من بين الأفلام المصرية الأربعة المعروضة في موسم عيد الأضحى، يظهر «عصابة الماكس» باعتباره أكثر تلك الأفلام إخلاصًا لخلطة «فيلم العيد» التقليدية. أي حين يكون الفيلم منعدم الطموح الفني، مصنوعًا على عَجَل، ويشبه عشرات الأفلام من نوعه؛ لا يراهن إلا على التسلية الرخيصة.
وإن كانت كل تلك السمات لا تلغي كونه ينجح في غرضه بالفعل، إذ يمنح جمهوره حدا أدنى من الوقت اللطيف أثناء المشاهدة، لكنه – الجمهور- ينسى ما شاهده فور خروجه من قاعة السينما.
اقتباس أم سرقة؟
الفيلم هو التجربة الإخراجية الأولى لحسام سليمان، ومن تأليف أمجد الشرقاوي ورامي علي، ويجمع باقة من الوجوه المحبوبة، يتصدرهم النجم أحمد فهمي ويشاركه البطولة روبي ولبلبة وحاتم صلاح ومحمد أسامة (أوس أوس). إضافة لعدد من ضيوف الشرف الذين باتوا يظهرون في كل فيلم حتى زالت الدهشة.
تظهر مؤشرات الاستسهال في «عصابة الماكس» بداية من التريلر (الإعلان التشويقي)، والذي أثار شكوكي بوجود تأثُّر كبير بالفيلم الأميركي الكوميدي «نحن عائلة ميلر We’re The Millers» إنتاج (2013). تأكدت تلك الشكوك بعد مشاهدتي الفيلم. بل وجدت أنه لم يكن مجرد «تأثُّر» وحسب؛ بل اقتباس مباشر وكامل لفكرة الفيلم الأجنبي من دون إشارة للحقوق في التترات.
المكسيك/السودان ذهاب وعودة
تدور قصتي الفيلمين حول مجرم يُكلًّف بعملية تهريب صعبة عبر الحدود، فيلجأ إلى حيلة: تكوين أسرة مزيفة لتسافر مع البضاعة المهربة في حافلة رحلات، استنادًا إلى ترجيح قوي يقول إن الشرطة لن تفتش حافلة بداخلها أسرة.
في الفيلم الأجنبي كانت البضاعة المهربة هي شحنة مخدرات. في الفيلم المصري كانت البضاعة هي مومياء أثرية. في الفيلم الأجنبي يكون عبور الحدود الأمريكية مع المكسيك، بينما في الفيلم المصري تكون الحدود مع السودان. في الفيلم الأجنبي تكون البطلة راقصة تعري، في الفيلم المصري تكون البطلة مُطربة درجة ثالثة تقدم فقرات هابطة بالأفراح الشعبية.
هذا المقال غرضه ليس التنديد بظاهرة الاقتباس والسرقات الفنية، وهو موضوع أكل عليه الدهر وشرب. فبحسب المؤرخ السينمائي محمود قاسم في كتابه «الاقتباس: المصادر الأجنبية في السينما المصرية»، فإن أكثر من نصف إنتاجات السينما المصرية هي ذات أصول أجنبية، وترجع بالأخص إلى السينما الأمريكية. وكثير منا يعرف بعض من تلك الأفلام المصرية المنتحلة، بل ويحبها أكثر من الأصل، رغم كون وجودها دلالة على فقر الأفكار، لكننا نقول لا بأس إذا كانت ستُمصر بشكل جيد يستفيد من الهوية المحلية، ويضيف أبعادًا جديدة للأصل.
ليتهم سرقوه بالكامل!
حاول فيلم «عصابة الماكس» أن يكون من تلك الأفلام التي تضيف إلى الأصل الأجنبي المأخوذ عنه بإضافة تفاصيل جديدة. لكن هذه الإضافات صنعت مشكلة الفيلم الأساسية. إذ بدا وكأن مؤلفي الفيلم لم يستوعبا مناطق القوة بالفيلم الأمريكي، فلم يستغلا ما تتيحه الحبكة الرئيسية من بناء كوميدي لمواقف مُسَلسَلة نابعة من جوهر الدراما ومضحكة بحق، وليست مجرد «سكتشات» ملحقة بالرحلة، عملت – فعليًا- على تشويه الفكرة.
الأساس أننا بصحبة أسرة زائفة، أب يتظاهر بكونه رب العائلة، أم تمثل الأمومة، ابن مزيف …الخ. كل هذا من أجل عبور كمائن الشرطة وتهريب الممنوعات. في «عصابة الماكس» لم يتحقق أن تعرضت تلك الأكذوبة إلى تحدي سوى بمشهد واحد في الربع الأول من الفيلم، مع أول وآخر كمين للشرطة يظهر بالأحداث، ومن بعدها فكل المواقف التي يخوضها الأبطال في رحلتهم هي مواقف لا تتحدى تلك الأكذوبة الروائية المبني عليها القصة، أيّ لا تحاول فضح زيف الأسرة، وهو الأمر الذي اعتمد عليه الفيلم الأمريكي في إفراز الضحك والفكاهة.
لكن في «عصابة الماكس» تسير الرحلة بمنهجية أخرى قائمة على الكرّ والفرّ والمطاردات المبتذلة، تقطعها سكتشات نمطية على غرار الأفلام الكوميدية التي امتلأ بها السوق المصري في السنوات العشر الأخيرة، وتتلخص في التنمر على الشكل، أو السخرية من فئات المجتمع المصري (الصعايدة مثلا)، أو الهزل تحت تأثير المخدرات، أو إلقاء دعابات وإفيهات مستلهمة من وسائل التواصل الاجتماعي، أو خروج عن النص وكسر للإيهام بطريقة باتت متوقعة وكسولة.
من أبرز علامات كسر الإيهام، ظهور النجم أحمد السقا في مشهد كضيف شرف بشخصيته الحقيقية، ليقدم إضافة كوميدية تعتمد بشكل أساسي على إلمام الجمهور بسياق ما خارج الفيلم: «جدعنة» السقا، وفروسيته، وصداقته الأبوية مع أحمد فهمي، والحكايات التي يحكيها الأخير عنه في البرامج الحوارية. دعك من أن هذه الفكرة الفرعية تم استهلاكها من قبل. لكن من لا يعرف السياق فلن يضحك، لأن الموقف مثله مثل عديد من المواقف جاء خارجًا عن إطار الفكرة التي يؤسس لها الفيلم، ويمكن الاستغناء عنه بسهولة.
الأسرة من كذبة لحقيقة
الخطايا في البناء الكوميدي التي شرحناها سلفا، ترتد لتطارد الدرس الجاد للفيلم بالنهاية. والذي يتلخص بميلاد روابط عاطفية بين أفراد تلك المجموعة (العصابة) فيشعرون أنهم أسرة بالفعل، يأتي هذا الرابط من دوافع نفسية؛ فكلهم عانوا من الوحدة والتشرد والانحلال، وجاء السياق العائلي الذي عاشوه لبضعة أيام ليزيّن في أعينهم العائلة كفكرة اجتماعية ورومانسية تستحق.
تلك الخلاصة تنجح بسهولة في الفيلم الأمريكي، لأن البناء الدرامي كان يكرس لها في كل موقف. بينما في «عصابة الماكس» بدت مقحمة وتنقصها المبررات.
ما سبق لا يعني أن «عصابة الماكس» فيلم يخلو من أي حسنات أو مميزات. وأرى أن الميزة الأكبر كانت أداء الممثل حاتم صلاح في دور «البارون» ذلك الرجل الذي سُجن بسبب مديونية تافهة لأقساط غسالة، وهي شخصية مرسومة بأصالة وابتكار، تحوي تناقضات تنتزع الضحك من دون جهد، وأداها الممثل الشاب بتمكن مدهش. بينما لم يضف هذا الفيلم جديدا لمشوار لبلبة أو أوس أوس، لكنه أضاف بعض الأغنيات الجديدة لريبتوار روبي، إحداها مرشحة لتكون هيت الصيف، مع قلق متنامي من زيادة في وزن النجم المحبوبة جعلت حركتها تبدو صعبة في مشاهد الاستعراض والحركة.
أما النجم أحمد فهمي، فيواصل رحلته الفنية غير المستقرة، من عمل فني يصيب وآخر يخيب. يُحسب له التنويع في أنماط الشخصيات التي صار يلعبها، لكن يؤخذ عليه أنه كان أحد أبرز مجددي الكوميديا في منتصف العقد الأول من الألفية، قاد مع زميليه ثورة تغيير مسار الكوميديا من بعد «موجة مضحكين الألفية»، وساهم بقوة في الكتابة الطازجة والأفكار الأصلية، لكن مؤخرًا بات فهمي مجرد مستهلك آخر لما يقدمه سوق الكُتّاب الكوميديين الجدد، من الذين يقتصر استيعابهم للكوميديا على كونها أي تهريج والسلام.
اقرأ أيضا: «أغنية الغراب»… محمد السلمان يحلِّق فوق سماء الرياض