سلّط داريوس خنجي، المصور السينمائي الإيراني-الفرنسي الشهير، وخبير «قمرة» الضوء على الدور المحوري للإضاءة – أو غيابها – في تشكيل التجارب البصرية الأصيلة في السينما، مستندًا إلى مسيرة فنية زاخرة بأعمال استثنائية مثل «سبعة»، «مأكولات فاخرة»، «جواهر غير مصقولة»، و«ميكي 17».
خلال استعادته لتجربته الأولى ضمن فعالية «قمرة 2025»، وهي الحاضنة السنوية التي تنظمها مؤسسة الدوحة للأفلام لدعم المواهب السينمائية، قال خنجي: «تقدّم المؤسسة دعمًا حقيقيًا لصنّاع الأفلام. كم أتمنى وجود مثل هذا النموذج في بلدان أخرى».
وفي ندوته الممتدة لساعتين، اصطحب «خنجي» الحضور في جولة خلف كواليس عدد من مشاريعه، من بينها فيلم «طوبى» للمخرجة شيرين نشأت، والذي وصفه بأنه «عمل فني رائع يستكشف حركة الناس من وطنهم إلى المدينة الفاضلة المتخيلة».
ويُرجع «خنجي» قوة الرمزية في الصور التي التقطها لهذا الفيلم إلى المخرجة نشأت، موضحًا: «أتذكر كلماتها حين كانت تصف لي ما أرادت تحقيقه في الفيلم، وقمت أنا بالتصوير. كمصورين سينمائيين، نحن مثل الموسيقيين، نعزف الصوت والموسيقى التي يقدمها الملحن».
ويعود تنوّع الأساليب البصرية التي يعتمدها خنجي – من الإطارات القاتمة والكئيبة في فيلم «سبعة» (1995) إلى الحيوية البصرية في «أوكجا» (2017) – إلى شغفه المبكر بالتصوير الفوتوغرافي. يقول: «أتذكر ذهابي إلى متحف اللوفر والتقاط صور للتماثيل، مستمتعًا بانعكاس الضوء عليها. كنت مهتمًا جدًا بالبساطة، وكنت دائمًا أختزل الأشياء إلى أبسط أشكالها باستخدام الضوء».
«خنجي»، الذي رُشّح لجائزة الأوسكار مرتين، يطوّر مهارته باستمرار عبر نهج إبداعي يتجاوز الجانب التقني، فيبتكر بأسلوب يكسر القوالب النمطية. وقد تجلّت مرونته البصرية في فيلم «مدينة زي المفقودة» (2016) حيث صوّر ظلال الغابة باستخدام الضوء الطبيعي، وفي ذروة فيلم «جواهر غير مصقولة» (2019) التي أُضيئت بالكامل باستخدام مصادر الإضاءة داخل الشقة نفسها.
واسترجع خنجي ذكرياته الأولى مع السينما، موضحًا أنّها كانت تدور حول «الاستماع إلى الموسيقى التصويرية للأفلام المصرية، وأفلام الواقعية الجديدة الإيطالية، والأفلام الأوروبية السائدة، وكذلك الأفلام الهندية». وأضاف: «نشأت محاطًا بهذه الأصوات والمشاعر. وحتى هذا اليوم، تلعب الموسيقى دورًا محوريًا في عملي. إذا لم تعجبني الموسيقى، يمكننا أن ننجز تصويرًا مقبولًا، لكن ذهني لن يكون حاضرًا بالكامل».
وبلغ خنجي الثانية عشرة من عمره حين بدأ صناعة الأفلام، مدفوعًا بشغفه بأفلام الرعب ومصاصي الدماء. وقتها، أراد أن يصبح مخرجًا، لكنه اكتشف لاحقًا أن شغفه الحقيقي يكمن في التصوير السينمائي. وقد شملت مسيرته المتنوعة تصوير فيديو كليب أغنية «المتجمدة» لمادونا، الذي أخرجه كريس كانينغهام. وعن هذه التجربة قال: «كان كل إطار مرسومًا في ذهنه. كنا أنا ومادونا ننفذ رؤيته فقط. لقد كانت طريقة رائعة للعب في هذا المجال وتجربة أشياء جديدة».
ويؤمن خنجي بأنّ «السينما تمتلك طبيعة فنية تشكيلية، فكل شيء يتعلق بكيفية ترجمة القصة على الشاشة، سواء عبر الفيلم أو من خلال التقنيات الرقمية». أما عن رؤيته لمستقبل السينما في ظلّ تطور الذكاء الاصطناعي، فيقول: «أحب صناعة الأفلام مع الناس، أحب أن يكون حولي فريق العمل، المخرجين والمخرجات، أن نصنع الأفلام سويًا. ومع ذلك، لا أريد تقييد عقول الناس، يجب عليهم أن يستمروا في الاكتشاف».
وفي رسالته لصنّاع الأفلام الناشئين الذين يبحثون عن التفرّد، نصحهم قائلاً: «لكلّ شخص صوت داخلي مميز. من المهم أن نفهم ونقبل اختلافنا. وإذا كنت سأصنع فيلمًا بنفسي اليوم، رغم أنني لست مخرجًا ناشئًا، فسأواجه صعوبة في العثور على صوت فني فريد. علينا أن نجد هذا الصوت داخل أنفسنا، ثم نترجمه على الشاشة».
وتحدّث عن رحلته مع الاختلاف قائلاً: «عندما كنت طفلًا، كنت أرغب في أن أكون مثل الجميع، أن أبدو فرنسيًا أو باريسيًا. ولم أدرك إلا لاحقًا أنني مختلف، وتقبلت أن اختلافاتي قد تكون شيئًا جيدًا».
سواء كان يعمل على فيلمه الرائد في الكوميديا السوداء «مأكولات فاخرة» (1991) مع جان-بيير جونيه ومارك كارو، أو يلتقط الصور المؤلمة لفيلم «سبعة» للمخرج ديفيد فينشر، يعتقد خنجي أنّ التصوير السينمائي يجب أن يخدم هدفًا أعمق، موضحًا: «الأمر لا يتعلق فقط بالتقاط صور جميلة، بل بسرد القصص». وهذا ما شكّل البوصلة التي سار عليها طوال أربعة عقود من العمل الرائد، من الكلاسيكيات الفنية إلى روائع السينما المعاصرة.