فاصلة

مقالات

النجم الصامت… لماذا ينزعج روبرت دي نيرو من الحوارات الصحفية؟

Reading Time: 3 minutes

أثناء حضوره مهرجان تورنتو عام 2016، طلب المصور الفوتوغرافي أندرو ووكر من عدد من أشهر نجوم السينما التموضع أمامه لالتقاط صورهم في تجربة مختلفة للغاية: طلب ووكر من النجوم أن يتموضعوا مرتين، الأولى بشخصيتهم التي يواجهون بها جماهيرهم وكاميرات الصحافة ويخطون بها على السجادة الحمراء، والثانية يظهرون فيها شخصياتهم الحقيقية، وكانت النتيجة مذهلة.

أكثر الأمور إثارة للدهشة في تجربة ووكر كانت أن معظم النجوم اختاروا مواراة وجوههم وأجسادهم عن الكاميرا، بشكل أو بآخر، أثناء التموضع بشخصياتهم الحقيقية، وهو أمر مثير للدهشة والحيرة في آن، فالنجم الذي يبني شهرته على مقدار إعجاب الجمهور به وبشخصيته التي يصدِّرها على الشاشة وخارجها؛ يشعر في داخله بكل هذا القدر من الخجل والرغبة في التواري عن عين الكاميرا.

رامي مالك

ربما تشرح هذه التجربة نسبيًا علاقة النجم العالمي روبرت دي نيرو بالصحافة. فالنجم صاحب جائزتي الأوسكار وستة ترشيحات أخرى لها، فضلًا عن عدد كبير من الجوائز المرموقة حصدها عن أدواره في أفلام أيقونية أصبحت من علامات تاريخ السينما العالمية، يتجاوز الصورة التقليدية للمشاهير ويشكل ظاهرة فريدة من نوعها، لكنه احتفظ في الصحافة العالمية بلقب خاص، هم “دي نيرو الصامت”.

فعلى مدار سنوات عمله التي قاربت على الستين، وجد النجم الكبير معاناة شديدة في إجراء الحوارات الصحفية والإعلامية، يتلعثم الممثل القدير ويبدو عليه الإرهاق الشديد من عناء البحث عن الكلمات المناسبة، ثم ينتهي به الأمر إلى قول لا شيء على الإطلاق.

بين الحين والآخر تتصدر صور دي نيرو صفحات الجرائد والمجلات مع تعليق جديد عن تكرار رفضه الحديث إلى أحد كتابها. صفحات مطولة أفردت في محاولة تحليل ظاهرة ضمت النجم، ومحاولات أخرى للتحايل على هذا الصمت بالحديث مع زملائه والمقربين منه. كيف لهذا النجم الذي لعب عددًا لا يحصى من الشخصيات القوية والمخيفة على الشاشة أن يقف عاجزًا عن إيجاد الكلمات المناسبة للرد على أسئلة تقليدية يمطر الصحفيون بها النجوم كل يوم باعتيادية شديدة؟

تنبهت هوليوود في مرحلة مبكرة من نشأتها، وبالتحديد في بداية العشرينيات من القرن العشرين، إلى الإمكانيات التسويقية الكبيرة الكامنة في معضلة الممثل السينمائي، والازدواجية التي تجمع بين شخصيته على الشاشة وشخصيته الحقيقية. ومن أجل تعظيم الفائدة ومن ثَمَّ الربح الذي تدره الأفلام، طورت استديوهات هوليوود ما عرف لاحقًا بنظام النجم، والذي ذهبت من خلاله إلى أن تتمحور دعايات أفلامها حول النجم نفسه، إلى الحد الذي تتم فيه المطابقة بين شخصيته على الشاشة وشخصيته الحقيقية. وهو ما نتج عنه نظام احتكار النجوم بين الاستديوهات، وباتت الدعاية للنجم تصب في صالح مبيعات تذاكر أفلامه، وبالتبعية مصلحة الاستديو الذي يحتكره.

انتهت حقبة الاحتكار، وانتهى معها نظام النجم، ولكن ما بقي هو الاستراتيجية نفسها التي انتقلت إلى شركات الدعاية والعلاقات العامة المسؤولة عن الترويج للنجوم، وخلق “بيرسونا” أي شخصية مميزة للنجم، يتم تصديرها لجمهوره على الشاشة وخارجها للحفاظ على ولاء هذا الجمهور ومن ثم قيمة النجم التسويقية. 

إلا أن دي نيرو لا يحفل بكل هذه الأمور، ورغم أنه ملزم بحكم التعاقد مع الاستديوهات وشركات الإنتاج بالمشاركة في جميع الأنشطة الدعائية للأفلام ومن بينها المؤتمرات الصحفية والحوارات وغيرها، إلا أنه يقوم بالتزاماته تلك على مضض، ولا يتورع عن الخروج منها في ثورة عارمة رافضًا استكمال الحديث الصحفي إذا حدث ما يستدعي ثورته، حتى أن أحد البرامج الكوميدية الشهيرة استعان بدي نيرو نفسه للسخرية من دأبه على ترك جلسات التصوير والحوارات في منتصفها. 

تذهب بعض التحليلات إلى اعتبار سلوك دي نيرو شكل من أشكال الإخلاص الشديد لمهنته، وبدافع من رغبته في الحفاظ على سحر هذه المهنة. تركز المقالات التي تناولت دي نيرو على مجهوده الخاص في التحضير للشخصيات. قدرته على زيادة الوزن بشكل ملحوظ من أجل دوره في The Untouchables، وقيادة تاكسي في شوارع مدينة نيويورك من أجل دوره الأيقوني في فيلم Taxi Driver، وذهابه إلى صقلية لإتقان اللهجة الصقلية من أجل دوره في الجزء الثاني من ملحمة الأب الروحي، وتعلمه العزف على الساكسفون بشكل احترافي من أجل دوره في فيلم New York, New York، وتدربه لمدة عام على رياضة الملاكمة تحضيرا لدوره في فيلم Raging Bull. 

كل هذه الحكايات وغيرها وُثِّقَت بتفصيل شديد على صفحات الجرائد والمجلات للتأكيد على استعداد دي نيرو للذهاب لأبعد حد من أجل التحضير لشخصية واحدة في فيلم واحد. وكم سعى المحررون الصحفيون لاستنطاق دي نيرو بشأن أسلوبه في التحضير لشخصياته، ولكنهم لا يجدون منه سوى تعبيرات عامة لا تسمن ولا تغني من جوع.

يتعمد دي نيرو إخفاء شخصيته الحقيقية حتى يحافظ على سحره، وحتى يحافظ على اقتناع الجمهور بأدائه، والوهم الذي يقدمه لهم في صورة شخصيات أخرى. يشبِّه البعض تعمُّد دي نيرو إخفاء تفاصيل حياته الخاصة وشخصيته الحقيقية بالساحر الذي يرفض الإفصاح عن السر وراء خدعته كي لا ينزع السحر عنها. وهو ما عبر عنه دي نيرو ذات مرة في أحد حواراته قائلًا: “أنا لا أهتم أن يعرفني الناس كأحد المشاهير. إنني أعتقد أنه كلما اقترب الناس من شخصية الممثل الحقيقية كلما اقتربوا من فك شفرة أدائه التمثيلي، وهو ما يصرف النظر غالبًا عن الأداء نفسه”.

اقرأ أيضا: أيتن أمين: «آل شنب» مغامرتي التجارية للاقتراب من الجمهور

شارك هذا المنشور