بعد ثمان سنوات من عرض فيلم «هيبتا: المحاضرة الأخيرة»، المأخوذ عن رواية «هيبتا» للكاتب محمد صادق. أخرج هادي الباجوري الرواية للسينما بعد أن حققت مبيعات كبيرة في أوساط من يمرون بمرحلة نهاية المراهقة وبداية الشباب «Young adults»، تتكرر التجربة في فيلم «بضع ساعات في يومٍ ما» من إخراج عثمان أبو لبن، المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه لنفس الكاتب، محمد صادق، والذي يتولى كتابة السيناريو هذه المرة، ليقدم بذلك فيلمه الأول ككاتب سيناريو.
يضم الفيلم الكثير من عوامل الجذب، بداية من اسم الرواية ومؤلفها الذي يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة منذ روايته «هيبتا» مرورًا بأسماء الممثلين ذوي الشعبية الكبيرة، وانتهاءً بإطار الرومانسية التي من المرجح أن يبحث عنها الجمهور الذي أحب «هيبتا: المحاضرة الأخيرة». لكن إلى أي حد ينجح الفيلم في الاستفادة من عوامل الجذب هذه؟
تقع الأحداث، كما يبدو من العنوان، خلال ثمان ساعات في يوم واحد، يوم شتوي قاتم. نتابع في الفيلم تفاعلات الشخصيات خلال هذه الساعات الثماني.
شخصيات الفيلم يمكن تقسيمها إلى خمس مجموعات، تتقاطع بشكل طفيف جدًا، لكن لكل منها قصته الخاصة التي تدور عن الحب والعلاقات العاطفية بصيغ مختلفة. تمنح الخطوط المتوازية الكثير مما يمكن مشاهدته، فبينما نبدأ في التعرف على واحدة من القصص ننتقل إلى التالية ونعرف المزيد من التفاصيل قبل أن تمضي مدة على العودة للقصة الأولى، وهكذا.
يتفاوت مستوى هذه الخطوط بشكل كبير، فنجد خطًا معاصرًا عن زوجين يتاجران بحياتهما المشتركة على مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الإعلانات وعقود الرعاية والهدايا، بينما حياتهما في الحقيقة مهترئة ومليئة بالمشاكل، وهناك الفتاة التي تدخل في مكالمة جنسية مع شخص لا تعرفه لمجرد الانتقام من حبيبها المحافظ، وقصص أخرى تقليدية نعرف بدايتها لكننا لا نستطيع تصديق نهايتها.
يأتي استخدام أسلوب المونتاج المتوازي ميزة وعيبًا في هذه الحالة، ميزة لأنه يجعل الفيلم يسير بشكل سريع نسبيًا، ويحمل تشويقًا سهلًا لأنه يمضي وقت حتى نشاهد المشهد التالي من كل قصة، وعيب لأننا سريعًا ما سنجد أنفسنا منجذبين إلى واحدة أو اثنتين من هذه القصص ولا نهتم بالبقية بالقدر الكافي.
يضيف إلى هذا الشعور بعدم الاهتمام غياب الربط بين القصص وبعضها، باستثناء لقطات عابرة لواحدة من الشخصيات تتصل هاتفيًا بواحدة من الشخصيات الأخرى، لكن دون وجود تأثير حقيقي لهذه المكالمات على أي قصة. الأمر يبدو كأننا نشاهد خمسة أفلام قصيرة غير متساوية في المستوى تسير أحداثها بالتوازي.
حتى الرومانسية لم تكن كافية تمامًا لربط أحداث الفيلم كافة، إذ أنها عنوان كبير جدًا، والفرق بين قصص الحب – لو افترضنا أنها جميعها قصص حب- داخل الفيلم متفاوت جدًا. فممكن أن نلمسها في قصة الحب التي تنشأ بين شاب وشابة في رحلة طويلة بالسيارة، أو حتى في شاب ينقذ فتاة من موت محقق ويتعاطف معها، لكنه غير موجود بشكل واضح في المكالمة الجنسية والتي تأخذ منحى لاكتشاف النفس، أو في الخط الخاص بسعي أحد صناع المحتوى للحصول على مئات الآلاف من المتابعين بأية طريقة!
ولأن الرومانسية هي ما يتوقعه المشاهدون وينتظرونه، يأتي غيابها عن بعض قصص الفيلم سببًا في التأكيد على تفكك الفيلم، وغُربة بعض عناصره عن نسيجه العام، خاصة وأن الفيلم يتبع ما يسمى بـ «السينما النظيفة» لعرض الكثير من أفكاره، مما يجعل القصص خالية من درجة لازمة من العمق في تناولها للعلاقات. يتجلى هذا بشكل خاص في الخط الخاص بيسرا (هدى المفتي) التي تقرر أن تخوض مكالمة جنسية لا تعلم من طرفها الآخر، لتختبر شيئًا مختلفًا ومتحررًا ضد رغبة حبيبها، وربما تكون هذه أنقى مكالمة جنسية يمكن أن نراها على شاشة السينما، مكالمة نشاهد التمهيد لها ثم نتيجتها ولا نشاهد أيًا من تفاصيلها هي نفسها! نجد يسرا بكامل ملابسها وهي تطلب من الطرف الآخر أن تجرب مرة أخرى، فلا نعرف ما هي هذه المكالمة الجنسية المحافظة التي يتعامل فيها الطرفان بكامل ملابسهما ودون أن نستمع إلى كلمة واحدة مثيرة من أي طرف للآخر.
بالتأكيد لا تعني السطور السابقة الرغبة في مشاهدة مشهد جنسي على الشاشة، ولكن النتيجة التي تترتب على المكالمة والحوار المتبادل بين الشخصيتين، وحتى نظرة يسرا لنفسها تجعلنا نتساءل عما حدث بالفعل في هذه المكالمة الغامضة.
تمتد هذه المشاعر المبتورة إلى القصص الأخرى، التي تبدو أنها تود أن تقول شيئًا، ولكنها لا تنجح في قوله بالكامل. ربما كانت القصة الأفضل هي الخاصة بالثنائي صناع المحتوى أمنية (مي عمر) وطارق (أحمد السعدني) إذ أن تفاصيلها بالكامل تتضح أمامنا، كما إن فكرتها ملموسة وطازجة لم تُطرح كثيرًا على الشاشة. بينما تأتي قصة أمل (أسماء جلال) ومحمد (محمد الشرنوبي) هي الأضعف، وهي التي تتابع فتاة لا زالت تحب حبيبها السابق وتخفي هذا على خطيبها الحالي. كانت هذه الأضعف ليس فقط لأنها فكرة مكررة ولم نشاهد تجديدًا في طرحها، ولكن أيضًا لضعف الأداء تحديدًا من محمد الشرنوبي الذي حافظ على تعبير واحد على ملامحه طوال مشاهده، وهو ما يجعلنا ننتقل إلى دور المخرج الفيلم.
على النقيض من القصة السابقة، كان الخط الخاص بياسين (هشام ماجد) وسارة (هنا الزاهد) هو الأكثر قبولًا على الشاشة، رغم إنه أكثر الخطوط بعدًا عن المنطق، بل ويحتوي على قصة حب تتطور بشكل غير مُقنع على الإطلاق، ولكن رغم هذا كانت مقبولة بسبب أداء هشام ماجد وهنا الزاهد، اللذان نجحا في استغلال مساحة الكوميديا المتاحة لهما بشكل مميز. مقارنة ببقية الممثلين في الفيلم، سنجد أن كل ممثل كان يجود بما عنده من موهبة، فنجد هدى المفتي تحاول أن تجعلنا نصدقها وهي وحيدة تمامًا طوال مشاهدها، بينما ينجح محمد سلام بسهولة في الابتعاد عن الكوميديا والالتزام بشخصية شاب طفيلي يهتم فقط بمتابعيه على مواقع التواصل.
لكن يمكننا أن نضع يدنا على الصعوبة الأكبر التي واجهت المخرج عثمان أبو لبن، وهي إيجاد حلول للمشاهد التي تحدث في أماكن واحدة، مثل ما ذكرناه عن خط يسرا، أو حتى الكثير من مشاهد شخصية أمل، والتي اكتفى المخرج خلالها بلقطات قريبة من وجهة الممثلين بشكل متكرر حتى مع عدم قدرة الممثلين في بعض الأحيان على تقديم تعبيرات جيدة تنقل لنا حالتهم الشعورية بالقدر الكافي.
يبدو «بضع ساعات في يوم ما» محاولة لصناعة فيلم رومانسي جيد، لكنه تاه بين شخصياته الكثيرة التي ربما كان الفيلم سيصبح أفضل لو تخفف من بعضها، أو حاول التعمق في بعضها الآخر بشكل يجعلها جميعها في نفس المستوى.
اقرأ أيضا: «أحلى من الأرض».. ضحايا غرف الملابس المحكومون بالتعاسة