لم تستطع ثلوج برلين الكثيفة، أن تٌطفء غضب وحزن الممثلة البريطانية الفريدة تيلدا سوينتون، التي قررت التنفيس عنه، واستغلال منصة تكريمها ومنحها جائزة الدب الذهبي، في افتتاح الدورة الـ75 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، تكريمًا لمسيرتها الفنية، لتوجه خطابًا حادًا ضد التطرف السياسي، وتدهور البيئة، وتصاعد النزعة الاستبدادية حول العالم.
الدولة المستقلة العظيمة للسينما
فرحة «سوينتون» بالتكريم لم تُنسيها المآسي التي يعاني منها البشر من حولها في كافة أنحاء العالم، نتيجة التهجير والاحتلال والاستبداد، و«الهيمنة المتغطرسة والوحشية للحقد» على حد تعبيرها، فألقت كلمة مؤثرة، ماج بسببها مسرح برليانه من تصفيق الحضور احترمًا وتقديرًا لها.
في كلمتها عبّرت النجمة الحائزة على جائزة الأوسكار عن دعمها العميق لما وصفته بـ«الدولة المستقلة العظيمة للسينما»، مشيرة إلى أنها مساحة غير محدودة، شاملة بطبيعتها، عصية على الاحتلال أو الاستعمار أو الاستحواذ أو الاستثمار العقاري، في إشارة واضحة إلى المقترحات التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة.
وانتقدت سوينتون ما وصفته بـ«الهيمنة المتغطرسة والوحشية المذهلة للحقد، والقتل الجماعي الذي ترعاه الدول بدعم دولي»، مؤكدة أن هذه الجرائم «غير مقبولة في مجتمع إنساني، وهي حقائق يجب مواجهتها».
وأضافت بحزم: «من أجل الوضوح، دعونا نسمّي الأمور بمسمياتها. الوحشية تُرتكب أمام أعيننا. أنا هنا لأعلن ذلك دون تردد أو شك، ولأعبر عن تضامني المطلق مع كل من يدرك مدى التخاذل غير المقبول لحكوماتنا المدمنة على الجشع، والتي تهادن مدمري الكوكب ومجرمي الحرب، أينما كانوا.»

برليانه.. أكثر من مجرد ذكريات
حديث «سوينتون» المؤثر لم يخلُ من كلمات الشكر والامتنان لمهرجان برلين السينمائي، ليس فقط على تكريمها ومنحها الدب الذهبي في دورته الـ75 إنما لدوره فيما وصفته بـ«تشكيل وعيها».
قالت النجمة البريطانية في خطابها الذي حمل طابعًا شخصيًا دافئًا عكس ارتباطها الوثيق بالمهرجان: «من أعظم الأمور التي يمكن أن تحدث لشاب فضولي تجاه العالم، هو أن يجد نفسه هنا في مهرجان برلين. عندما جئت إلى هنا لأول مرة كنت في الخامسة والعشرين من عمري، أبحث عن معنى الحياة وعن مكاني في هذا العالم، سعيًا وراء الدهشة والتضامن والتواصل. ويمكنني أن أقول بكل يقين: لقد وجدت كل ذلك هنا، في لحظة واحدة.»
وبدأت علاقة «سوينتون» بمهرجان برلين منذ عام 1986 مع عرض فيلمها «Caravaggio» للمخرج ديريك جارمان، والذي حاز حينها جائزة الدب الفضي. وعلى مدار العقود، عُرض لها أكثر من 26 فيلمًا ضمن أقسام المهرجان المختلفة، من بينها فيلم «The Grand Budapest Hotel» للمخرج ويس أندرسون، الذي افتتح المهرجان عام 2014، وفيلم «Hail, Caesar!» للأخوين كوهين الذي افتتح دورة 2016. كما شغلت منصب رئيس لجنة التحكيم في مسابقة برلين عام 2009.
عالم السينما.. ضوء لا ينطفئ
اختتمت تيلدا سوينتون خطابها بتوجيه الشكر لمهرجان برلين قائلة:
«شكرًا لهذا المهرجان الذي قدّم لي الصندوق السحري الخاص بحياتي؛ لكل الأصدقاء الذين وجدتهم هنا؛ لأربعين عامًا من الحفلات والاكتشافات؛ ولدبي الذهبي اللامع الذي أحمله اليوم. تحيا السينما بكل وعودها التي لا تنتهي، ذلك النور في الظلام الذي لا ينطفئ أبدًا… فلنواصل التطلع إلى الأعلى!»

مسيرة حافلة لـ صاحبة جائزة الأوسكار
حازت سوينتون على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عام 2008 عن دورها في فيلم «Michael Clayton» للمخرج توني جيلروي. وآخر أدوارها كان «The Room Next Door» (2024)، أول تجربة باللغة الإنجليزية للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، والذي شاركت في بطولته إلى جانب جوليان مور، وحازت بسببه على إشادات نقدية واسعة.
ورغم نجاحاتها في الأفلام الجماهيرية مثل «دكتور سترينج» و«المنتقمون: نهاية اللعبة»، إلا أن قلبها ظل متعلقًا بالسينما المستقلة، حيث تعاونت مع مجموعة من أبرز المخرجين في هذا المجال، مثل لوكا غوادانينو (I Am Love, Suspiria)، جوانا هوغ (The Souvenir, The Souvenir: Part 2)، وبونج جون-هو (Snowpiercer, Okja).