فاصلة

مراجعات

«أثر الأشباح»… أن تشاهد البارانويا ولا تشعر بها

Reading Time: 3 minutes

افتتحت مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي الدولي أمس الأربعاء، بفيلم فرنسي-عربي هو «الأشباح» les fantomes بحسب اسمه بالفرنسية، أو «درب الأشباح Ghost trail» حسب العنوان بالإنجليزية.

الفيلم هو الأول لمخرجه الفرنسي جوناثان ميليه، وتدور أحداثه في عدة مدن تتوزع بين أوروبا والعالم العربي، وتتنوع فيه اللغات بين العربية والفرنسية؛ لكنه – بشكل ما- فيلم عربي يحكي قصة لاجئ سوري يقوم بمطاردة من يظنه مُعذِّبَه السابق.

اختار ميليه، التونسي آدم بيسا بطلًا لفيلمه، ورغم أن بيسا قدم أداءً جيدًا من قبل في «حرقة» للطفي ناثان، إلا أن الوضع هنا أكثر تعقيدًا، فهو يقدم دور رجل سوري يعيش في ستراسبورج، ينتمي لخلية معارضة تحاول الإيقاع بمجرمي الحرب بطريقة سرية. 

مدخل القصة مشوق للغاية، بغض النظر عن سياسيتها، إذ أن الأدوار هنا تتبدل وتصبح الضحية هي الصياد. لكن أن تصيد شخصًا عذبك من قبل؛ هي عملية نفسية مرهقة، ناهيك عن تعقيدها اللوجيستي، فالصياد هنا يبحث عن شبح، إذ لم يسبق له رؤيته من قبل، ويجب عليه تجميع كل الخيوط للتأكد من هذا هو عينه معذبه وأن يكون لديه ما يكفي من الأدلة لتقديمه لعدالة دولية، ربما لا تكترث وتمنحه الفرصة لأن يفر من جديد. 

القصة تُذكر نوعًا ما بـ أربيرت هايم، الطبيب النازي النمساوي الذي فر إلى القاهرة وعاش فيها حتى وفاته في العام 1992، بعد أن اتخذ اسم «الدكتور محمد»، واندمج تمامًا في منطقة شعبية وسط القاهرة، وكانت له سمعة طيبة، ولم يستدل عليه إلا بعد وفاته من قبل فريق تحريات ألماني!

القصة هنا مشابهة بشكل ما، فالطريدة/ الجلاد، يعيش في ستراسبورج حياة مسالمة هادئة، بل وربما يندم على حياته في سوريا وعلى ما اقترفه من أفعال هناك تحت إغراءات مادية أو عملية، ويحاول الاندماج بهدوء في مجتمع فرنسي أكاديمي، أما الصياد هنا وهو شاب يدعى حميد، فهو ضحية سابقة جرى تعذيبه ورميه في الصحراء، ويحاول الآن لعب دور استخباراتي للتأكد من هوية معذبه وتوصيله إلى المعنيين. 

درب الأشباح

هنا، يحاول المخرج خلق نوع من دراما البارانويا، بل ويقدم نظرة جديدة لحكايات اللاجئين، الذين عادة ما يتم تصويرهم بشكل مسلوب الإرادة، كمسالمين يحاولون الفرار إلى أرض آمنة وبدء حياة جديدة. اللاجئ هنا هو شخصية فاعلة تحرك الأمور وتسعى للانتقام، وربما يأتي ذلك من كفره بإمكانية بدء حياة جديدة من دون تحقيق العدالة وأن يُخضِع لها من سرق حياته القديمة.

البارانويا إذًا تتشكل في رحلة حميد وتفاصيل ملاحقته للمُعذب المحتمل، يسأل عنه في كل مكان، وترد عليه فتاة في مخيم قائلة: «من حيث نأتي، لا نحب من يطرح أسئلة كثيرة»، فيرد عليها «وأنا أيضًا». 

درب الأشباح

الملاحظة الأبرز تتعلق باختيار الممثلين، فبيسا يتقن الفرنسية والتمثيل، لكن اللهجة السورية البعيدة عن لهجته التونسية تقيده في الأداء بشكل كبير، إذ يتكلم ببطء شديد، وتأتي مخارج ألفاظه منخفضة بشكل يقلل من أدائه للشخصية، لكن المخرج الذي يوجه فيلمه لجمهور غربي بالأساس، يعرف بالتأكيد أن تلك التفاصيل لن تلفت انتباه المشاهد الأوروبي، وإلا ما كان فيلم طارق صالح «صبي من الجنة» A boy from heaven ليُمنح أية جائزة مع أخطائه الكثيرة فيما يتعلق بالخصوصيات الثقافية.

هنا نرى نوعًا من التجاهل لفرق الخصوصيات، وكأن المخرج ينظر إلى العالم العربي نظرة عامة يتساوى فيها التونسي مع السوري ولا فارق بين المغربي والعراقي، بينما يكون الفارق هنا، سواء على مستوى اللغة أو الثقافة، أكبر من الفارق بين مواطن إيطالي وألماني. 

هذا ليس اتهامًا بسوء النية، إذ يبدو أن المخرج يتعاطف بالفعل مع شخصياته؛ لكنه نوع من الاتهام بالتعميم والنظر من وجهة نظر غربية نحو صراع لا يفهمه، حتى وإن حبك القصة هندسيا بشكل جيد، ما يجعلها قصة مفبركة لا تقنع المشاهد العربي أو الجمهور الذي يأتي منه أبطال الحبكة. لكن من يهتم، إذا كان هذا الجمهور ليس إلا مجرد موضوع للنظر. 

درب الأشباح

العيب الثاني الذي يقلل من قوة الفيلم، هو أسلوب الإخراج الذي يختار أحجام لقطات واسعة نسبيًّا لا تنقل إحساس البارانويا التي يشعر بها ويعايشها البطل للمشاهد، إضافة إلى أن اللقطات المقربة للتفاصيل لا تستطيع الإمساك بإحساس التوتر الذي يود المخرج نقله. الفارق هنا أنك كمشاهد لا تشعر بالتوتر ولا تشارك البطل انفعالاته فيبدو لك مجرد شخص مصاب بالبارانويا. 

يمتلك الفيلم جميع عناصر القصة الناجحة، وجانب جديد في تناول قصص اللاجئين، لكن تجاهل مخرجه لخصوصيات قصته الثقافية، وأسلوبه الذي يميل إلى أسلوب الوثائقي، كلاهما يجعل «مفبركًا» بلا روح أو إحساس، ولا يبقى إلا الفضول سببًا لمشاهدة الفيلم حتى النهاية مع شعور بالضجر من انتظار لحظات سينمائية محتملة لا تأتي أبدًا. 

اقرأ أيضا: «الفصل الثاني»… عبث كونتين دوبيو يفتتح مهرجان كان

شارك هذا المنشور