تشكّل السينما الأوروبية الشعبية في الستينيات والسبعينيات مصدرًا لا ينضب للمخرجين الفرنسيين إيلين كاتيه وبرونز فورزاني، اللذين يعيشان في بلجيكا. أفلامهما ليس تكريمًا لأفلام الماضي، ولا تحديثًا لها، وبالتأكيد ليست عروضًا ما بعد حداثية، بل إنها مزيج من كل شيء، حيث صنعا عالمًا خاصًا بهما لا يشبه شيئًا. فيلمهما الجديد «انعكاس في ألماسة ميتة» (Reflection in a Dead Diamond)، الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، موجه إلى أفلام التجسس الأوروبية التي ضربت السينما في أعقاب النجاح العالمي لأفلام جيمس بوند الأولى. «انعكاس في ألماسة ميتة» انفجار سينمائي، منشغل بالاستمتاع بمتاهة الصور. هو فسيفساء من الأنماط والأنواع، تجربة غنية بصريًا وسمعيًا. ولتحقيق كل هذا، يستخدم المخرجان إشارات واضحة من جيمس بوند، وسلسلة صائدي الجوائز الأميركية، وكوميكس، وكتب على غرار كتب جون لو كاريه.

لا سياق في «انعكاس في ألماسة ميتة»، ولا حبكة بالمعنى الدقيق للكلمة، ومجرد الوصف هو أمر صعب وغير مفيد. القصة هي أنّ جاسوسًا مسنًّا يعيش في فندق على الكوت دازور، ينغمس في طوفان من الصور من الماضي. والماضي هنا، ليس مؤامرة منظمة بدقة، بل أرض عجائب من الفضول، لا يستطيع المرء دخولها أو الاستمتاع بها إلا بحرية. قد يكون هذا الرجل المسنّ يسترجع ذكرياته عن مهامه التجسسية ضد مجموعة تدعى «سيربنتك»، وربما لا يكون من المبالغة القول إنه يتخيل نفسه كبطل في فيلم تجسّس من حقبة الستينيات. باختصار، إن الصيغة اللازمة لوصف قصة الفيلم ليست متاحة.

(2025)
ألماسة تلمع على حلمة ثدي، عيون تختفي في الرمال في البحر، وأظافر تتكسر مرارًا، وفستان مرصّع يتحول إلى قاعة مرايا، وأعداء ملثمون، ونينجا بشفراتهم الحادة، ومليونيرات بأخلاق غامضة، ونساء مغريات خطيرات… هناك أيضًا ماسات على المحك، وهوية قاتل مجهول، وجاسوس لا يقاوم رفقة النساء، وامرأة محاطة بالرجال الذين يتمنون لها الموت، تبدأ فجأة في الحركة والدوران والقطع والطعن حتى يلقى الرجال من حولها حتفهم. وفي بعض الأحيان، تمزق حناجرهم أو تقطع أجزاء أخرى من أجسادهم. من ناحية أخرى، إذا أصيبت امرأة ولمس شخص ما جرحها، فإنّ تحت جلدها جلداً آخر، مثل قناع مطاطي، تسحب بعد ذلك قطع الجلد من جسدها بنفسها. الجلد المكشوف حديثًا هو أيضًا قناع محتمل، وقد تمزقه بنفسها. بغض النظر عن عدد المرات التي تقشّر فيها نفسها أو تسمح لنفسها بأن تُقشر، فإننا لا نصل إلى جوهر المرأة الحقيقي.

«انعكاس في ألماسة ميتة»، فضولي، موضوعي، ممتع، غريب ومهووس. فيلم يضع الشكل فوق المحتوى، وبالطبع يحتوي على حبكة، ولكن الحبكة ليست ما تفعله الشخصيات، الحبكة هي الفيلم نفسه. في الفيلم الشكل هو المحتوى، ومن خلال صوره يستشعر المشاهد طريقه، ويتنبّه إلى مشاعره، وشظايا الفكر الجامحة، مع الادراك بأنه لا يستطيع أبدًا تجسيد كل هذا الشيء بالكامل في كلمات. ولكن لا يحدث أي شيء من هذا في فراغ عشوائي، بل يصبح أكثر واقعيةً من خلال الإشارات التي لا حصر لها إلى الأنواع أو الحركات أو الأفلام. سواء كانت صورًا مقربة أو مقربة للعيون تذكرنا بأفلام الغرب، أو تقاليد أفلام التجسس، أو خشونة أفلام «ب» المختلفة وأفلام الاستغلال، أو بشكل أقوى، ميزات الموجة الجديدة مثل الانتقالات المفاجئة، والألعاب مع الوقت، والمونولوجات النموذجية أو المشاهد الكاملة على كوت دازور… يحتفل «انعكاس في ألماسة ميتة» بالسينما ويفكك اشكالها. ومهما كان غامضًا، فهو ممتع جدًا للعين والأذن.
اقرأ أيضا: «ليست وحشًا. شرسة للغاية»: رشيدة لانكستر أو الهوس بالعرب كموضوع للأفلام