فيلم اجتمع لبطولته عدد من النجوم، لكل منهم قاعدة واسعة من المحبين، جماهيريًا ونقديًا، يصل أخيرًا على قاعات السينما بعد شهور من تأجيل عرضه.
الفيلم الأمريكي «راكبو الدراجات النارية The Bikeriders» من كتابة وإخراج جيف نيكولز، المقتبس عن كتاب للصحفي داني ليون، الذي رافق عصابة للدراجات النارية في بداية تشكل تلك العصابات في ستينيات القرن الماضي في شيكاغو في محاولة لتوثيق نمط حياتهم وأسباب تكوين العصابة وطريقة انتشارها في الولايات المجاورة، وإن لم يحظ كتابه بنفس القدر من النجاح والشهرة التي حققها رائد صحافة الجونزو هانتر طومسون، والذي نقله الفيلم الناجح «الخوف والكراهية في لاس فيجاس Fear and loathing in Las Vegas».
الفيلم الذي يقود بطولته نخبة من الممثلين الموهوبين على رأسهم توم هاردي واوستن باتلر وجودي كومر ومايكل شانون، حقق منذ طرحه في دور العرض السعودية والعالمية حتى الآن أكثر من 13 مليون دولار، في أول عطلة أسبوع من إصداره.
حيلة سردية بسيطة
أعتقد أن الكتاب المنقول عنه الفيلم كان يوفر مادة أدبية ممتازة للاقتباس، على الرغم من أن عصابات الدراجات النارية لا تشكل موضوعًا دارجًا في السينما الأمريكية في السنوات الأخيرة. التحدي الحقيقي كان يكمن في تحويل كتاب توثيقي إلى فيلم قصصي، لتحقيق ذلك، لجأ نيكولز إلى أبسط الحيل الدرامية وأكثرها سهولة، ألا وهي الاستعانة بصوت الراوي لتسريع الأحداث وإضفاء جو سردي ممتع. لكن هذه الحيلة لم تمكنه من حل كثير من المشاكل السردية المشاكل اتضحت بشكل مبكر وتضخمت مع مرور الوقت، لعل أكبرها كان أن الفيلم لم يتعمق في شخصياته إطلاقًا، وأعضاء العصابة لم يتخطوا كونهم رجالًا يحبون ركوب الدراجات.
قد تكون تلك مشكلة في الكتاب نفسه، لكن مما لا شك فيه أن أحد مهام صانع الفيلم هو إضافة درجة من العمق للشخصيات. الحل الآخر كان اتباع طريقة الفيلم الوثائقي الدرامي وإجراء مقابلات مع الممثلين على أنهم الشخصيات الحقيقية، من خلال ذلك يمكن تجنب مشاكل السرد والقصة التي لا يبدو أنها متجهة إلى أي مكان حقيقي، وفي نفس الوقت أعتقد أنها طريقة مثيرة للاهتمام لعرض الفيلم خصوصًا في إطار درامي.
موهوبون في أدوار جافة
طوال مدة عرض فيلمه، لم ينجح جيف نيكولز في كسب تعاطف واهتمام المشاهدين تجاه أي من الشخصيات. كان الجميع مجرد قوالب جاهزة تدربت على أداء لكنة أهل شيكاغو في الستينات، أكبر ضحايا ضعف هذا التطوير كانت الممثلة جودي كومر التي كانت في أوقات كثيرة تقدم أداء كاريكاتوري بحت لولا بعض اللحظات التي تجلت فيها إنسانية شخصيتها. كون شخصية جودي كومر أكبر ضحية لضعف تطوير النص لا يعني أنها الضحية الوحيدة، فأداءات توم هاردي وأوستن بتلر، وبرغم جهودهما الحثيثة في إكساب شخصياتهما أبعاد إضافية، لم تعد تلك الأدوار كونها مونولوجات جذابة سرعان ما تفقد اهتمام المشاهدين.
واجه نيكولز مشكلة أخرى في عدم قدرته على اختيار بطل للقصة، كان الفيلم يتنقل بشكل فوضوي وغير سلس بين عدة شخصيات، ولم ينجح لا في تقديمها بشكل لائق أو في إيجاد أسلوب سردي ناجح. مثلا؛ اللقاء الذي كان يجريه الصحفي مع كاثي (جودي كومر) كان يأخذ القصة في مسار الفيلم الوثائقي، ثم يقرر الفيلم تجاهل كل ذلك في مطاردة قصة جانبية أخرى لا ترتبط إطلاقًا بالصيغة الوثائقية التي اتبعها الفيلم.
كل ذلك كان سببًا في عدم وجود صوت واضح للفيلم، على الرغم من بذل مجهود كبير في تصوير الحقبة الزمنية والاهتمام بالأزياء والديكورات والدراجات النارية المستخدمة، إلا أن الفيلم بدون أي لون أو طابع حقيقي، فلا يمكنني تذكر كادر واحد أو لمسة إخراجية تستحق الذكر.
إن الطابع الوثائقي من الممكن أن يفتقد وجود هذا الصوت احيانًا، لكن عديد من الأفلام الوثائقية تعوض ذلك بأن لها لونًا ونكهة تصويرية خاصة بها، كما يظهر في أفلام Citizen four وIcarus على سبيل المثال، التي كان تصويرها والجو العام فيها فريدًا للغاية. لكنني هذا الفيلم لم يقرر اعتناق أسلوب السرد الوثائقي بالكامل، وكان يتنقل بين طريقة سرد وثائقية وأخرى قصصية، مما أعجزه عن اكتساب اهتمام المشاهدين، بل أشعرتهم بالملل.
حاول جيف نيكولز تقديم نظرة شمولية لعالم عصابات الدراجات النارية، وكيف تؤدي السلطة المفرطة إلى صراعات مميتة، لكن المنتج النهائي كان ضحلًا ويحتاج إلى كثير من التنقيح والمراجعة الأدبية حتى تنتج قصة يمكن للمشاهد أن يرتبط معها بغض النظر عن اهتماماته أو خلفيته الثقافية.
اقرأ أيضا: بيتر برادشو لـ«فاصلة»: الصحف والمجلات لا بُد أن تدافع عن النقد السينمائي