في أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، واجهت هوليوود إنهاكًا جماهيريًا من الأفلام المتصدرة لشباك التذاكر، والتي كانت في ذلك الوقت خليطًا من أفلام الكوميديا الرومانسية وأفلام الأكشن. كان هناك تغير واضح في رغبات الجماهير وأذواقهم واستقبالهم لقصص معينة. كان هناك فراغ بحاجة إلى الملء، وكان عالم مارفل السينمائي ينمو بشكل متسارع، ومع طرح فيلم «المنتقمون Avengers» في 2012، لم يعد هناك شك في أن ستديوهات مارفل أضحت قوة سينمائية استعدت جيدًا لملئ ذلك الفراغ، وباتت تمتد أبعد من السينما بحد ذاتها، فلديها ثروة من الأصول الحكائية والشخصيات ذات الرصيد الواسع لدى الجماهير يمكن استهلاكها، ليس عن طريق الشاشة الكبيرة فحسب بل عن طريق الألعاب والملابس والعديد من المنتجات الأخرى.
سيطرت أفلام مارفل لسنوات طويلة بعد ذلك، وتقلص عدد نجوم شباك التذاكر خارج عالمها السينمائي لأنهم غير قادرين على مقارعة ضخامة القصص التي تقدم في مارفل، غير قادرين على تحدي حنين الطفولة الذي كانت تدغدغه هذه الأفلام باستمرار. شاهد الجمهور صفحات قرأوها صغارًا تتجسد أمامهم على الشاشة. ومع ازدياد تعطش الجمهور، لم يعد من الممكن على الإطلاق منافسة مارفل على شباك التذاكر، وأصبحت المواسم الصيفية ومواسم إجازات نهاية العام تنحصر بشكل كبير على هذه الأفلام.
لكن من الإجحاف الحديث عن النجاح الجماهيري المادي فحسب، لأن الاستديو ظل قادرًا على تقديم فيلم ينجح نقديًا أيضًا كل بضع سنوات، بل إن النجاح النقدي لفيلم «أيرون مان» الأول في 2008 يمكن ربطه ببداية الاستوديو، وبدون هذا النجاح الجماهيري والنقدي الذي أتى بشكل مفاجئ لربما لم نكن لنشاهد انطلاقة بهذه القوة في مطلع العقد الجديد. لذلك من الطبيعي جدًا أن نشاهد عدة مشاريع تفشل بعد رحيل نجمها الأول الذي بدأ الرحلة، أصبحت مارفل تفرط في الإنتاج من خلال عدة أفلام ومسلسلات وقابل ذلك انخفاض حاد في الجودة النهائية، ولم يستطع نجوم المرحلة الجديدة من مارفل من حمل الشعلة الثقيلة.
قبل عدة أيام في المؤتمر الخاص بمارفل في كوميك كون، أعلن كيفن فايغي المدير الفني لاستديوهات مارفل عن عودة روبرت داوني جونيور ليلعب دورًا جديدًا تمامًا وهو دور «فيكتور فون دووم» أو «دكتور دووم» Dr. Doom والذي سوف يكون الشرير الرئيسي للفيلمين القادمين من سلسلة Avengers. الخبر لاقى ردات فعل مختلفة، ولكن لا يمكن تجاهل حقيقة أننا قبل سنة من الآن كنا نتحدث عن أداء روبرت داوني في «أوبنهايمر»، وكيف أنه من الرائع مشاهدة ممثل بهذه الإمكانيات يقدم دورًا جديدًا ومغايرًا حصد به أول جائزة أوسكار له. روبرت داوني بنفسه تحدث عن دوره في أوبنهايمر الذي سمح له باكتشاف جوانب تمثيلية جديدة لم يكن قادرًا على استكشافها كـ «توني ستارك»، كما تحدث عن اختلاف نوعية أفلام مثل أوبنهايمر التي تتحدى المشاهد بأسئلة يصعب الجواب عنها عن أفلام مارفل الترفيهية في المقام الأول. ذلك يوصلنا إلى استنتاج أن هذه العودة محبطة بدون أي شك على الصعيد الفني، لكن على صعيد آخر، هي دليل على جفاف بئر مارفل وديزني وخلوه من الأفكار الجديدة، دليل على أن شعور الحنين لدى الجمهور هو سلاحهم الوحيد المتبقي.
أحدث أفلام مارفل المطروحة اعتمد على شخصية مضمونة النجاح الجماهيري والنقدي معًا، وهي شخصية «ديدبول» التي قدمها رايان رينولدز في فيلمين واسعي النجاح قبل أن يعود إلى الحاضنة الأم لمارفل أخيرًا.
فيلم «ديدبول وولفرين Deadpool & Wolverine» هو أول أفلام هاتين الشخصيتين في عالم مارفل السينمائي بعدما استحواذ شركة ديزني على استوديوهات فوكس قبل عدة سنوات. يقدم المخرج شون ليفي عملًا يجسد كل ما تمثله أفلام مارفل، إنه مليء بالنكت والتعليقات الساخرة، ومشاهد الأكشن المثيرة، وظهور النجوم المفاجئ الذي اشتهرت به مارفل (Cameos)، ويحرص الفيلم على التسلح بالحنين المتبقي لدى المشاهدين تجاه شخصياته حتى يعتصر كل عاطفة إيجابية ممكنة.
في نفس الوقت، يجسد هذا الفيلم جميع سلبيات مارفل، فهو من الناحية البصرية بشع وخالي من أي صورة حية، إنه لمن المذهل كيف استحوذت ديزني على أحد أكثر المحتويات الترفيهية جمالًا وهي القصص المصورة وقررت تقديمها بشكل رمادي خال من أي نبرة جمالية أصلية إلا في بعض الأعمال النادرة. هناك قدرة مثيرة للإعجاب في امتصاص الدهشة الطفولية الكامنة في هذه الأعمال وتحويلها إلى منتج ربحي خالص. خصوصًا مع استخدام المؤثرات البصرية الكارثي الذي لا يساهم إلا في إضفاء صبغة من انعدام الواقعية على الصورة النهائية، وكأن المؤثرات البصرية لم تستخدم إلا لإيصال فكرة أن ما نشاهده غير حقيقي ولا يجب تصديقه.
من الناحية السردية، إنه فيلم ممتع جدًا لكنه مليء بالعيوب، يجب عليك أن تتجاهل العديد من الثغرات حتى تستمتع بخط سير الأحداث، لأنه في أوقات كثيرة يبدو وكأن العديد من الشخصيات تنتظر وصول بطلي الفيلم إليها حتى تبدأ بالتحرك والتقدم بالقصة. يلقي الفيلم بالعديد من النكت والتعليقات الساخرة، وبرغم فشل الكثير منها إلا أن منها ما نجح كذلك، ليس لشيء إلا لأن هذا الكم الهائل من النكت لابد أن ينتج عنه بعض المحاولات الناجحة. لكن التوافق الكبير بين نجمي الفيلم راين رينولدز وهيو جاكمان يساهم بشكل كبير في إخفاء هذه العيوب السردية.
على صعيد الأكشن يقدم الفيلم وجبة دسمة من المشاهد القتالية الممتعة، خصوصًا تلك التي لم يتم الإفراط في استخدام المؤثرات البصرية فيها، هذه النقطة مع قدرة الفيلم على اختيار الأغاني والموسيقى المناسبة جعلت من الأكشن نقطة إيجابية كبيرة. إذا كنت تحب هذه الشخصيات وهذا النوع من الأفلام لن تستطيع التعالي عن الاستمتاع بهذه الوجبة الترفيهية الشهية.
الآن بعد مشاهدة الفيلم وإلقاء نظرة شاملة عليه، لا يمكن تجاهل استغلال مارفل للتأثير العاطفي التي تمتلكه هذه الشخصيات على الجمهور، في السنوات الأخيرة يبدو أن الخلطة السرية لنجاح أي فيلم هو رمي أكبر عدد ممكن من الممثلين والشخصيات القديمة في عمل واحد، والتأمل بأن الدهشة اللحظية التي تخلفها هذه المفاجآت كفيلة بإنتاج ردود فعل إيجابية كثيفة تطغى على سلبيات الفيلم. جزء كبير من النقاش حول الفيلم هو عدم حرق أحداثه ومفاجآته، والحقيقة هي أن خط سير الأحداث متوقع ومعتاد لأي فيلم من أفلام الأبطال الخارقين، ولكن التخوف كان من إفساد مفاجأة ظهور كوكبة النجوم والممثلين التي قدمها الفيلم على مدار مدة عرضه.
تتكون حبكة الفيلم من قصة الصداقة بين ديدبول ووُلفرين ورحلة يخوضها البطلان في محاولة لإنقاذ العالم، لكن خلال هذه الرحلة يرمي الفيلم بالعديد من المفاجآت اللحظية في وجهنا وكأنه يسأل الجمهور «هل تذكرون هذا الممثل؟ هل تذكرون تلك الشخصية؟ أليس من الرائع مشاهدتهم مرة أخرى؟» وبقدر ما تكون هذه المفاجآت سارة في لحظتها – بشرط أن تكون ملمًا بهذا العالم في المقام الأول- بقدر ما تكتشف أنه في غياب عنصر المفاجأة ظهور هذه الشخصيات ليس له نفس القيمة السابقة.
الأمر الصادق والحقيقي الوحيد في هذا الفيلم، هو أداء الرائع هيو جاكمان. في ظل عاصفة من النكت الفاشلة وسخرية الفيلم من نفسه لحد الزيف، يظهر هيو جاكمان بأداء رائع وجدي ومخلص. إنه يأخذ الدور على محمل الجد لدرجة عميقة، ومشاعر كره الذات والخذلان التي يستشعرها يبدو أثرها واضحًا وجليًا عليه طوال الفيلم. هناك ثقل ويأس حقيقيين يمر بهما بالرغم من أن الفيلم لم يعرض أي مشهد فلاش باك من ماضيه، كل ما احتجناه هو أداء هيو جاكمان الصادق وهو يتحدث عما فعله في السابق وكيف خذل من حوله. إن أداء هيو جاكمان تذكير حي بأن أفلام الأبطال الخارقين والقصص المصورة يمكنها أن تكون أكبر من كونها أفلام ملاهي كما وصفها مارتن سكورسيزي، ففي النهاية هذه الشخصيات تمتلك إرثًا أدبيًا ضخمًا خلفها، واغتيال ديزني لهذه الشخصيات لا يعني اختفاء هذا الإرث.
تواجه أفلام الأبطال الخارقين تحديًا حقيقيًا يتمثل في تشبع الجمهور وانخفاض الجودة، وبعد عودة روبرت داوني جونيور بدور جديد يبدو وكأننا ندور في حلقة مفرغة، سوف يستمر الاستوديو بالنمو ويعيد الممثلين من اعتزالهم عن هذه الأدوار وسوف يستمر في استغلال حنين الجمهور نحو طفولة مضت ولن تعود، لكن ربما نكون محظوظين ويكون المنتج النهائي فيلمًا ممتعًا يجعلنا نطفئ عقولنا لساعتين أو أكثر ونستهلك محتواه بدون أن ندقق بعيوبه كثيرًا.
افرأ أيضا: «ذبابة» كروننبرغ تأخذ القصة إلى مساحة جديدة