فاصلة

مراجعات

«صوت السقوط»… بهيّ بأجوائه الجنائزية

Reading Time: 2 minutes

ألما (هانّا هيكت)، طفلة براغماتية عاشت في بداية القرن الماضي. أنجليكا (لينا أورزندوسكي)، مراهقة معذّبة من السبعينيات. مراهقة أخرى تُدعى لينكا (لييني جيسلر)، تعيش في الوقت الحاضر، هم الشخصيات الرئيسية، بالإضافة إلى شخصيات نسائية أخرى في «صوت السقوط» (Sound of Falling)، الفيلم الثاني للمخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي، المشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان. يدور الفيلم في ثلاث فترات تاريخية: العقد الأول من القرن العشرين، أثناء الحرب العالمية الأولى؛ لحظة بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ اليوم الحاضر. وإن لم يكن هناك زمان محدد بالمعنى الدقيق للكلمة في الفيلم، فهناك مكان محدد وواحد، أي قصر ريفي. في الفترة التاريخية الأولى، تكون تلك المنطقة إمّا بروسيا أو حدودها؛ وفي الثانية تقع على الحدود بين ألمانيا المنقسمة؛ وفي الثالثة تكون منطقة بلد «جديد»، البلد الذي عرفناه منذ سقوط جدار برلين. كلّ شيء غير مستقر في هذا التفتت، في هذا التاريخ من العواطف النسائية، حيث تتداخل أجسادهن وتتحلل مع بعضها البعض، وتنتقل الصدمات النفسية من جيل إلى آخر. جميع هذه النساء نشيطات فكرياً، يشعرن بكلّ شيء أو يعرفن الكثير. هنّ غير آمنات، على وشك الانهيار والسقوط في أيّ لحظة، يحملن معهن كلّ الخلود، مع علاقة دائمة مع الغموض والموت، ويتجهن نحو العدم.

«صوت السقوط»... بهيّ بأجوائه الجنائزية
Sound of Falling (2025)

«صوت السقوط»، فيلمٌ جامحٌ طموح، يحتضن أجيالاً متعددة، ومصائر متعددة. أبدعت شيلينسكي وقدّمت فيلماً مبهراً عن مصير النساء الألمانيات الخاضعات للنظام الأبوي وتقلبات تاريخ القرن العشرين بكامله. ووحّدته أولاً من خلال الشكل، ثم من خلال أصوات حميمية لإظهار الرغبة والاشمئزاز ودافع الموت. يستكشف الفيلم ندوب التاريخ، والعنف الجنسي ضد المرأة، وقسوة الأطفال، والعلاقات الطبقية. يقترح الفيلم (لحسن الحظ) اتجاهات تنأى بنفسها عن خطيّة الحبكة التي تُصوَّر على أنها مجموعة من الإجراءات المترتبة، وتوفّر للمشاهد اتجاهاً صعباً، يهدف إلى التركيز على ما لا يُقال. من السهل جداً القول إن الفيلم يتناول المرأة، وهو موضوع لا يتجنبه بالتأكيد، ولكنه لا يختزله فيه.

Sound of Falling (2025)
Sound of Falling (2025)

«صوت السقوط»، عملٌ رائعٌ وساحرٌ ومؤلم، بعيدٌ كلّ البعد عن الممارسة السينمائية من حيث أساليب السرد والإخراج. قدرة شيلينسكي مبهرة في إتقان مزج الألوان، وتشويه اللقطة، والتلاعب بالصوت والعناصر الأسلوبية لسينما الرعب والغموض. قدّمت شيلينسكي سينما جريئة وصعبة، ساعتين ونصف لا تخلو من لحظات من الجمود، إلى جانب العديد من الانفجارات العاطفية. «صوت السقوط»، غامض، مُبهم، حسّي، وروحاني؛ بل وآسرٌ. في بعض المقاطع يتحرك كلّ شيء بطريقة تجمع بين الأدبي والسينمائي. فيلمٌ جميلٌ ومنحرفٌ درامياً، يبدو وكأنه يُروى من خلال أشباحٍ تحوم فوق المكان وتتجسّس عليه من خلال ثقوب المفاتيح. فيه الكثير من لحظات الصراحة والحنان، لكنه غارقٌ، بشكلٍ بهيّ، في أجواء جنائزية محزنة ومميتة.

اقرأ أيضا: «سماء بلا أرض»… السينما الملتزمة المعاصرة تزور العالم العربي

شارك هذا المنشور

أضف تعليق