فاصلة

مراجعات

«بسمة».. عندما كانت في امريكا !

Reading Time: 4 minutes

خلال الأشهر الستة الأخيرة، استقبلت منصة نتفليكس ثلاثة أفلام سعودية، أولها “ناقة” لمشعل الجاسر، ثم “جرس إنذار” لخالد فهد، ومنذ أيام قليلة انضم إليهما “بسمة” من تأليف وإخراج وبطولة فاطمة البنوي، صاحبة أشهر وجه سعودي نسائي خارج المملكة، منذ ظهورها الأول في “بركة يقابل بركة” للمخرج محمود الصباغ. 

وقت ظهوره في العام 2016، لفت فيلم “بركة يقابل بركة الأنظار” في وقت لم تكن فيه صناعة السينما السعودية قد بدأت في اتخاذ شكلها المؤسسي الحالي. بعده، توالت أدوار فاطمة البنوي السينمائية والتلفزيونية، في السعودية ومصر أيضًا، مما خلق لها مساحة أكبر من الحضور.

لكن “بسمة” شيء آخر، إذ لا نشاهد الممثلة الشابة أمام الكاميرا فقط، بل خلفها أيضًا، مؤلفة ومخرجة ومنتجة كذلك. قدمت البنوي بعض الأفلام القصيرة من قبل، لكن تحدي الأفلام الطويلة شيء آخر.

فيلم بسمة

بسمة أم عدلي؟

تدور الأحداث عن بسمة (البنوي) التي تعود من رحلتها الدراسية في الولايات المتحدة إلى أهلها في جدة لتفاجأ بطلاق والديها، وانعزال الأب عدلي (ياسر الساسي) عن عائلته، وهو ما تعمل بسمة على إصلاحه.

ولأن الفيلم يحمل اسم “بسمة” فإننا نستنتج أمرين؛ أولهما أن بسمة ستكون هي الشخصية المحورية، وثانيهما أن الفيلم سيكون من نوع “character driven” أي أن الشخصية هي التي تحرك الأحداث. من هنا نضع يدنا على أهم مشاكل الفيلم، فبسمة التي نتعرف عليها لا تحمل ما يؤهلها لأن تصبح شخصية محورية نتوحد معها ونرغب في متابعة نجاحها في مساعيها، وعندما تظهر شخصية الأب، فإنه يصبح الأكثر حضورًا، والمحرك الأكبر للأحداث، حتى أننا نشعر في المشاهد التي لا يظهر فيها أننا نشاهد أحداثًا ليست ذات أهمية حقيقية.

فيلم بسمة

هذا يحيلنا للنقطة الأخرى، وهي قدرة مؤلفة الفيلم على صناعة سيناريو قائم على الشخصية بالتحديد. إن عدنا إلى فيلم “ناقة” مثلًا؛ نجد أنه أيضًا من نوع أفلام الشخصية، صحيح أن هناك تساؤل مطروح منذ البداية حول قدرة البطلة على العودة إلى والدها في الوقت المناسب، لكنه لم يكن التساؤل الأبرز، بل تفاصيل رحلة البطلة وتفاعلها مع المجتمع المحيط بها خلال هذه الرحلة. في “بسمة” لا نجد أن الشخصية تنجح في حمل أحداث الفيلم، ليس فقط نتيجة أن شخصية الأب كانت أبرز كما ذكرنا، ولكن لأن شخصية بسمة نفسها لم تكن تعاني من أزمة حقيقية تجعلنا نكمل معها الفيلم.

تبدو بسمة فتاة مقبلة على الحياة واثقة من نفسها ترى كل شيء بنظرة متفائلة، وترغب في جعل من حولها أيضًا يستخدمون نفس النظرة. تعاني فقط من مشكلتين: أولاهما نوع خاص من الحساسية يصيبها نتيجة التوتر، وهو الأمر الذي لم يهتم الفيلم بمعالجته بشكل واضح في النهاية وبالتالي لم يكن مؤثرًا بشكل حقيقي في الأحداث، بجانب محاولاتها المتكررة بالطبع لمساعدة والدها وإعادته للأسرة.

كثير من الشخصيات قليل من العواطف

إذا اكتفينا باستعراض المشاهد التي تركز على علاقة بسمة بوالدها، كأكثر مشاهد الفيلم تماسكًا، فإننا سنجدها أقرب إلى الكثير من الأفلام الأمريكية التي تتناول العلاقات بين الآباء والأمهات وأبنائهم بعد فترة من انقطاع التواصل، بشكل يمكن استنتاجه، حتى إلى توقع شكل الحوار. فلدينا المشاهد العاطفية التي يتذكرون فيها الماضي، ولدينا مشاهد التشجيع، وبالتأكيد هناك مشهد المواجهة ورفض الأب مساعدة ابنته، ثم مشاهد الانهيار.

في الحقيقة لا يمكن لوم الفيلم على استخدام هذه التركيبة، إذ يمكن أن نجدها في الكثير من الأفلام الأخرى، لكن الكفاءة الإخراجية والكتابية تتبدى من خلال كيفية توظيف هذه المشاهد واستخدامها في تحريك العواطف.

المشكلة لم تكن في السيناريو فقط في هذه الحالة بل أيضًا في الأداء التمثيلي، فعلى الرغم من اجتهاد أغلب الممثلين؛ إلا أنهم لم يكونوا على القدر المطلوب من الجودة، خاصة ياسر الساسي في دور الأب، إذ جاءت أغلب مشاهده خالية تمامًا من العواطف، وهو ما يمكن إرجاعه – نسبيًا- إلى شخصيته الرافضة والطاردة لأي مساعدة من الأسرة، ولكن في الوقت نفسه شكل الأمر ثقلًا أكبر من اللازم على الفيلم إذ لم ينجح أغلب الوقت في إثارة التفاعل المطلوب مع الشخصية.

أما عن الأسرة، فيتجاهلها الفيلم إلى حد كبير مركزًا على شخصية الأب وحده، ناسيًا بقية الشخصيات. وهو أمر غريب مع تقديم عديد من الشخصيات فلدينا الأم والأخ وأشقاء الأب أيضًا. كلهم يتم تجاهلهم لصالح علاقة بسمة بأبيها.

كانت هناك مساحة جيدة لشخصية الأخ بينما كانت بقية الشخصيات الأخرى هامشية بشكل ملحوظ حتى أننا نجد أنفسنا نتساءل قرب نهاية الأحداث عن جدوى وجود بعض الشخصيات من الأساس طالما لن يكون لهم دور مؤثر. الأمر نفسه ينطبق على صديقة البطلة، التي انحصر دورها في أن تكون شقيقة حبيب البطلة، ولم يكن لظهورها التأثير المطلوب على شخصية بسمة.

ربما كانت هناك بعض التفاصيل الملفتة جماليًا في الفيلم مثل مشاهد الكبائن في جدة، والمشاهد الخارجية بشكل عام، ولكنها لم تكن كافية لرفع المستوى العام، بل ربما كانت أزمة الفيلم مثل أزمة الأب نفسها، الرغبة في التخفف قليلًا من بعض الشخصيات.

اقرأ أيضا: المخرج ماهر الغانم يحكي لنا ذكريات أبيه عن أول فيلم سينمائي سعودي

شارك هذا المنشور