فاصلة

حوارات

بريجيت لاكومب لـ«فاصلة»: كلّنا مصوّرون والخبرة أصبحت شيئاً ثانوياً

Reading Time: 7 minutes

التقت الرائدة بريجيت لاكومب بداستن هوفمان ودونالد ساثرلاند وميريل ستريب في السبعينات، ومن خلال لقائها بهم، دخلت هوليوود، لتصبح واحدة من أولى النساء اللواتي حملن الكاميرا واشتغلن بالفوتوغرافيا في وسط يسيطر عليه الذكور.

طوال أربعة عقود جالت المصوّرة الفرنسية مواقع تصوير الأفلام في أنحاء العالم. أكثر ما ذاع صيتها من خلاله، سلسلة بورتريهات لأشهر الممثّلين والممثّلات.

 لها آلاف الصور بالأبيض والأسود وبالألوان، تلمس فيها حميمية ودفئاً صنعا خصوصيتها البصرية القائمة على بناء علاقة كيميائية بين المصوِّر والمصوَّر ونبذ الإضافات الجمالية. روبرت دنيرو، ميريل ستريب، نيكول كيدمان، دانيال داي لويس، ستيفن سبيلبرغ، مارتن سكورسيزي، آل باتشينو، كلّ هؤلاء وقفوا أمام عدستها في يوم من الأيام.

روبرت دينيرو ومارتن سكورسيزي بعدسة بريجيت لاكومب

 التقتها «فاصلة» وكان معها الحوار الآتي عن مسيرتها الحافلة ونظرتها إلى الصورة في ضوء التطور الذي شهدته طوال السنوات الأخيرة. 

تستعيد لاكومب، 73 سنة، تفاصيل من طفولتها بالقول: «نشأتُ في جنوب فرنسا، وفي طفولتي انتقلتُ مع عائلتي إلى باريس. كنت طالبة سيئة جداً، لطالما طُردتُ من المدارس التي التحقتُ بها.

عندما بلغتُ السابعة عشرة، أخبرتُ والدي أنني لم أعد أرغب في الذهاب إلى المدرسة. كان والدي يحب التصوير كثيراً ويلتقط الصور بصفة هاوٍ. 

خطرت لي فكرة أن أخبره أنني أود أن أصبح مصوّرة. وافق وساعدني في العثور على مكان تدريب في مختبر تصوير تابع لمجلّة باريسية. هكذا بدأتُ، وبعد عام من التدريب، أعطوني عملاً كمصوّرة مبتدئة». 

بريجيت لاكومب
بريجيت لاكومب

عاشت «لاكومب» الحلم الأميركي منذ السبعينات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. تعترف انه كان زمناً مختلفاً، انعدم فيه التنافس الموجود اليوم مثلما غابت أيضاً هذه الشراهة تجاه الصور.

تتذكّر بداياتها: «كنت حقاً محظوظة أن أكون في ذلك الوقت، لأنهم أعطوني عملاً على الفور. وهكذا كانت البداية. عملتُ على فيلم «كلّ رجال الرئيس» لألن ج. باكولا. بمجرد وصولي إلى أميركا. كنت مثل الكثير من الشباب: لم أكن أدرك ما يحدث حولي. كان زمناً آخر. الجميع أراد الذهاب إلى الولايات المتحدة لما فرضته من جاذبية وفرص. 

بعد عملي على الفيلم، توجّهتُ إلى لوس أنجلوس، كان لديّ أصدقاء يمكنني البقاء عندهم، ومن دون أي خطة محددة. في النهاية من لقاء إلى آخر، بدأتُ ألتقط الصور، ومن شخص أتعرف الى آخر، إلخ. قصّتي كلاسيكية لا تختلف عن قصص أخرى».

روبرت ريدفورد وداستن هوفمان من فيلم «كلّ رجال الرئيس»
روبرت ريدفورد وداستن هوفمان من فيلم «كلّ رجال الرئيس»

تشدد لاكومب بأنها كانت محظوظة كونها التقت بالعديد من المخرجين في بداياتها في منتصف السبعينات. من بين الأشخاص المهمين الذين قابلتهم، وكان من الواضح أنه سيصبح شخصية بارزة: ستيفن سبيلبرغ.

 تروي: «هو وأنا من الجيل نفسه. لم أكن أتحدّث الإنكليزية جيداً ودخلتُ عالماً جديداً أجهل تفاصيله. كانت هذه المرة الأولى التي أعمل فيها في الخارج. بقيتُ في أميركا لفترة أطول بكثير ممّا كان متوقّعاً.

ثم شيئاً فشيئاً، بدأتُ أتنقّل بين فرنسا والولايات المتحدة. في يوم من الأيام، أُتيحت لي فرصة استئجار شقّة في نيويورك، من دون أن أقرر فعلاً البقاء فيها. وهكذا استقررتُ في نيويورك». 

ستيفن سيلبرغ وفرانسوا رولاند تروفو بعدسة بريجيت لاكومب
ستيفن سيلبرغ وفرانسوا رولاند تروفو بعدسة بريجيت لاكومب

في تلك الفترة، لم تكن تدرك لاكومب أنها امرأة في بيئة رجال. تتناول هذه النقطة بالقول: «لم تكن لديّ أي فكرة عن هذا الموضوع. عندما بدأتُ، كان هناك عدد قليل جداً من المصوّرين النساء. كنت فعلاً واحدة من القلّة القليلة.

لكن، لم يخطر لي التفكير في هذا الأمر، أو مقارنة نفسي بالآخرين. ثم، لم أكن جزءاً من مجموعة ولم أعمل في وكالة. لطالما عملتُ على حسابي ولا أزال. لم أشعر أن كوني امرأة كان عائقاً في هذه المهنة، بل على العكس كانت ميزة في بعض الأحيان».  

بريجيت لاكومب بعدسة لين رامزي
بريجيت لاكومب بعدسة لين رامزي

لكن، ماذا تحاول أن تستخرجه من النجوم عندما تضعهم أمام كاميرتها؟ ترد: «يعتمد هذا على كيفية تقديم الفنّانين لأنفسهم. يعتمد على المشاهير الذين تم تصويرهم بوفرة والذين صار لديهم صورة مكرسة في المخيلة.

حالياً، أعمل على معرض استعادي لصوري، وكان مناسبة لأدرك أنني لطالما بحثتُ عن الشيء نفسه في الصور التي التقطها. منذ البداية، كنت أحرص على استخدام قليل من الماكياج أو عدم استخدامه بالمرة للنساء، ونبذ الأزياء التي تحوّل ملامح الشخص، رغبةً منّي في إزالة أكبر قدر ممكن من الزيف، بهدف العودة إلى جوهر الشخص بدلاً من صورته المكرسة في الذهن.

 أدرك أنني قمتُ بذلك بشكل غريزي. ولأنني لم ألتحق بمدرسة، تعلّمتُ من خلال العمل والممارسة». 

وزان سارندون بعدسة بريجيت لاكومب
وزان سارندون بعدسة بريجيت لاكومب

تقول لاكومب أن التصوير هو سلسلة لقاءات. لم تكن هذه المهنة بالنسبة لها يوماً مجرد التقاط صور بل لقاءات ورغبة في رؤية أماكن أخرى واكتشاف الناس.

 تؤكّد: «قلّة من المصوّرين كانوا يعودون دائماً إلى الأشخاص عينهم لتصويرهم. هكذا تنشأ الصداقات والعلاقات التي تستمر عبر الزمن، والتي نواصل توثيقها. 

وهكذا ولدت صداقتي مع ميريل ستريب. هي شخص استثنائي، في الصداقة وفي كلّ شيء. ناهيك عن براعتها كممثّلة. التقينا في العام 1979 أثناء تصويرها «كرايمر ضد كرايمر». آنذاك تولّيتُ تصميم ملصق الفيلم. ومع مرور الوقت، تشكّلت صداقة بيننا. صداقتنا اليوم عميقة.

 أود أن أكشف أنها لا تحب التصوير البتة. لو كان في إمكانها تجنّب ذلك لفعلت. ولكن لأنها تعرف أنها لا تستطيع، تفضّل أن تفعل ذلك معي، بدلاً من شخص آخر».

ميريل ستريبب بعدسة بريجيت لاكومب
ميريل ستريبب بعدسة بريجيت لاكومب

البورتريه اختصاص لاكومب. الوجوه البشرية مصدر وحي لا ينضب في نظرها. تصرح انها في كلّ مرة تلتقط صورة جديدة، تكتشف شيئاً جديداً في وجه الإنسان. 

تضيف: «قد يعتقد البعض أن هذا ممل أو متكرر، لكنه ليس كذلك. الأمر لا يتعلّق بالوجه فحسب، بل بالشخص نفسه. مع مرور الوقت، مُنحتُ المزيد من الخيارات والسيطرة على العمل الذي أقوم به. 

غالباً ما كنت أتّخذ المبادرات بنفسي. كنت أتواصل مع الأشخاص الذين أرغب في العمل وإياهم. لم أكن سلبية، لأن هناك الكثير من الأمور التي تثير اهتمامي.

تويجي وكيت موس بعدسة بريجيت لاكومب

 ثم إنني أحب السفر. فأنا معتمدة على نمط العيش هذا، حيث أكون دائماً في حركة متواصلة. إذا سمعتُ اسم مدينة أو بلد، أرغب فوراً في زيارتهما. أفعل ذلك من دون تفكير، بما أنني لست متزوجة ولا أطفال لي أعيلهم.

لقد كنت دائماً حرة في الرحيل على الفور. وهذا يساعد في التصوير الفوتوغرافي. مسيرتي المهنية كانت مختلفة لو بقيتُ في مكان واحد. لكنني دائماً ما قمتُ بأشياء متنوعة: تصوير المايكينغ أوف للأفلام، مسرحيات في نيويورك، أزياء، إلخ.

لا يزال لديّ هذا النوع من إدمان السفر والتحرك من خلال اللقاءات والأماكن المختلفة. والتصوير الفوتوغرافي هو أفضل طريقة للسفر. إنه وسيلة للتواصل والدخول في عوالم كثيرة».

بريجيت لاكومب
بريجيت لاكومب

عن العمل تحت الضغط، كما هي الحال في العديد من المهن، تقول لاكومب أنه يجب الحكم على جودة العمل على المدى الطويل، لا من خلال صورة واحدة: «كيف يمكننا العمل على مستوى عال جداً في أي ظرف، تحت أي ضغط زمني (ضغط الموازنة وضغط الشخص الذي نقوم بتصويره)، وكيف نتمكّن مع ذلك من الخروج بنتيجة جيدة؟ هذا هو السؤال.

علينا أن نبقى مسيطرين على الوضع مع كلّ الضغوط الخارجية المفروضة. إذا تمكنّا من ذلك، فهذا يعني أننا نعتمد على شيء مكتسب». 

كثيراً ما استخدمت لاكومب الأسود والأبيض عند التقاطها البورتريهات الشخصية. وهي ترتدي دائماً الأسود. أسألها ممازحاً: هل من علاقة؟ ترد: «لا، أرتدي الأسود على الدوام لأنني أجده عمليا أكثر. 

ملابسي مصنوعة من قماشة يمكن غسلها في الحوض في الفندق مساءً ولا تحتاج إلى كيّ. لذا، هو زي مثالي للسفر. أعتقد أنني التقطتُ الكثير من الصور بالألوان، لكن بالنسبة للبورتريهات، فالأبيض والأسود يظهران جوهر الإنسان». 

نيكول كيدمان بعدسة بريجيت لاكومب

كلّ سيرة تنطوي على فرص ضائعة، لكن لاكومب تفضّل عدم التفكير في هذا. تروي أنها كانت تتمنى لو أُتيحت لها فرصة تصوير غريتا غاربو أو جون هيوستن. 

«ما أندم عليه خصوصاً هو أنني قابلتُ الكثير من الأشخاص من دون أن أجرؤ على تصويرهم. كان يمكنني ذلك، كنت في جوارهم، كنت أعرفهم. لكن لفترة طويلة، لم أرغب في فرض نفسي عليهم. أمتنعتُ عن ذلك لأن في أيامي لم يكن الأمر يُؤخَذ بخفّة. كان يجّب طلب الإذن للتصوير.

وغالباً، ما كنت أشعر أنني لا أريد أن أفرض نفسي وأطلب صورة. لذلك، في النهاية، غالباً لم أكن أفعل ذلك». 

صورة أرشيفية لـ غريتا غاربو

في زمن يحرص على إعادة التفكير في مكانة المرأة، تصرح لاكومب أنها لطالما صوّرت النساء بالطريقة نفسها، مؤكدةً أن التغييرات التي تحدث حالياً لا تعنيها بل تتعلّق أكثر بما يحدث في عالم السينما، خصوصاً ما يتصل بعلاقات القوة والسلطة. 

«هناك الكثير من الأمور التي يجب اعادة النظر فيها، لكنها تتعلّق أكثر بالرجال. صوّرتُ عدداً قليلاً من العارضات. كلما عملتُ في مجال الموضة، كنت أستعين بالممثّلات، وكنت دائماً أحرص على حمايتهن.

لم أعش الجاذبية المتبادلة الموجودة بين المصوّر والعارضة. لذا، لستُ معنية كثيراً بما يحدث. لم أغيّر موقفي أو مقاربتي، لكن من المؤكد أن هذا العالم يتغير بالكامل. 

ربما الى الأفضل، ولكن في أميركا تتّخذ الأمور أبعاداً متطرفة. على غرار كلّ شيء. كلّ شيء يتّجه إلى التطرف. هناك اعادة نظر شاملة، بحيث أصبحت أبسط الأمور ذات أهمية بالغة». 

جلسة تصوير لعارضات كريستيان ديور بعدسة بريجيت لاكومب
جلسة تصوير لعارضات كريستيان ديور بعدسة بريجيت لاكومب

عندما نأتي على ذكر الصورة بين ماضيها وحاضرها، تقول لاكومب أن تغييرات كثيرة طرأت في هذا المجال على مدى السنوات الأخيرة بسبب التقنيات وحقيقة أن الجميع بات في إمكانه التقاط الصور.

وتضيف: «بالطبع، هناك حساسيتك التي تحدث فرقاً. نحن اليوم، محترفين وغير محترفين، وُضعنا أمام الإمكانات عينها، خاصةً أن لا أحد يحتاج إلى شخص ينشر هذه الصور. يمكن لكل واحد أن ينشرها بنفسه. 

ما عادت تلك الحاجة الكبيرة إلى مصوّر محترف. في السابق، كانت الصورة شيئاً ذا قيمة، تتطلّب خبرة للحصول عليها. أما الآن، فهذه الخبرة صارت ثانوية.

 لم تُفقَد تماماً، ولكنها لم تعد ذات ضرورة قصوى. ولهذا جانب إيجابي في بعض الأحيان، لأنه يتيح لأشخاص تأكيد موهبتهم. ولكنه في الحين نفسه، يقلل قيمة الصورة بسبب وفرتها». 

اقرأ أيضا: أوليفييه أساياس: أين التسونامي الذي توقّعناه؟

شارك هذا المنشور