فاصلة

مراجعات

«رجل مختلف»… تعلَّم أن تتقبل نفسك بالطريقة الصعبة

Reading Time: 3 minutes

في فيلم المخرج الأمريكي آرون شيمبيرج المعنون “رجل مختلف A different man”، يبدو كما لو أننا في عالم سينمائي يلتقي فيه “تشارلي كوفمان” و”ديفيد لينش”، مزيج من الدراما والسخرية والغرائبية، وقصة يعاد تركيبها… وجوه تُنزَع وأقنعة تُرتَدى. 

لكن هل نجح الفيلم الذي يتم عرضه ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين في دورته 74 وينافس على الدب الذهبي، في أن صنع طابعه الخاص، رغم كل هذا التأثر بأعمال صناع سينما آخرين؟ وهل يمكننا أن نكتب بعد بضع سنوات عن عالم آرون شيمبيرج السينمائي الخاص؟ 

سباستيان ستان وآدم بيرسون

رؤيتك للعالم من خلال نفسك 

يبدو كما ولو أن الفيلم مبني بالأساس على فكرة شهيرة في علم النفس، وهي أن رؤيتنا للعالم وثيقة الصلة بطريقة رؤيتنا لأنفسنا، نظرية آرون بيك الشهيرة لتفسير مرض الاكتئاب مثلًا، تخبرنا أن مريض الاكتئاب لديه نظرة سلبية للعالم وللمستقبل، نابعة بالأساس من نظرته السلبية لنفسه. 

يمكن تفهم هذه الفكرة ببساطة، لكن آرون شيمبيرج يحاولها اختبارها هنا بالطريقة الصعبة، من خلال اصطحابنا لنرى العالم بعيني “إدوارد” الرجل الذي يعاني من مرض “neurofibromatosis – الورم العصبي الليفي”، مرض يجعله شبيهًا بـ”الرجل الفيل” بطل فيلم “ديفيد لينش” الشهير. 

كيف تطلب مني أن أرى نفسي والعالم بطريقة إيجابية إن كنت مجبر على الظهور بملامح مختلفة يراها غالبية البشر “مشوهة”؟!

الفكرة هنا يتم قلبها على رأسها، يصطحبنا شيمبيرج في الفصل الأول من الفيلم لنختبر حياة “إدوارد” الذي يحاول أن يحصل على وظيفة كممثل، فلا يتم اختياره إلا في إعلان توعوي عن كيفية التعامل مع زملاء العمل الذين يعانون من تشوهات. يبدو “إدوارد” متوترًا وقلقًا وشديد الوعي بكيفية رؤية الآخرين له، حتى يلتقى بجارته “إنجريد” الجميلة للغاية، تتطور صداقة بينهما حتى يحاول “إدوارد” في مرة أن يبادر بإيماءة رومانسية، فتتركه “إنجريد” في نفس اللحظة. 

حينما يُعرض عليه علاج جديد يمكنه أن يغير ملامح الوجه بالكامل، يوافق من دون تردد، ففي هذه اللحظة يبدو منطقيًّا للغاية أن يظن أن تغيير حياته وعالمه يرتبطان بشكل مباشر بتغيير وجهه. 

رجل مختلف

الجميلة والرجل الآخر 

لا يتغير وجه “إدوارد” في الفصل الثاني من الفيلم بشكل سهل، الأمر مؤلم ومزعج حتى أثناء المشاهدة، تتساقط ملامحه القديمة ويضطر لنزع اللحم والجلد في بعض المشاهد، يبدأ العالم الجديد بملامح جديدة، ملامح رجل يراها العالم جذابة، عمل جديد وعلاقات جنسية سهلة وزملاء عمل جدد، وقبل كل هذه هوية مختلفة واسم جديد. 

يرتطم بطلنا بهويته الجديدة بإعلان عن تجارب أداء لمسرحية تحمل اسم “إدوارد” وتحاول من خلالها جارته القديمة (إنجريد) أن تروي حكايته بشكل مسرحي. يبدو حينها الدور الذي بحث عنه إدوارد طوال حياته، كما لو أنه قد أتى متأخرًا قليلًا، فوجهه الذي قرر أن ينتزعه هو ما يجعله مناسبًا لهذا الدور.

حينها يظهر “أوزوالد”، رجل آخر يعاني من نفس المرض ونفس الملامح المختلفة التي ميزت وجه إدوارد القديم، لكنه يملك طاقة مختلفة تمامًا ورؤية مختلفة له ولعالمه يتحول الفيلم لرحلة قطار أفعواني مليئة بالالتواءات والمفاجأت تذكرنا بعالم “تشارلي كوفمان”. 

يبدو أن الجميلة قادرة على حب الوحش، يتم محو وصف الوحش تمامًا كما غير شيمبيرج اسم فيلمه، مقارنة باسم فيلم “ديفيد لينش” الشهير، فالوحش ليس وحشًا، والرجل الفيل ليس فيلًا، هو فقط رجل مختلف. 

عالم “آرون شيمبرج”

يبدو من المبكر أن نصف آرون شيمبيرج بأنه مخرج صاحب عالم خاص، لكن ملامح هذا العالم تبدو في طي التشكل، شيمبيرج هنا في فيلمه الروائي الطويل الثالث – بعد فيلمين سابقين بميزانية صغيرة- يعد بالكثير، ويفي بمعظم هذه الوعود.

يدير شيمبيرج ممثليه في أداء يجمع بين لحظات من التلقائية ولحظات من المبالغة، يقدم لنا ممثلًا مميزًا صاحب ملامح مختلفة وهو “آدم بيرسون” الذي يتعاون معه هنا للمرة الثانية، وهي بالتأكيد ليست الأخيرة. يبدو فهم شيمبيرج لتضمين ممثلين بملامح وهيئات وأعراق وأشكال مختلفة في السينما أصيلًا وغير مفتعل، في زمن يحاول فيه كثيرون صنع ذلك بأكثر الطرق افتعاًلا. 

يبدو سيباستيان ستان، الممثل القادم من أفلام هوليوودية تجارية ضخمة هنا مختلفًا أيضًا تحت إدارة شيمبيرج، أقل كلشيهية وأكثر غرابة، والغرابة في فيلم من هذا النوع وصف إيجابي. حتى ريناتي رينسيف التي أصبحت مؤخرًا وجهًا جميلًا مألوفًا في الأفلام الأوروبية، تنتقل هنا انتقالًا مثيرًا للاهتمام في فيلم أمريكي، وتؤدي شخصية تملك تحولها الخاص؛ حتى لو لم يعنِ هذا أن تغيِّر ملامح وجهها. 

رجل مختلف

يملك شيمبيرج أيضًا ميلًا لتقديم لحظات من الرعب، وكسرها بغرابة تضفي سخرية قاتمة، يبدو متأثرًا بشكل واضح بسينما وودي آلن. هو أيضًا قادم من نيويورك مدينة آلن المحببة، لكن عالم شيمبيرج يبدو أكثر غرابة، أكثر اقترابًا من الدراما السيكولوجية، والأكيد أنه هنا، حتى في الفصل الأخير الذي يبدو كمحاولة لتقديم نهايات متعددة، يقدم فيلمًا جديرًا بالتحليل والمناقشة، وينبئ بمخرج سيتطلع محبو السينما لمتابعة سينماه المختلفة فيما هو قادم من سنين. 

أما في برلين ورغم أنه من المبكر توقع الجوائز لكن آدم بيرسون سينافس على أحد جوائز التمثيل بكل تأكيد.

اقرأ أيضا: 10 ترشيحات للمشاهدة في مهرجان برلين 2024

شارك هذا المنشور