فاصلة

مراجعات

«سنو وايت»… عندما يصبح العالم ساحرة شريرة

Reading Time: 4 minutes

مُنذ قدم الأخوان جريم القصة الشهيرة «سنو وايت»، في كتابهما الذي ضم العديد من القصص الخيالية، تعددت المعالجات التي تناولت حكاية الأميرة «بياض الثلج» كما تُرجمت للعربية، الفتاة الجميلة التي تحقد عليها زوجة أبيها الشريرة التي تجيد فنون السحر الأسود فتضطر للهرب إلى الغابة حيث تقابل سبعة من قصار القامة تعيش معهم في سلام، حتى تجدها الساحرة وتجعلها تقع في سبات لا تصحو منه إلا عندما يجدها الأمير الذي يحبها.

في الحقيقة لا يمكن إحصاء القصص الخيالية التي يبحث فيها أمير عن الحب، وتبحث فيه الجميلة عن من ينقذها من مأساة ما: سندريلا والأميرة النائمة وسنو وايت، وحتى أميرة فيلم «شريك» (Shrek).

لكن المعالجة التي قدمتها المخرجة تغريد أبو الحسن في أول أفلامها الطويلة «سنو وايت» تختلف عن تلك المعالجات السابقة. إيمان (مريم شريف) امرأة عادية، تعمل في وظيفة حكومية روتينية، وتعاني من كونها قصيرة القامة. هذا المعاناة تبدأ منذ ركوبها الحافلة للذهاب إلى عملها ولا تنتهي بالنظرة المُدينة من خطيب شقيقتها، والذي يخشى أن يكون قصر قامتها شيئًا وراثيًا يصيب ذريته. وفي خلال هذه المنغصات الممتدة، تبحث إيمان عن الحب والزواج عبر موقع للتواصل، دون أن تعلن عن شكلها الحقيقي.

فيلم (سنو وايت- 2024)
فيلم (سنو وايت- 2024)

عالم ليس لها

يبدأ الفيلم بعدة مشاهد صامتة متتالية، نتابع فيها إيمان (مريم شريف) في رحلة ذهابها لعملها، وما تضطر لخوضه خلال تلك الرحلة اليومية، ليتسرب إلينا من خلال تلك المشاهد إدراكٌ لحجم معاناتها. تؤكد المخرجة على هذا الشعور باستخدام أكثر من طريقة، أبرزها تصوير إيمان من زاوية مرتفعة وهي تقف أمام السلم، بعد أن فشلت في ركوب المصعد، فتبدو هي صغيرة الحجم أمام السلم الذي لا يمثل تحديًا جسديًا فقط في مشوراها اليومي، بل نفسيًا أيضًا، كونها تشعر أنها مضطرة لصعوده لأن لا أحد يهتم بدورها في الدخول إلى المصعد.

فيلم (سنو وايت- 2024)
فيلم (سنو وايت- 2024)

تُلخص المخرجة تغريد أبو الحسن النظرة والمعاملة التي يحملها المجتمع لقصار القامة، من خلال تتابع البداية هذا، ثم لا تتطرق إلى هذا الأمر كثيرًا، إذ أن ما تود الحديث عنه ليس فقط ما يمكن أن يُدركه البعض، من التنمر أو عدم وجود أماكن مُعدة لقصار القامة، ولكن الأهم هو العبء النفسي الذي تحمله الشخصية نتيجة هذا العالم. وهكذا كان الاختيار الأول هو عدم تحويل الفيلم إلى مأساة مبالغ فيها، تستجدي تعاطف المشاهدين وتدفعهم للبكاء دفعًا.

قدمت المخرجة بطلتها إيمان في عملها بصورة مختلفة، فداخل مكتبها لا ينظر إليها زملائها بنظرة دونية، ولكن يعاملونها بطريقة طبيعية، في الأمور الصالحة والطالحة، فمشكلتها الرئيسية داخل العمل كانت تتعلق بعدم قدرتها على الحصول على سلفة وذلك لتضييقات إدارية وليس لكونها قصيرة القامة.

فيلم (سنو وايت- 2024)
فيلم (سنو وايت- 2024)

من خلال هذا، وخلال مدة الفيلم نجد أن المخرجة، وهي كاتبة السيناريو أيضًا، منحتنا نظرة قريبة عن شخصية البطلة وعالمها المحيط، لتفسح المجال فيما تبقى من مدة الفيلم لسنو وايت التي تبحث عن الأمير.

إيمان شخصية شديدة اللطف، وتحمل مسؤولية بيتها وشقيقتها بعد وفاة أبويها بلا كلل أو تذمر. شقيقتها على وشك الزواج وبالتالي لديها احتياجات مادية. هكذا تجد إيمان نفسها تحمل عبئًا ماديًا كبيرًا، بجانب العبء النفسي الذي يزداد في بحثها عن شخص يحبها دون أن ينظر لقصر قامتها كعيب. وبينما كانت سنو وايت تعاني من كراهية الملكة الشريرة لها، فإن هذا الفيلم لا يقدم لنا البطل الضد (شرير الفيلم) يف صورة الساحرة أو زوجة الاب، بل يصبح العالم هو من يطارد البطلة ويحاصرها ويحرمها مما تحب، العالم هنا هو الساحرة الشريرة.

قليل من الاختزال، كثير من الإطناب

من أفضل ما قدمه الفيلم في بدايته هو الاختزال، فبجانب ما ذكرناه عن الدخول في تفاصيل الشخصية سريعًا من خلال المشاهد المتتالية الصامتة، فإن السيناريو لا يتوقف بالشرح المفصل عند شخصياته؛ بل يجعلنا نكمل الاستنتاجات بأنفسنا. فنحن لا ندري الكثير عن قصة الحب بين شقيقتها (نهال كمال) وخطيبها (محمد جمعة)، بل نشاهد فقط مجيء أسرة الأخير لطلب يد الأولى، فندرك خلال المشهد وجود قصة حب بينهما. كذلك نجد عمي إيمان هما من يشهدان على هذه الخطبة، لنستنتج أنها يتيمة الأب والأم، وحتى عميها لا يحملان عنها أية مسؤولية.

هذا الاختزال الجيد يقابله إطناب وتكرار غير جيد على الإطلاق في مشاهد بعينها، وربما كان هذا هو أحد أبرز عيوب الفيلم. إذ نتعرف في الفصل الأول على أزمة الشخصية النفسية في بحثها عن الحب، والمادية في بحثها عن النقود لمساعدة أختها. من بعد هذا ندخل في رحلة غير قصيرة من تكرار المشاهد وحتى الحوارات بين وبين حبيبها الذي تحدثه عبر الإنترنت (محمد ممدوح)، في كل مرة يطلب رؤيتها وهي تسأله عما سيحدث إن وجدها لا تشبه المرأة التي في خياله. وعلى الجانب الآخر هناك تكرار أيضًا في مشاهد أخت إيمان وهي تسألها عما فعلته في شراء الثلاجة التي تنتظرها. جعل هذا التكرار الفصل الثاني أضعف نسبيًا من سابقه وتاليه، وربما كان يمكن إعادة النظر في بعض هذه المشاهد في المونتاج، خاصة والفيلم قائم بالكامل على شخصية واحدة وبالتالي لم يكن هناك خطوط أخرى تخفف من وقع هذا الطول الملموس لهذا الفصل.

فيلم (سنو وايت- 2024)
فيلم (سنو وايت- 2024)

لكن الفيلم يعود إلى مستوى أفضل في الفصل الأخير والذي شكل التحدي الأكبر لدى المخرجة. منذ البداية تحاول صانعة الفيلم الخروج من النظرة المعتادة أو الشكل المتوقع لفيلم عن شخصية قصيرة القامة، بالتأكيد توقفت عند الألم النفسي لتعامل كثير من الشخصيات لها، بما فيها أقرب الناس إليها؛ ولكنها اهتمت أيضًا بالتأكيد على أنها شخصية تمارس حياتها اليومية الطبيعية، وتبحث عن أبسط حقوقها مثل أي إنسان آخر، وفي هذا كسر للصورة النمطية المؤسفة التي شاهدناها في الكثير من الأفلام المصرية السابقة التي وظفت قصار القامة كمادة للتندر.

تأتي نهاية الفيلم بشكل ملائم جدًا لطبيعة الأحداث مع ميل واضح للمنطق والواقع، أكثر من الجنوح للنهايات الحالمة في القصص الخيالية، وهو بطبيعة الحال الأمر المناسب عندما نضع سنو وايت في عالم واقعي. 

ولا يمكن إنهاء هذه السطور دون الإشادة بالمجهود الذي بذلته الفنانة مريم شريف التي أدت دور إيمان لإتقان شخصيتها، إذ كان أفضل ما قدمته هو الصدق الذي يمتلئ به وجهها في مشاهد الفيلم، ورغم بعد الانتقالات في المشاعر التي جاءت بشكل حاد بعض الشيء أحيانًا، فإنها قدمت الكثير جدًا من المشاعر في دور ليس سهلًا على الإطلاق.

فيلم «سنو وايت» هو تجربة سينمائية مختلفة وجريئة تحسب لمخرجتها، خاصة وهو عملها الطويل الأول، وقد اختارت الخروج للشارع والتصوير في الكثير من الأماكن الخارجية لتنقل لنا أكبر قدر من مشاعر الشخصية.

اقرأ أيضا: «ميرا ميرا ميرا».. فيلم قصير عن ضياع المعجم التعبيري

شارك هذا المنشور