فاصلة

مراجعات

شماريخ: البحث عن أب وسط ضباب!

Reading Time: 3 minutes

في سابع أفلامه الروائية الطويلة، يعود عمرو سلامة متعاونًا مع بطل أول أفلامه آسر ياسين، لتقديم “شماريخ” فيلم الحركة الأول من نوعه في مسيرة سلامة، والذي عُرض عالميًا للمرة الأولى في الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وطُرح في دور العرض المصرية بعدها مباشرة.

لا يمتلك عمرو سلامة أسلوبًا إخراجيًا مُحددًا، لكن يمكن القول أن موضوع الأبوة الغائبة هو أكثر موضوع يشغله ويُعرف جزء كبير من مشروعه السينمائي. نستطيع ملاحظة ذلك بداية من “لا مؤاخذة” مرورًا بـ”الشيخ جاكسون” و”برة المنهج” حيث الآباء غائبة إما بالموت  أو بعدم أداء أدوارها كآباء فاعلة مهتمة. “شماريخ” تنويعة جديدة على ذات الموضوع، فرغم وجود الأب ومعرفة الابن به وعمله معه، فإن الابن رؤوف/بارود (آسر ياسين) يسعى لاعتراف أبيه سليم العاهل (خالد الصاوي) به بشكل شرعي، ويتضاد ذلك مع رغبة أخيه غير الشقيق (آدم الشرقاوي).

يعتمد هذا الاعتراف هنا، أن يلبي رؤوف طلبات أبيه سليم، أو بمعنى أدق، أن يتحول لصورة من الأب حتى يظفر بذلك الاعتراف، لكن الابن بالطبع يخالف جزء من رغبات أبيه، ومن هنا ينشأ الصراع الدرامي طوال الفيلم. على الجانب الآخر، فإن الدراما المتعلقة بأمينة (أمينة خليل) تتعلق بأبيها أيضًا، الذي على عكس سليم العاهل، كان مُحبًا ودودًا، لكنه قُتل وتسعى هي للثأر ممن قتلوه، تتقاطع خطوط رؤوف وأمينة في رحلة يستكشفان فيها الكثير عن شخصية الأب الحقيقية، وعن ما يريدان تحقيقه بغض النظر عن الهدف الواضح لكلا منهما.

تُغلف الحبكة الأساسية للفيلم بأخرى متعلقة بحرب عصابات، وتعتمد الأخيرة في عملها على الألعاب النارية – ومن هنا اسم الفيلم “شماريخ” – سواء في التغطية على عمليات القتل كنوع من التشويش السمعي البصري، أو باستخدام أنواع مطورة من الألعاب النارية كأسلحة في حد ذاتها. من تلك النقطة ينطلق العالم البصري للفيلم مُميزًا بألوان الألعاب النارية الحمراء والصفراء وغيرها، وبوجود الأدخنة أيضًا، والتي تصور بداخلها المشاهد. تعبر تلك الألعاب النارية بأدخنتها وألوانها الخانقة، عن مشاعر الشخصيات ومدى الاختناق الذي يعيشون فيه وضبابية رؤيتهم، كما تمنح مساحة بصرية جذابة للفيلم. ملاحظة أخرى، أن الألعاب النارية التقليدية، المستخدمة في الاحتفال بالأعياد في الدول العربية، تُستخدم هنا كعنصر فعال في مشاهد القتال، ما يُعد عُنصرًا أصيلًا في العالم الدرامي والبصري للفيلم. 

 

على الجانب الآخر، فإن مواقع التصوير المتمثلة في أماكن مثيرة لتصوير المعارك أو المشاهد العادية، لكنها مُجهلة ولا تُشير إلى مدينة بعينها، إضافة إلى مكياج وملابس الشخصيات المشابهة لأـفلام هولييود تُفقد الفيلم جزءًا من أصالته وتجعله يبدو كفيلم تجاري بحت لا يضيف جديدًا. يمكن ملاحظة ذلك في شخصية الأخ، سواء من خلال قصة شعره أو ملابسه الجلدية السوداء والعيون المكُحلة، ما يجعله يبدو كـ”شرير” هوليوودي بشكل ما.

نقطة أخرى قد تكون خلافية بين المشاهدين بشكل كبير، تتمثل في فكرة التحيات السينمائية البصرية لأفلام أخرى مصرية أو أجنبية وبينها “عودة الابن الضال” و”جنينة الأسماك” واللص والكلاب” و”أولد بوي” و”ماتريكس” و”جون ويك”. بعض هذه التحيات السينمائية يظهر كما هو كمشهد على شاشة تيلفزيون، مثل ظهور شكري سرحان في شخصية سعيد مهران وهو يحاول الهروب في فيلم “اللص والكلاب”، وهنا تناص سينمائي يدخل في الدراما ويضيف إليها تشابه الشخصيتين في هروبهما من غدر رفاقهما. إلى جانب ذلك، فإن التناص البصري مع مشهد الغروب من “عودة الابن الضال” ليوسف شاهين هو أيضًا مناسب للدراما، إذ تتشابه قصة رؤوف مع قصة إبراهيم مدبولي، في كونهما أبناء ضالين يحاولون إثبات أنفسهم في وسط أسرة أبوية عنيفة.

أما التحيات السينمائية الأخرى المتعلقة بأفلام الحركة، فإنها مقتبسة بشكل واضح، يشير فيه المخرج إلى الاقتباس ولا يحاول تغييره، وهنا يبدو الأمر كنوع من “سينيفيلة” المخرج ذاته، ولا تعدو تلك المشاهد كونها تحيات إلى مخرجين يحبهم هو. هنا ربما يجد بعض المشاهدين أن تلك المشاهد وكأنها “مسروقة” أو لا وجود لأصالة فيها، ولكن في حالتي استحسنت وجودها، كنوع من حبي لتحيات المخرجين لآخرين ممن صنعوا أعمالًا سينمائية أيقونية.

“شماريخ” فيلم حركة رومانسي مُمتع، يلتزم ببناء كلاسيكي متماسك للحبكة، ويقدم عالمًا بصريًا به بعض التفاصيل الأصيلة والجديدة على فيلم حركة، ويُقدم تحيات بصرية إلى العديد من مخرجي السينما الكبار، سواء الفنية أو التجارية، ما يجعله فيلمًا يستحق المشاهدة بالتأكيد، ويستحق مخرجه ذات التحية التي قدمها لصناع السينما!

اقرأ أيضا: «وحشتيني» و «إلى ابني»: هل تكون أفلام المهرجانات جماهيرية أيضًا؟

شارك هذا المنشور