فاصلة

مراجعات

«سلمى وقمر»… من منهما أضاء الآخر؟

Reading Time: 3 minutes

لا زال صناع السينما السعوديين يستكشفون جوانب مختلفة من المجتمع السعودي، سواء في حاضره أو ماضيه، متخذين من الكاميرا وسيلة لاستكشاف وتوثيق هذا المجتمع الثري في تنوعه واختلافاته الثقافية والاجتماعية والذي يمنح الكثير مما يمكن تقديمه على شاشة السينما، وهو الطريق الذي اتبعته المخرجة عهد كامل في فيلمها الطويل الأول «سلمى وقمر»، الذي تقدم فيه ما يشبه سيرة ذاتية مختصرة عن علاقتها بسائقها السوداني الذي كان يعمل لدى أسرتها منذ طفولتها وحتى صباها. والسائق الخاص مهنة موجودة بشكل كبير داخل المملكة، خاصة في الماضي القريب عندما كانت النساء ممنوعات من القيادة. هكذا يبدو أن الفيلم يقترب من ملمح مهم في المجتمع السعودي، ولكن إلى أي حد نجحت المخرجة في تقديم فكرتها على الشاشة؟

تتابع أحداث الفيلم سلمى، تلعب دورها في مرحلة الطفولة تارا الحكيم، وفي المراهقة رولا دخيل الله، الفتاة الذكية المتمردة، والتي تتمتع بعلاقة وثيقة مع والدها الثري كثير السفر (قصي خضر)، وعلاقة شديدة التوتر مع والدتها (رنا علم الدين). تبدأ الأحداث مع طفولة سلمى لكننا ننتقل سريعًا إلى مراهقتها وما يختلط بهذه المرحلة من مشاعر متضاربة وبدايات قصص الحب، وفي كل هذا يصاحبها سائقها السوداني الوفي قمر (مصطفى شحاتة)، الذي يعاملها كابنته وتعتبره بمثابة أب ثاني لها.

سلمى وقمر
فيلم (سلمى وقمر- 2024)

كتبت عهد كامل شخصية سلمى بإخلاص كبير لمرحلة المراهقة وما يحيط بها، فنشاهد سلمى تكتشف تغيرات جسمها وتقلبات عواطفها، ليس فقط تجاه حبيبها المستجد، ولكن تجاه أصدقائها أيضًا. لم تنس المؤلفة أيضًا أن تقف عند ما تمر به المراهقات من تمرد على الأبوين وتفضيل أحدهما على الآخر. وقد كانت رولا دخيل الله على قدر المسؤولية في إيصال مشاعر الشخصية بسلاسة في جميع المواقف، خاصة مع حفاظها على ابتسامة بريئة دائمًا تمزج بين بقايا الطفولة وبدايات النضج.

تختار المخرجة مرحلة نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة لتكون زمنًا للأحداث، وفي هذا دلالات كثيرة. بداية من كون فكرة تعلم فتاة قيادة السيارات -في وقت كانت المرأة ممنوعة من ذلك داخل المملكة-، مغامرة تستلزم شجاعة وإلحاحًا من طرف سلمى، وثقة كبيرة من طرف سائقها قمر. لكن الأفضل هنا هو أن الانتقال بالزمن لم يكن مفروضًا في كل التفاصيل، بل كان يظهر بشكل تلقائي ومؤثر في الأحداث، والمثال الأبرز استخدام أشرطة الكاسيت لتسجيل الرسائل الصوتية بين الشخصيات.

هذه الجاذبية في صناعة شخصية وتفاصيل سلمى، لم تمتد للأسف لبقية شخصيات الفيلم.

فيلم (سلمى وقمر- 2024)
فيلم (سلمى وقمر- 2024)

يحمل الفيلم عنوان «سلمى وقمر»، أي أن عتبته تشير بشكل واضح إلى أن قمر يتشارك البطولة في مع سلمى، وربما كان هذا الحال نظريًا من حيث عدد المشاهد، ولكن ليس من حيث تفاصيل الشخصية. 

كان أمام الفيلم فرصة ذهبية ليدخل بشكل أكبر إلى تفاصيل شخصية العامل السوداني البسيط الذي يوفر «القروش» على حد تعبيره من أجل أسرته، ويعيش على الحد الفاصل بين أن يعتبر نفسه ولي أمرٍ لسلمى، وبين حقيقة أنه لا زال سائقها. عكس التفاصيل التي مُنحت لسلمى، نجد أن ما نشاهده ونعرفه عن قمر هو القليل جدًا، نعرف أن لديه زوجة وطفلة في السودان، يراسلهما بشرائط الكاسيت ويقرر أن ينقطع عن السفر لهما لرعاية سلمى. هذا التحول في شخصية قمر من مجرد شخص يقوم بوظيفته لشخص يشعر بمسؤولية حقيقية، ومن ارتباطه بأسرته إلى قراره عدم السفر للبقاء مع سلمى، كان يحتاج إلى دخول أكبر في عمق الشخصية، ومساحة لينقل لنا إحساسه أكبر من مجرد مشهد وحيد وهو يتحدث عن قراره بعدم السفر، فكانت النتيجة أن قمر كان شخصية رد فعل في أغلب الأحيان. رغم هذا بذل مصطفى شحاتة (تعرفنا عليه في فيلم ستموت في العشرين) جهدًا كبيرًا ليحاول نقل مشاعر الشخصية.

ما أصاب قمر سنجده لدى بقية الشخصيات بشكل أكبر، وخاصة شخصيتي الأب والأم، إذ بدا كلاهما أحادي البعد تمامًا، على الأقل حتى الفصل الأخير بالنسبة لشخصية الأم. فالأب مُتعاون ومُحب على طول الخط، والأم جافة وقاسية على طول الخط أيضًا بشكل يبدو «مكتوبًا» أكثر مما يجعله قابلًا للتصديق.

يذكرنا الفيلم بـ«سواق الهانم» (1993) إخراج حسن إبراهيم، الذي تابع أيضًا العلاقة بين فتاة مرفهة من عائلة شديدة الثراء وسائقها الذي يأتي من طبقة اجتماعية أقل منها بكثير، ولكنهما يقعان في الحب. ولكن بينما ركز الأخير على الشخصيات المختلفة المحيطة بالبطلين، واستعرض خلال مدته الاختلافات الطبقية داخل المجتمع المصري -حتى وإن كان لم يفعل ذلك بالشكل الأمثل- نجد أن «سلمى وقمر» رغم محاولته لتناول زاوية مميزة داخل المجتمع السعودي، فإنه انجرف بالأكثر وراء شخصية سلمى مما جعل المحصلة النهائية أقل مما مهد له الفيلم في البداية.

اقرأ أيضا: «سلمى وقمر»… شعرية حضور الآخر في السينما السعودية

شارك هذا المنشور