خالد الشيخ، علامة فارقة في الأغنية الخليجية والعربية، موسيقاه التي تخطت حاجز الزمان والمكان تضعه في خانة الصديق، فهو أقرب إلى محبيه من فنان، هو صديق الروح المؤتمن على المشاعر، هذا الصديق الذي – أخيرًا- حظيَ بالتفاتة إعلامية علامة يستحقها، وهو المادة الخام للسيرة السينمائية التي يقدمها لنا المخرج جمال كتبي في شريطه “خالد الشيخ: بين أشواك الفن والسياسة”، الذي يعرض ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي.
يقدم الفيلم سيرة موجزة وسريعة لمسيرة الفنان البحريني المحبوب، ويتتبع الفيلم الذي أنتجته شركة ثمانية للنشر والتوزيع حياة الفنان البارز، ربما لكون حياته مليئة بالكثير من الأحداث والمواقف والموضوعات التي لا يمكن طرحها على مهل في فيلم قصير.
في الأحداث التي أخرجها جمال كتبي، ثمة غموض في بعض الجوانب، وكأنها مجتزأة من سياقها خاصة حديثه في السياسة وموقفه من الغناء في الكويت، وهي الآراء التي كانت تحتاج مزيدًا من الإيضاح وما إذا كان قد مُنع من الغناء بها أم لا، وهو أمر ربما كان توضيحه يتجاوز المحاذير التي وضعت لخروج العمل للنور.
في مسيرة خالد الشيخ الذي يمكن اعتباره من القوميين العرب – بحسب حديثه السابق في برنامج “خليك في البيت” مع زاهي وهبي- محاذير ربما تجنب الفنان التطرق إليها، لاسيما فيما يتعلق بالجانب السياسي.
وصف خالد الشيخ نفسه بـ”التلفان، مش صالح للغناء” في فترة الغزو العراقي للكويت، وربما كانت تلك بمثابة جملة مشفرة تحمل دلالات عدة، تفسيرها الأقرب – في ظني- تأثره سلبًا بمآلات الغزو التي أحبطت القوميين العرب وقتها، ما تلقته الأفكار التي تبناها ودافع عنها من ضربة قوية. فهو لم يقف مع الغزو، لكنه لم يستطع الغناء في تلك الظروف الصعبة أو حتى بعدها.
من الأمور التي تُؤخذ على الفيلم؛ الإيجاز الذي لا يُغتفر للجانب الفني في حياة خالد الشيخ الذي تبنى ما يمكن تسميته “نظرية الفوضى” والتي غفل عنها الفيلم، وهي النظرية التي ترتبط بمفهوم مثاله “أثر الفراشة”، بمعنى تنامي الأثر بالتكرار فيحدث إعصار؛ أي “غموض التأثير والنتيجة المتجددة، المرتبطان بدهشة البدء” حسب تعبير الباحث أحمد الواصل في كتابه “الأغنية السياسية في الخليج في تجربة خالد الشيخ”.
فوضى خالد الشيخ تمثلت في الثقافة الرفيعة بقصائد علوي الهاشمي، ومحمود درويش، ونزار قباني، وسميح القاسم؛ وهي الأشعار الرومانسية التي غالبًا ما تحمل بُعدًا سياسيًّا، أو استعارته للمأثورات والفنون الشعبية في أغنيات الأزجال والحميني والمويلي والمسوبع (الزهيري)، أو في الثقافة الشعبية في قصائد علي الشرقاوي وعلي عبد الله خليفة وإبراهيم بو هندي.
هذه الفوضى الخلاّقة التي كنت آمل أن يتم التطرق لها ولو قليلًا، عبّر عنها الشيخ واصفًا إياها بأنها: “عشوائية، خربطة، لخبطة، وعدم وضوح في الرؤية، كان ذلك عبء. الذي يغفر لنا كل هذا العبث هو أننا جئنا من فراغ”.
يحمل الفيلم الطابع الشاعري في استحضار ذكريات الشيخ منذ مراهقته وحتى الوقت الحالي، مما يجعل السيرة محفوفة بالحنين ، ماضي وحاضر، العامل الذي يجذب المشاهد أكثر نحو عناصر الفيلم، وقد وظفه فريق عمل الفيلم بذكاء فريد يستحق الإشادة.
إجمالاً يمكن القول أن الفيلم قد تناول مواضيع براقة ولكنه لم يكن على مستوى التوقعات والشكل المأمول من فيلم يتناول قامة كبيرة مثل الفنان خالد الشيخ.
اقرأ أيضا: “ناقة”.. ثمن المخاطرة السينمائية