فاصلة

مراجعات

«جرس إنذار»… عندما تغيب عن الحصة الأولى

Reading Time: 4 minutes

إن كان هناك سبب واحد يجب من أجله أن نشاهد الأعمال السعودية، فهو طزاجة الأفكار التي تأتي من مجتمع انتظر طويلًا ليقدم أعمالًا تعبر عنه وتنقل تفاصيله الخاصة بحلوها ومرها، وهو ما يحدث في “جرس إنذار” إخراج خالد فهد، أحدث الأفلام السعودية من إنتاج نتفليكس، المستوحى من أحداث واقعية، وكتب قصته أيمن طارق جمال وعادل رضوان، بينما اشتركت بسمة بنت عبد الله مع المخرج في كتابة السيناريو والحوار.

البحث عن نوع الفيلم 

تدور الأحداث داخل مدرسة للفتيات، ينشب بها حريق ينتج عنه عدة وفيات، قبل أن تبدأ ناظرة المدرسة في التحقيق الداخلي لكشف ما حدث قبل الحريق. ببحث صغير سنجد عدة حوادث مشابهة قد وقعت لأسباب مختلفة في مدارس للفتيات في المملكة منذ سنوات، أشهرها – وربما الأقرب لأحداث الفيلم– هي التي وقعت في إحدى مدارس مكة المكرمة عام 2002، فقدت خلالها 14 طالبة حياتهن وأصيبت 50 فتاة أخرى من طالبات المدرسة. 

بالرجوع إلى ما كتب عن هذه الحادثة تحديدًا، سنجد أن بعض التقارير تناولت منع بعض الرجال الفتيات من الخروج من المدرسة أثناء الحريق من دون تغطية شعرهن، كما منعوا رجال الإسعاف والإطفاء من الدخول إلى المدرسة أيضًا حتى لا يختلطوا بالبنات. إلى هنا يمكن أن نجد أنها حادثة يمكن أن تقول الكثير عما كان يحدث سابقًا داخل المملكة، لكن ماذا عن المعالجة؟

يغيب عن صناع الفيلم أمر شديد الأهمية، وهو تحديد الهدف الأساسي للفيلم، وما يترتب عليه من بناء لهيكل ونوع الفيلم أيضًا.

فيلم جرس إنذار

في “جرس إنذار” نشعر أننا أمام ثلاثة أفلام، أو كأن الفيلم مقسم إلى ثلاثة فصول جُمعت في فيلم واحد. المشكلة هنا، هي الشعور الواضح بالانفصال بين تلك الفصول الثلاثة أثناء المشاهدة. 

يبدو القسم الأول من الفيلم وكأنه فيلم مستقل عن مرحلة المراهقة والمنافسة بين الفتيات في هذه المرحلة داخل المدرسة، ثم الفصل الثاني فيصور الحريق وتبعاته، وأخيرًا الفصل الثالث الذي يتحول إلى فيلم من نوع “من فعلها؟”، إذ نتابع تحقيقات الناظرة لمعرفة من المتسبب في وفاة واحدة من الطالبات محبوسة داخل مخزن المدرسة أثناء الحريق. يعزز شعور المشاهد بالانفصال بين الفصول؛ استخدام الإظلام المتكرر في المونتاج للقطع بين المشاهد، ما يمنح شعورًا هنا بأننا أمام نهاية حلقة تلفزيونية.

فيلم جرس إنذار

لا نتحدث عن هذا الانفصال على مستوى السيناريو أو المونتاج فقط، ولكن على مستوى الإخراج أيضًا، فبينما يركز الفصل الأول على الكثير من الشخصيات، وننتقل بشكل حر داخل فصول ومكاتب المدرسة مع قليل من المشاهد خارجها مما يؤسس لبروز بعض الشخصيات، فإننا في الفصل الأخير نجد أنفسنا أغلب الوقت داخل مكتب الناظرة (شيماء الطيب)، في مشاهد متشابهة لا يبدو فيها محاولة إيجاد حلول بصرية. يفصل بين هذه المشاهد الكثير من الفلاش باك، وتتحول الناظرة فجأة إلى محققة عتيدة، بينما يصبح مكتبها بمثابة غرفة التحقيق وتصبح هي فجأة البطلة الرئيسية للفيلم، مع تهميش دور الشخصيات الأخرى بشكل واضح. ربما نجد مجهودًا أفضل في مشاهد الحريق نفسها وإن أفسدتها المؤثرات البصرية المتواضعة. هذا التذبذب في الحقيقة يمكن ملاحظته في بناء كل شخصيات الفيلم.

فيلم جرس إنذار

البحث عن شخصيات الفيلم

وإذ يتخلى الفيلم بعد انتهاء القسم الأول منه عن التركيز على مشكلات المراهقات – في ما يشبه مسلسل نتفليكس الشهير “فتيات مدرسة الروابي”- كما يتخلى عن التركيز على التحكم الذكوري الذي يدفع إلى إغلاق باب المدرسة بالقفل من الخارج أثناء غياب الحارس لعدم خروج أو دخول أحد إلى مدرسة الفتيات، مما يفاقم خسائر الحريق؛ فإننا نتحول للتركيز بشكل أكبر عن الفاعل الحقيقي وراء حبس الطالبة المذكورة سابقًا.

وإذا استسلمنا لهذا النوع، فإنه يحتاج إلى تأسيس قوي للشخصيات منذ البداية، حتى يصعب علينا كمشاهدين تحديد الفاعل، ولكننا نجد العكس أيضًا يحدث هنا، إذ بسهولة نستنتج الفاعل، يعود هذا بالأساس للتأسيس الضعيف للشخصيات؛ فجميع الشخصيات في الفيلم أحادية البعد تمامًا، بل يمكن تحديد أبعاد الشخصية بمجرد أن تظهر في الصورة، فهذه بالتأكيد الفتاة المثالية، وتلك بالتأكيد مشاغبة، بينما عندما يفسح الفيلم مساحة أكبر لتأسيس إحدى الشخصيات مثلما فعل مع المدرِّسة عفاف (خيرية أبو لبن) فإن هذا التأسيس لا يفيد كثيرًا في الأحداث اللاحقة، وهو ما أضر بالتأكيد بالمساحة الممنوحة للممثلات لتقديم أدوارهن بشكل مميز.

ربما كان الاستثناء الأبرز لوفاء وافي (وفاء محمد) التي لعبت دور هبة، إذ حاولت أن تقدم دور الطالبة المتمردة والمستهترة من دون أن تكون شريرة في الآن ذاته، وقد نجحت في ذلك.

فيلم جرس إنذار

فيلم “جرس إنذار” نجح في اقتناص فكرة مهمة، كانت تسمح لصناعه بتقديم فيلم مميز عن الكثير مما يحيط بالفتيات في مرحلة المراهقة داخلة المجتمع السعودي، ولكنه غاب عنه ما يحتاجه أي فيلم، ويُقدم عادة في المحاضرات الأولى في كتابة السيناريو، وهو التأسيس القوي والواضح للمعالجة والشخصيات.

اقرأ أيضا: بنات ألفة.. أن تدع القصة تقودك نحو الحكي

شارك هذا المنشور