فاصلة

مقالات

سبايك لي: لن ينجح صانع الأفلام حتى يدرك أن السينما عمل جماعي

Reading Time: 4 minutes

مخرج شغوف بالسينما عاشق لصناعها ومبدعيها، على استعداد للذهاب إلى أقاصي الأرض لإرضاء شغفه، استضافته المملكة العربية السعودية ليترأس لجنة تحكيم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الرابعة التي انهت فعالياتها منذ أيام.

في لقاء تابعته فاصلة، أعرب المخرج الأمريكي الذي حازت أفلامه على خمس جوائز أوسكار من بينها أفضل مخرج وأفضل فيلم، أعرب عن سعادته الكبيرة بالتجربة التي اتاحت له فرصة مشاهدة أفلام صناع السينما في المنطقة العربية.

وقال إنه على امتداد سنوات عمره التي وصلت 67 عامًا، تعلم أن مشاهدة أفلام من بلدان مختلفة أمر رائع، فالأمريكي الذي لا يسافر، يرى العالم من اتجاه واحد فقط، لذا يعتبر عمله بصناعة الأفلام نعمة كبيرة لأنه اتاح له الفرصة للسفر حول العالم، وفتح عينيه على حقيقة أن هوليوود ليست كل العالم، وأن هناك أناس آخرون يريدون رواية حكاياتهم القيمة بطريقتهم ولغاتهم وثقافاتهم الخاصة.  

حظي سبايك لي بفرصة قيادة أول فريق تصوير فيلم سينمائي يدخل إلى مكة المكرمة أثناء العمل على فيلمه الحائز على ترشيحين للأوسكار «مالكوم أكس – Malcolm X» في عام 1991، ويقول «أعتبر التواجد في جدة للمرة الثالثة نعمة من الله، المرة الأولى كانت مع فريق فيلم مالكوم أكس، انتظرت في جدة لمدة أسبوعين للحصول على تصريح يسمح لنا بالتصوير في مكة خلال موسم الحج، واستعنت بفريق تصوير مسلم لإتمام المهمة وكنا أول فريق تصوير فيلم يدخل إلى مكة على الإطلاق».

سبايك ل
Malcolm X (1991)

وأضاف خلال لقائه بجمهور مهرجان البحر الأحمر في دورته الرابعة، أن فيلم «مالكوم أكس» كاد أن يقتله، حيث واجه الكثير من الصعوبات أثناء العمل عليه، وكانت أكبر عقبة هي التصوير في المملكة العربية السعودية ليس فقط بسبب تصاريح التصوير؛ ولكن بسبب رفض شركة وارنر براذرز منتجة الفيلم تمويل التصوير في السعودية، مشيرا إلى أنهم طلبوا منه التصوير على شواطئ جيرسي في يناير بدلا من مكة، وهو ما رفضه تماما، فأوقفت وارنر برذرز إنتاج الفيلم بعد أن أنفق عليه مليون دولار من ماله الخاص بالإضافة إلى نصف أجره.

وأكد أنه ظل محبطًا أكثر من شهر، إلى أن تذكر أن لديه الكثير من الأصدقاء المشاهير ذوي الأصول الأفريقية ممكن لديهم مال كاف لاستكمال تمويل الفيلم، فقرر اللجوء إليهم لطلب المساعدة بهبات مالية في إنتاج الفيلم، وكان من بينهم بيل كوسبي وجانيت جاكسون وبرنس وتريسي تشابمان وماجيك جاكسون ومايكل جوردان، مشيرا إلى أن شركة النتاج أعادت العمل على إنتاج الفيلم بعد أن جمع التمويل اللازم من أصدقائه الذين لولاهم ما كان الفيلم خرج للنور.

سبايك لي
Malcolm X (1991)

شكل سبايك لي ثنائيا ناجحا مع النجم الأمريكي دينزل واشنطن، بداية من «Mo Better Blues» في عام 1990، ثم «مالكوم إكس» الذي بدأ عرضه في عام 1992، ومنح دينزل واشنطن دب مهرجان برلين الفضي لأفضل ممثل، و«He Got Game» في 1998، و«Inside Man» في عام 2006، بينما تستعد صالات السينما لاستقبال فيلمهما الخامس «Highest 2 Lowest» في صيف 2025.

أشار لي إلى أن الفيلم حاليا في مراحل ما بعد الإنتاج، وأنه يسعد دائما بالعمل مع واشنطن لأنه «ممثل رائع لا يضاهيه أحد»، متنبئًا له بالفوز بترشيح لجائزة الأوسكار هذا العام عن دوره في الجزء الثاني من فيلم «Gladiator II»، ومؤكدًا على الصداقة والترابط العائلي الكبير الذي يجمعهما منذ سنوات طويلة.

«من أعلى قمة إلى أسفل قاع – Highest 2 Lowest» هو إعادة قراءة – على حد تعبير سبايك لي- لفيلم الإثارة والجريمة «الذروة والقاع – High and Low» للمخرج الياباني الشهير أكيرا كوروساوا، الذي كان له التأثير الأكبر على مسيرته الفنية ويقول: «من أفضل الأشياء التي حدثت لي أثناء الدراسة في مدرسة السينما هي أني تعرفت على سينما كوروساوا والطرق المختلفة في بناء القصة وتأثرت بها منذ بداية عملي في عالم السينما»، مثل فيلم «راشومون – Rashomon» الذي يتناول حدث واحد لاغتصاب سيدة بثلاث روايات مختلفة يطرحها الأشخاص الذى شهدوا الحدث، وهو ما تأثر به سبايك لي في فيلمه «She’s Gotta Have It» إنتاج 1986 عن شخصية نولا وعشاقها الثلاثة والرؤي المختلفة لكل منهم عن طبيعة علاقته بها. 

سبايك لي
Rashomon (1950)

أكد لي أنه يعتبر نفسه محظوظًا بالعمل في السينما، وكلما تقدم به العمر يفهم أكثر أن قدره أن يكون صانع أفلام و«هي نعمة كبيرة في الحياة عندما يكون الانسان قادرًا على كسب عيشه من العمل في الشيء الذي يحبه، ولكن في الوقت نفسه لا بد من الاجتهاد والجدية وعدم التعامل مع هذه النعمة على أنها مسلم بها».

وأضاف أنه يعمل بتدريس السينما منذ أكثر من 30 عاما، ويحرص دائما على إلقاء خطبة طويلة لطلابه في أول يوم دراسي ينبههم فيها إلى أن صانع الأفلام لا بد أن يلتزم بالجدية والاهتمام في العمل لا يستسهل ولا يغش، فصناعة الأفلام ليست مزحة أنه عمل جاد جدا، ويقول «إذا لم تكن جادا فانت تصعب الأمور على نفسك، يجب أن تمنح حياتك للسينما، ولا اعتبرها مبالغة إذا قلت يجب أن تمنح كيانك كله للسينما وكأن حياتك نفسها تعتمد عليها، تضع قصصك وأفكارك على الشاشة وتشاركها مع العالم، وهذا ليس أمرا سهلا ولا يجب أن تستلم أمام الصعوبات».

25th Hour (2002)
25th Hour (2002)

وأضاف لي أن صانع الأفلام أيضا لا يعمل منفردا لابد أن يحيط نفسه بفريق وزملاء متميزين، فهو لن يحقق النجاح وحده، قائلا «كنت محظوظا جدا عندما دخلت جامعة نيويورك، والتقيت بالعظيم إرنست آر. ديكرسون، كنا نشبه بعضنا البعض فهو درس في جامعة هوارد قبل مدرسة السينما وأنا كنت في مورهاوس في إطلنطا جورجيا، وكنا الأقلية من ذوي البشرة السمراء في الجامعة ومدرسة السينما، ومنذ البداية قررنا أن نحقق النجاح معا، فقام هو بتصوير كل أفلامي أثناء الدراسة في الجامعة وحصل أحد أفلامنا على جائزة اكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة للطلبة».

وأكد سبايك لي على أن السينما عمل جماعي، وأن النظام والفريق الجيد والأجواء الطيبة في موقع التصوير هي التي تصنع فيلما جيدا، ويشرح: «المخرج يجب أن يدرس العمل جيدا ويعرف ما الذي يريده بالتحديد حتى لا يرهق الفريق، لا بد أن يحضر فريق العمل لموقع التصوير بارتياح حتى يقدموا أفضل ما لديهم فهذا ما يضمن النجاح».

اقرأ أيضا: سبايك لي… الأميركي الغاضب

شارك هذا المنشور