جميعنا كنا منتظرين فيلم «شاي أسود» للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، ليتضح بعد ذلك أنه من أسوأ أفلام المسابقة التي تعج بالأفلام الرديئة.
خرجنا من الصالة خائبين، ممزقين، ولا نجد عذرًا لسيساكو لعدم تقديمه فيلمًا يناسب مسيرته. نحن نتحدث عن أحد أهم المخرجين الأفارقة. فيلمه السابق «تمبكتو» (2014) أحد تلك الأعمال التي لا تنسى، نظرًا لالتزامها ووضوحها السياسي والاجتماعي والتاريخي.
لكن في «شاي أسود»، يريد سيساكو أن يكون بلا قيود من أي نوع، يسير من الرأس الأخضر إلى الصين، وتتحدث شخصياته جميع اللغات تقريبًا من دون أي مجهود، يطمح سيساكو إلى خلق حالة عاطفية مع الجمهور، ومن أجل ذلك يضحي بكل شيء تقريبًا: السرد والمنطق والبنية، ويخسر فيلمه في النهاية. الارتباك الذي يرافق الفيلم والممثلين والشخصيات يتحول إلى وحش يلتهم كل شيء ويفسد كل شيء. من المستحيل متابعة التقلبات والتحولات الغامضة في الفيلم، بينما الشخصيات يربكون بعضهم البعض. على الأقل هناك مناظر خلابة وصورة جميلة وألوان مفعمة بالحياة، كأن سيساكو يحيّي أفلام وونغ كار واي، أحد أعمدة الموجة السينمائية الثانية في هونغ كونغ. لكن هنا، يبدو سيساكو على بعد أميال من إتقان وونغ الجمالي وإلحاحه العاطفي.
يبدأ الفيلم بكلمة «لا»، تقولها آية (نينا ميلو) بعد أن ترفع طرحتها للتأكيد على عدم موافقتها على إتمام الزواج. ثم تقتحم الموسيقى الصورة، ونشاهد آيه تسير في ثقة في ليل المدينة. وسرعان ما نعرف أن هذه الشوارع هي شوارع حي «ليتل أفريكا» المعروف باسم «مدينة الشوكولا»، وهو جزء من مدينة غوانجو بجنوب الصين، حيث يستقر عدد كبير من المهاجرين الأفارقة.
تعمل آية في متجر شاي يملكه كاي (تشانغ هان)، رجل صيني يبلغ عمره 45 عامًا، مطلّق ولديه ابن في العشرين من عمره. في خصوصية الغرفة الخلفية للمتجر، يدعو كاي آيه إلى حفل الشاي الصيني. وبينما يعلمها هذا الفن القديم، تنمو علاقتهما ببطء، لتصبح علاقة حب رقيقة مبنية على العطاء. قصة الحب هذه تتعرج بقدر من الغموض، وفي النهاية يأخذ الفيلم منحى آخر تمامًا، مفاجئ في مكان ما، ولكنه يزيد من سوء الفيلم. في هذه المدينة يعيش الجميع في سلام سوريالي، لا وجود للحواجز اللغوية، حيث اللغات وألوان البشرة المختلفة تعيش في وئام متجاوز للواقع. ولكن سيساكو يلمح إلى أن هناك بعض التحيزات العنصرية.
تجري أحداث الفيلم تقريبًا بعيدًا عن ضوء النهاء، هذه الشوارع تبدو كأنها جنة معفاة من مشاكل العالم الحقيقي. ويعطي سيساكو فيلمه جرعة كبيرة من الشاي وطريقة تحضيره خلال حفل الشاي الصيني الشهير.
لا يبدو سيساكو مهتمًا كثيرًا بالزوايا السياسية على عكس أفلامه السابقة، لكن السطحية تظهر تدريجيًا في كتابة الشخصيات. كلما تقدم الفيلم كلما أصبح أكثر غموضًا وبنفس الوقت أكثر سخافة. من الصعب أن نتناغم مع جو الفيلم الشاعري، فكل شيء حاول سيساكو فعله جاء بنتيجة عكسية.
يبدو الفيلم كأنه تعليمي، جميع الشخصيات لديها حلول غير واقعية لمشاكل بعضهم البعض، ويتشاركون جميعًا النصائح التي تبدو كأنها خارجة من كتب المساعدة الذاتية. بفضل أساليب التدريس الغبية هذه، يشبه الفيلم في بعض الأحيان المسلسلات التلفزيونية الساذجة (Soap opera)، وهذا يتماشى مع روح الفيلم الذي يؤكد مرارًا وتكرارًا أن الجميع لديه قصة يريد سردها، مما يجعل الفيلم يعج بالشخصيات والقصص الثانوية. حيث تعلن الشخصيات دائمًا أن لديها سرًا كبيرًا عدة مرات، ولكن ما تعترف به عادة لا يكون شيئًا كبيرًا حقًا.
ليس هناك نقد للعنصرية، ولا تلميحات سياسية أو اجتماعية، كل شيء في الفيلم يبدو مسالمًا بطريقة غير معقولة، يبدو الفيلم كأنه خارج من أقبية مبنى الأمم المتحدة. نخرج من الفيلم بصور جميلة، تجعل كل شيء يبدو كالحلم، ولكن حتى هذه المشاهد ننساها بعد بضع دقائق، أو تتلاشى مع أسلوب سيساكو السردي المنوم، والذي يصعب فهم بطئه.
اقرأ أيضا: مخرج «بين الرمال»: البطل تخوف من التمثيل أمام المرأة أكثر من الذئب