فاصلة

مراجعات

«سودان يا غالي»… كيف يدفعك الانبهار بحدث إلى الفشل في قراءته؟

Reading Time: 3 minutes

في فيلمها الأحدث «سودان يا غالي»، تواصل المخرجة هند المؤدب جولاتها السينمائية بين البلدان، بعد عدة أفلام صورتها في المغرب ومصر وتونس وفرنسا، مواصلة التقاط موجتها المفضلة؛ تفاعل الفنانين مع الأحداث الكبرى في بلدانهم، بعدما نجحت في رصدها في أفلام من بينها «إلكترو شعبي» و«باريس ستالينغراد». وفي «سودان يا غالي» المعروض ضمن أسبوع المخرجين المؤلفين في الدورة 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، تمزج المؤدب بين رصد فترة الحلم الديموقراطي الموءود في السودان، وإبداعات وأحلام الفنانين المشاركين في الاحتجاج. 

تتتبع هند المؤدب في فيلمها عددًا من الفنانين السودانيين في الخرطوم أثناء اعتصامهم بعد سقوط البشير لإقامة الديمقراطية في السودان وحتى الانقلاب العسكري الذي حدث بعد ذلك. ويأتي فيلمها الخامس على غرار فيلمها السابق «باريس ستالينغراد» في اهتمامه بحال السودان، ولكن هذه المرة تذهب هي إلى السودان عوضًا عن تصوير اللاجئين السودانيين الفارين من أحداث دارفور العنصرية والنازحين إلى باريس والتي تسبب فيها ذات الرئيس الذي خلعه الشعب للتو.

 تذهب المؤدب إلى السودان في لحظة غاية الأهمية، فبفضل ثورة واصل فيها الشعب السوداني الاحتجاج على حكمه وجماعته، سقط البشير بعد 30 عامًا من الحكم، ولكن كعادة الثورات في بلدان الربيع العربي، نجحت الأقدام العسكرية الثقيلة في خنق أحلام أصحابها بمجتمعات حرة تحترم كرامة مواطنيها وحقهم في العيش الكريم. المحرك الأساسي للصراع في الفيلم هم المطالبون بقيام الديمقراطية وتطبيق المدنية من الشباب الثوريين السودانيين الآتين من مدن، عديدة بعضها داخل السودان وبعضها خارجه (بعضهم عاد من الخارج بعد الثورة أملًا في المشاركة ببناء وطن جديد). عاش هؤلاء الشباب لسنوات طويلة محرومين من التعبير عن رأيهم وعن حقهم في أن تكون بلادهم مساحة آمنة لهم ولأحلامهم. 

تصور المؤدب عددًا من هؤلاء الشباب والشابات، بينما يلقون الأشعار أو يغنون الراب أو يرقصون أو يرسمون جداريات الغرافيتي في الشوارع، كما تصور معهم لقاءات يسجلون فيها رأيهم فيما يشهده السودان. تبدو هند مهتمة بثلاثة عناصر أساسية في الفيلم، تركيزها على نساء الثورة وشاباتها الرائعات والجانب النسوي لمشاركتهن في الثورة، وعلى الأشكال الفنية البصرية والأدبية الموجودة في الاعتصام، وعلى التصوير في الليل، والأخير هو ما يمنح الفيلم بعضًا من خصوصيته، إذ يأتي التصوير الليلي بجماليات خاصة تتعلق بالأنوار الخافتة المستخدمة في الاعتصامات التي دأبت السلطات على قطع الخدمات عنها. ذلك الضوء الخافت ينقل الأجواء الحقيقية التي عايشها هؤلاء الفنانون، ويمنح الفيلم شاعرية خاصة. 

مشهد من فيلم سودان يا غالي
مشهد من فيلم سودان يا غالي

أعتقد أن كل ما أقوله يبدو نظريًا على الورق مدخلًا لفيلم وثائقي مميز، لكن في الحقيقة أن فيلم المؤدب يفشل في إحداث تأثير ملموس، خاصة بالنسبة لمشاهد عربي، لماذا؟ ببساطة لأن هذا الفيلم شاهده العالم العربي مئات المرات بحلول عامنا هذا، ومضى وقت طويل على الأحداث التي تظهر فيه، وبالتالي فهي بشكل ما، مكررة إلى حد بعيد. يمكنك أن تجد في كل بلد عربي تقريبًا فيلمًا واحدًا على الأقل يشبه ذلك الفيلم بالضبط، يتتبع أحداث مشابهة ويصور المشاركين بها والذين تأثروا ببعضهم إلى حد كبير فأتي كلامهم واحدًا. يجب الإشارة هنا أيضًا أن الفيلم وعلى رغم من تكراره للمشاهد العربي، إلا إنه قد يلعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على مأساة كبيرة صامتة، يتجاهلها الإعلام العربي والعالمي بشكل كبير، ويشهدها السودان منذ بدء الاحتراب بين جناحي المكون العسكري فيه في إبريل 2023. 

الأمر الثاني الذي يُفقِد الفيلم تأثيره، وهو أمر يتعلق بصناعة الفيلم نفسه، فالفيلم يركز على توثيق  الفنون التي شهدها الاعتصام، من دون التركيز على شخصيات يمكن للمشاهد الارتباط بها والتوحد معها، وأعتقد أن فيلم محمد الصباحي «مدنية»، المعروض حديثًا في شيفيلد دوكس والمشابه في موضوعه لـ«سودان يا غالي» ينجح في إحداث تأثير أكبر بكثير لتركيزه على شخصيات متنوعة الخلفيات وقليلة في العدد، ما يجعل المشاهد يتوحد مع أحلامهم الشخصية وليس مع الحدث في حد ذاته كما في فيلم هند المؤدب. 

مشهد من فيلم سودان يا غالي
مشهد من فيلم سودان يا غالي

 تبدو مخرجة الفيلم مفتونة بالموضوع والفنون والثورة إلى حد أعجزها عن رؤية الأمور بتعقيداتها، فبينما نجحت في تصوير فيلم جميل على مستوى الشكل، فإنها لم تنجح في أن تجعله يتجاوز أن يكون مجرد مدخل بسيط لقضية كبيرة وشائكة يصلح للمشاهدة على شاشة إحدى القنوات الإخبارية أو الوثائقية.

اقرأ أيضا: «ماريا»… أنجيلينا جولي في أوبرا تراجيدية تطارد أسد فينسيا الذهبي

شارك هذا المنشور