروق غروب) لـمحمد الظاهري عام 2009، الذي أنتج في مناخ مختلف تمامًا عن الموجود حاليًا، ورأيته منذ عدة أسابيع وكان تأثيره مختلفًا في المشاهدة الثانية، وذلك هو ما يبقى؛ الفيلم هو ما يبقى وليس الجائزة.

هناك حملة نقد كبيرة تجاه  فيلم “ناقة” البعض وصفها بالمشابهة  بالحملة على فيلمك “ريش”؟

أنا أرى أنها ليست حملة، لأن كلمة حملة تحمل معنى آخر. يوجد قطاع من الجمهور له رأي معارض للفيلم بشكل أو بآخر. ولو جردنا الفكرة من الأفلام التي ذُكرت بالاسم، فأنا أعتقد أن الفنان دوره بوضوح أن يكون تواصله مع الجمهور من خلال عمله الفني وليس بتواصله المباشر، العمل الفني هو العقد بيننا، وسواء أُعجب به الناس أو لا، فذلك حال الدنيا، فالإعجاب لن يقوي وجوده ولن يلغيه. ففي النهاية نحن بشر وموجودين والاختلاف شيء طبيعي. 

وبصراحة مشعل الجاسر مخرج موهوب واستطاع أن يقدم شيئًا مؤثرًا في أول أفلامه، شيء ممتاز من وجهة نظر البعض، وبغيض من وجهة نظر أخرى، وهذا شيء طبيعي. لكن الغريب هو الإرهاب بأن تمنعه. يمكنك صنع فيلم يطرح سردية مغايرة إذا أغضبك الفيلم. وفي النهاية دور الفنان أن يقدم فنه ولا يدافع عن عمله، دفاعك عن مشروعك هو عملك نفسه وليس ردك على الناس.

اقرأ أيضا: “ناقة”.. ثمن المخاطرة السينمائية

شارك هذا المنشور