فاصلة

مراجعات

«Babygirl» بطولة نيكول كيدمان.. فيلم فارغ بحجّة الانتصار للمرأة!

Reading Time: 3 minutes

«بايبي غرل – Babygirl» للمخرجة الهولندية هالينا راين الذي شاهدناه ضمن عروض مسابقة مهرجان البندقية الحادي والثمانين (28 آب (أغسطس) – 7 أيلول (سبتمبر))، فيلم يثير الاستياء لما يشكّل ضمّه إلى تظاهرة سينمائية عريقة من خيار سيئ، وسنرى لماذا في هذه المقالة.

 الحكاية بسيطة: رئيسة شركة خمسينية تُعنى بالتكنولوجيا (نيكول كيدمان)، تلتقي متدرباً يعمل لديها (هاريس ديكنسون) يصغرها بفارق سنّ كبير. هذا الأخير سيسعى بكلّ الطرق إلى إغوائها واستدراجها جنسياً، محاولاً إقناعها بالانخراط معه في علاقة.

 تدريجياً، تبدأ رومي (هذا اسمها) بالانجراف خلف تلك المغامرة القائمة على الإشباع الجسدي والسادية، لعلها تُخرجها من رتابة الحياة الزوجية (زوجها مسرحي يلعب دوره أنتونيو بانديراس)، مع أنها تُبدي تردداً في البداية، إذ تتقدّم نحوه وتتراجع عنه باستمرار. 

في الأخير، تسقط في فخّه المُحكم (الفيلم يعتبره خيارها الواعي)، وتنشأ بينهما علاقة تتّسم بالسطحية والتصنّع والافتعال، رغم أن الفيلم يحاول إيهامنا بعمقها من خلال مَشاهد ذات طابع جنسي مصحوبة ببعض التنظيرات السطحية عن السلطة والمرأة والرغبة الجنسية وتمظهرات الإيروسية والتراضي وغيرها من الشؤون التي تتناسل مباشرةً من «ثقافة الووك» في زمن تلقي فيه وصايتها على السينما.

نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون من Babygirl
نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون من Babygirl

«رومي»، السيدة في موقع قيادي متقدّم، تواجه خطورة أن تؤثّر هذه العلاقة العابرة في سمعتها المهنية. فهي تدرك أن مجرد تورّطها في هذا النوع من المغامرات قد يضر بالصيت الذي بنته بعناء عبر السنين. ومع ذلك، يبدو أن شغفها بالتجديد والبحث عن الإثارة يتغلّبان على حسابات العقل.

 الفيلم يحاول القول إن كلّ شيء يحدث بقرارها وقرارها وحده، مركّزاً كثيراً على النقطة الآتية: امرأة ذات سلطة ونفوذ، من خلفية بورجوازية مريحة، تتجرأ على المغامرة في مرحلة عمرية كثيراً ما صرفت السينما النظر عنها.

الفيلم بأكمله يُشيَّد على هذا التناقض بين قوتها المهنية وهشاشتها العاطفية، مع إشارات إلى البورجوازية والأضرار التي تُحدثها عند تلامسها مع أشخاص أقل مكانةً ممّن يسعون إلى تحقيق طموحهم بالصعود الاجتماعي. لولا منصبها ووضعها الاجتماعي، لما كانت هذه القصة لتُروى من الأساس، رغم أنّ كثراً قبل هالينا راين تناولوها على نحو أفضل بكثير. 

نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون من Babygirl
نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون من Babygirl

تقول راين إنها مفتونة بازدواجية الطبيعة البشرية، وفيلمها هذا ليس سوى محاولة للإضاءة، بلا أحكام، على القوى المتعارضة التي تشكّل شخصياتنا. لكن شتّان بين ما يأتي على لسانها وما نراه في الفيلم طوال ساعتين طويلتين من علاقة قائمة على شد حبال وتكرار وأحكام مبرمة. يا ليت السينما تتحقّق بالنيات!

مواضيع عدة تتزاحم، لا يُناقَش أي منها بجدية وعمق. نفهم سريعاً أن الفيلم عن سيدة تُعتَبر قدوة ونموذجاً للنجاح في عالم يسطير عليه الرجال. ونفهم أيضاً أنها ترغب في فعل ما كان يفعله الرجال في السينما سابقاً، من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أن تُطلق عليهم الأحكام القيمية، لكن ماذا بعدها؟ لا شيء سوى الملل والفراغ والمشاحنات التي تتولّد من اعتقاد أصحاب الفيلم أنهم اكتشفوا المرأة ورغباتها الداخلية. 

كلمة «بالتراضي» تُحشَر مرات ومرات، كأن بطلات السينما في الماضي كنّ خاضعات، يقبلن أي شيء ولا شخصية لهن. من هنا يتبلور الجانب المدّعي للفيلم الذي يأتينا بعظة أخلاقية عن كيف ينبغي أن تكون الأمور في سينما ما بعد «مي تو».

 هذا كله يحدث كثيراً من التململ عند بعض النقّاد، رغم أن قلّة نادرة يتجرؤون على كتابة آرائهم الحقيقية، خوفاً من وصمهم بكراهية النساء والرجعية، وهذه مشكلة أخرى يجب معالجتها. النتيجة: فيلم ضحل لا يرقى إلى مسابقة البندقية، ومع ذلك شقّ طريقه إليها، إرضاء لجهات تريد تطبيق أجندات خاصة بها. 

وإنما ثمة بعض اللحظات الجميلة، لا شك، تعطينا الانطباع بأننا أمام فيلم مشغول بذوق جمالي رفيع وبحث في أنماط غير مألوفة، لكنها مجرّد خدعة تخفي خطاباً فارغاً من أي مضمون. 

نيكول كيدمان وأنتونيو بانديراس من فيلم Babygirl
نيكول كيدمان وأنتونيو بانديراس من فيلم Babygirl

ولعل واحد من أسوأ الأشياء في الفيلم هو توظيف بعض التفاصيل المستلّة من عالم التكنولوجيا كديكور لا أكثر، إلى درجة أنه كان يمكن للأحداث أن تدور في عالم تصنيع السيارات ولا شيء كان لتغيّر.

 أما الزوج فليس سوى «رِجل كرسي»، يتلقّى، ولن يتفاعل مع المستجدات إلا في مشهد ختامي تفوّت فيه المخرجة فرصة أن تصنع منه شيئاً استثنائياً، فيبقى المسكين مجرّد كومبارس داخل لعبة شد حبال بين تمكين المرأة والرأسمالية التي تغازل أي شيء لتبقى وتتمدّد. 

اقرأ أيضا: «ساحة المعركة»… فيلم عن أهوال الحرب العالمية

شارك هذا المنشور