فاصلة

حوارات

ليث المجالي: اختلاف الجمهور حول الفيلم دليل على نجاحه

Reading Time: 10 minutes

في عالم السينما، تبدأ قصص النجاح عادةً من مكان غير متوقع. حينما بدأ المنتج والمصور والمونتير الأردني ليث المجالي رحلته المهنية، كانت السينما الأردنية لا تزال تخطو خطواتها الأولى بقليل الإنتاجات المحلية. إلا انه تمكن من ان يحيل هذا الظرف إلى فرصة أصبح من خلالها رائدًا في إرساء قواعد الصناعة في الأردن، لتصبح ذات أثر ثقافي مهم في العالم العربي والعالم.

في هذا الحوار، تتعمق فاصلة في بداية مشواره السينمائي وتناقش معه التحديات التي واجهها وكيف ساهم في تشكيل الموجة الجديدة في السينما الأردنية، إضافة إلى تعاونه مع المخرجين الشباب من مختلف الدول العربية وإسهامه في الإنتاجات البارزة للسينما السعودية.

فيلم ذيب
فيلم ذيب

كيف كان الوضع في بدايات عملك بالسينما الأردنية؟

في ذلك الوقت، لم تكن السينما الأردنية قد صارت إلى التطور الذي باتت عليه الآن. كان العمل في مجال السينما صعبًا جدًا، خصوصًا مع غياب أي صناعة سينمائية تذكر في الأردن ما خلا محاولات فردية متفرقة ومتواضعة، حتى أن الهيئة الملكية للأفلام لم تؤسس إلا في عام 2003. لكني كنت قد حددت طريقي قبلها فعلا، فكنت من قلائل فكروا في دراسة السينما خارج الأردن، وبدأت دراستي فعلًا في عام 2001. في وقت لم يكن هناك وعي بفكرة صناعة الأفلام، وكان الناس يتساءلون: «ماذا ستفعل بعد عودتك؟ هل ستعمل في التلفزيون الأردني؟».

ثم جاء المخرج والكاتب أمين مطالقة في عام 2007 ليعفيني من عناء الرد على هذا السؤال، إذ أطلق الموجة السينمائية الأردنية الجديدة بفيلمه «كابتن أبو رائد» ليحرك مياه الصناعة الراكدة، خاصة بعدما فاز بجائزة الجمهور في مهرجان Sundance عام 2008، وكان بالفعل أول إنتاج أردني يصل إلى العالمية.

بعد هذا الفيلم، بدأت الأمور تتحرك بسرعة في السينما الأردنية. أصبح هناك أعمال محلية أخرى حصلت على جوائز وتجولت في مهرجانات عالمية، لكن الأهم من ذلك هو أن الفيلم ألهم الشباب الأردنيين، وأثبت لهم أن بإمكانهم صنع أفلام والوصول بها إلى العالمية.

ليث المجالي
فيلم كابتن أبو رائد

كيف كانت ردود فعل الجمهور الأردني في ذلك الوقت؟

كانت ردود الفعل إيجابية ومهمة جدًا. أصبحنا نقول: «هناك فيلم أردني!» الطريف في الأمر أن نسبة الفريق الأردني في موقع التصوير كانت حوالي 20% فقط من طاقم العمل بينما كان 80% من طاقم العمل خارجي. ولكن بعد 6 سنوات، مع فيلم «ذيب»، أصبحت النسبة معكوسة، حيث كان 80% من الفريق محليًا و20% فقط من الخارج. هذا يعني أنه خلال تلك السنوات القليلة، تطورت قدرات الطاقم المحلي بشكل كبير، وأصبح بالإمكان إنتاج عدة أفلام في الأردن باستخدام طاقات محلية.

هذا التطور يعود إلى كثرة الأفلام الأجنبية التي بدأت تصوَّر في الأردن، مما أتاح للطاقم الأردني اكتساب الخبرة والعمل مع مخرجين عالميين.

كواليس فيلم ذيب 
كواليس تصوير فيلم ذيب

لكن التصوير في الأردن كان موجودًا منذ فترة طويلة، أليس كذلك؟

نعم، لكن في تلك الفترة لم يكن هناك شعور بالإنجاز الوطني. بالطبع، تم تصوير أفلام مثل «لورنس العرب» Lawrence of Arabia، «المومياء تعود» The Mummy returns، والجزء الأحدث من سلسلة أفلام «إنديانا جونز»، لكن هذه الأفلام كانت تعتمد على شركات سياحية لتوفير الخدمات اللوجستية، وليس على شركات إنتاج سينمائية متخصصة. أما الآن، فقد تغيرت الأمور وأصبح لدينا فرق متخصصة ومحترفة في هذا المجال، مما ساعد الطاقم المحلي على التطور بشكل كبير.

مثل فيلم «ذيب» الذي أنتجته نقلة نوعية في السينما الأردنية والعربية. فقد حقق نجاحًا كبيرًا ووصل إلى مهرجانات ومسابقات سينمائية مهمة منها أوسكار أحسن فيلم أجنبي. كيف كانت بداية هذا الفيلم؟

قصة «ذيب» هي حقًا قصة فريدة من نوعها. كنت منتجًا مشاركًا في الفيلم، وعملت أيضًا على ما يُعرف بالمونتاج الأولي (assembly edit)، حيث كنا نقوم بعملية المونتاج أثناء التصوير. كنا نعمل مع ممثلين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة، جميعهم من البدو في منطقة وادي رم. خضعوا لتدريبات تمثيلية لمدة تسعة أشهر، ولكن كانت ميزانيتنا محدودة جدًا.

كنا نصور على فيلم خام 16 ملم، لم يكن بإمكاننا العودة إلى الموقع لإعادة التصوير، لذلك كان من الضروري التأكد من أننا نحصل على اللقطات التي نحتاجها في الوقت الفعلي. كنت أعود كل ليلة إلى القرية في وادي رم لأبدأ في تجميع اللقطات التي صورناها في ذلك اليوم. وكان لدينا أيضًا مصمم صوت بريطاني يسجل جميع المؤثرات الصوتية في الموقع. كنت أعطيه اللقطات المصورة يوميًا، ليجمع الأصوات اللازمة لتلك المشاهد في اليوم التالي.

ما كان مميزًا في «ذيب» هو أننا جعلنا الممثلين أبناء البيئة الصحراوية والثقافة البدوية جزءًا حقيقيًا من العمل. كنا نجلس معهم كل ليلة، نشرب الشاي على الحطب ونتحدث عن المشاهد، وكانوا يشاركونا وجهات نظرهم ويقولون: «لا، نحن لا نفعل ذلك بهذه الطريقة» أو «نحن لا نفكر بهذه الطريقة». في بعض الأحيان، كانوا يلقون قصائد عمرها مئة عام تعكس جوهر القصة، مثل قصيدة «يا ذيب أنا أوصيك لا تأكل الذيب، كم ليلة نعشاك عقب المجاعة». هذه الأمور لا يمكن أن تحصل عليها إذا جلبت ممثلًا من العاصمة عمان لا يمتلك خبرة في الصحراء.

 ليث المجالي
مشهد من فيلم ذيب

هل ترى أن الفيلم نجح في تجاوز القوالب الجامدة للدراما البدوية في الأردن؟

نعم، لقد كان الفيلم حقيقيًا جدًا. البدو الذين شاركوا في الفيلم هم الذين قاموا بتمثيل أدوارهم ورواية قصتهم. في البداية لم يصدقوا أننا نصنع فيلمًا حقيقيًا عنهم، وظنوا أننا مجرد أشخاص نحاول القيام بشيء غير جدي. لكن عندما بدأت الكاميرات بالتصوير، أدركوا حجم المشروع.

ما كان جميلًا في «ذيب» هو أنني عندما قرأت السيناريو لأول مرة، عرفت على الفور أن هذا الفيلم سيكون مميزًا. لم يكن لدينا توقعات حول مدى نجاحه أو وصوله إلى المهرجانات العالمية، ولكن كنا ندرك أن لدينا قصة جميلة، فريق تمثيل رائع، وفريق تقني مميز. قررنا أن نمضي قدمًا ونرى إلى أين سيصل.

لضمان أن يكون الفيلم «حقيقيًا»، فقد سبقته عملية بحث طويلة وشاقة في الملابس واللغة المستخدمة في الفيلم والتي تعود إلى عام 1916-1917. كنا نتحقق من الكلمات المستخدمة مع كبار السن لنتأكد من أنها تتوافق مع تلك الفترة، لأن اللغة واللهجة تتغيران مع مرور الزمن.

اهتمامنا بالتفاصيل كان عاملًا حاسمًا في نجاح الفيلم. الفريق بأكمله شعر بأنه جزء من عائلة واحدة، وكان هدف الجميع أن يظهر هذا الفيلم بأفضل صورة ممكنة. أعتقد أنه مهما عملت في المستقبل، لن أجد فريق عمل مثل الذي عملت معه في «ذيب». الجميع كان مخلصًا لنجاح هذا الفيلم.

كنت تعمل على فيلم «ذيب»، وفي الوقت نفسه كنت تراقب التطورات في السعودية، خاصة تلك الفترة 2013-2014 حيث «ثورة اليوتيوب» وظهور إرهاصات فنية كـ«تلفاز 11» و«يوتيرن» وغيرها، كيف دفعك هذا للاقتراب من صناعة السينما السعودية؟ 

ما قلته صحيح، أعمال شباب «تلفاز 11» كانت أول ما لفت نظري. كان عمل مشعل وهشام وكل الشباب في تلك الفترة شيئًا رائعًا. كنت أشارك أعمالهم مع أصدقائي وأقول لهم: «انظروا ماذا يحدث هناك!» أذكر أول مرة شاهدت فيلم «سوبر درباوي» لمشعل الجاسر، كان ذلك فيلمًا مميزًا جعلني أتساءل: «من هذا الشاب؟» منذ ذلك الحين وأنا أتابع أعماله لأكثر من عشر سنوات. ثورة اليوتيوب كانت مهمة، وأتوقع أننا نجني ثمارها الآن في السينما السعودية.

تواصلت مع مشعل الجاسر حول فيلم معين، صحيح؟

نعم، عندما جاء مشعل إلى أمريكا للدراسة، كان لدينا أصدقاء مشتركين، وهو كان معجبًا بفيلم «ذيب» ويطرح عليّ الكثير من الأسئلة حول كيفية صناعة الفيلم. صرنا أصدقاء على الفور واكتشفت أنه موهبة رائعة وله بصمة واضحة في أعماله، وهذا أمر نادر أن يمتلكه شخص في بداية مسيرته. فعندما تشاهد فيلمًا لمشعل تعرف فورًا أنه فيلمه. 

أتذكر أنه أرسل لي النسخة الأولى من سيناريو «ناقة» ليأخذ رأيي فيها. أخبرني أنه إذا حقق الفيلم يومًا ما، فإنه يود أن أكون المونتير الخاص به. قلت له: «أبشر» وعندما جاء الوقت لصنع الفيلم، تم ذلك بالفعل، وكانت هذه بداية علاقتنا العملية.

فيلم ناقة
فيلم ناقة

المعروف عن مشعل أنه عادةً ما يقوم بمونتاج أفلامه بنفسه، وهو يعتبر أن الفيلم هو «طفله» الأول. كيف تدخل هذا في علاقة العمل بينكما في فيلم «ناقة»؟

نعم، مشعل كان يقوم بمونتاج أفلامه بنفسه لسنوات، لذا لم يكن من السهل أن يسلم مونتاج فيلمه لشخص آخر. إذا نظرت إلى الاعتمادات في الفيلم، ستجد أننا مشتركان في المونتاج، وهذا لأننا عملنا معًا عليه. في البداية، قسمنا العمل، حيث قررنا أي المشاهد سأعمل عليها وأيها سيعمل عليها هو. كنا نتبادل المشاهد ونتشاور حولها باستمرار.

كان من المهم بالنسبة لي أن أترك له مساحة ليعمل على الفيلم كما يريد، خاصةً أننا كنا نعمل بميزانية محدودة وفي وقت ضيق. في البداية، كانت الثقة بيننا شيئًا يتطور بمرور الوقت، حيث كان هذه أول مرة يعمل فيها مع مونتير آخر. مع الوقت، أصبح العمل أكثر سلاسة.

في النهاية، دور المونتير هو تجسيد رؤية المخرج وتوصيلها للجمهور. لا يمكنني أن أقول «هذا فيلمي» وأصر على آرائي، بل يجب أن أكون منفتحًا على ما يريده المخرج. كنت أقدم مشاهد حسب طلبه وأيضًا أظهر له نسخًا قد تكون أفضل برأيي، مما جعل عملية التعاون بيننا تتحسن بشكل كبير على مدار الأشهر. أعتقد أن أفضل تعاون هو عندما يكون المخرج يعرف تمامًا ما يريد من فيلمه، حتى لو كان ذلك يعني تحديات إضافية في العمل.

كم استغرقت مدة مونتاج فيلم «ناقَة»؟

يمكننا القول إن عملية المونتاج، بما في ذلك الصوت والتركيب، استغرقت نحو ثمانية إلى تسعة أشهر. أما التركيب الأول للفيلم، فقد استغرق نحو عشرة أسابيع. كان لدينا الكثير من المواد، فالفيلم ليس سهلًا في المونتاج، وقد اضطررنا للتلاعب بوقت الفيلم.

في البداية، كان عملنا على جمع المشاهد الصحيحة وفق ترتيب السيناريو بدءًا من بداية الفيلم حتى نهايته. لكن قلت لمشعل: دعنا نعدل بعض الأمور. رغم أنك تحتاج للعب بالوقت، إلا أن هذا يساعدنا في تحديد الثغرات في الفيلم وأماكن تراجع الإيقاع. العمل على «ناقَة» كان ممتعًا جدًا؛ استثمرت فيها عشرين سنة من الخبرة، مع جهود الشباب للوصول لنقطة النهاية.

نقل لنا من حضروا ليلة العرض الأول في تورنتو أن استقبال الجمهور للفيلم كان مميزًا جدًا. فكيف كان شعوركم؟

هذا صحيح، انتظر الجمهور الفيلم رغم أن عرضه الأول كان عند منتصف الليل، ولم نتوقع أن يتزاحم الناس لرؤيته في مثل هذا التوقيت. حضر الفيلم حوالي ألف ومائة شخص، وردود فعلهم غمرتنا.

بالنسبة لي، كانت تلك أول مرة أشاهد فيها الفيلم على شاشة كبيرة ومع جمهور. هذا شعور خاص للغاية، لأنني كنت أعمل في غرفة المونتاج وأشاهد الفيلم على شاشة صغيرة. 

عندما أعمل على فيلم، يتوقف كل شيء حولي، ويصبح الفيلم هو العالم الوحيد. أحيانًا أكون مشغولًا بالعمل لدرجة أنني لا أستطيع رؤية ردود فعل الجمهور. لكن في تلك الليلة، رأيت أنني استطعت جذب انتباههم من البداية، خاصة عندما ظهرت السيارة مع يزيد، وبدأ الجمهور يضحك. كانت ردود الفعل رائعة، ولم أكن أتوقع أن تكون بهذا الشكل.

أهم شيء هو أننا أنجزنا فيلمًا جميلًا ومختلفًا، وليس للجميع. كنت أعلم أن نصف الجمهور قد يخرج سعيدًا، بينما النصف الآخر قد يتساءل عن الفيلم، لكن الأفضل أن يخرج الناس بمشاعر متباينة بدلًا من أن يقولوا إنه «جيد» ويمر كأي فيلم آخر.

 هذا يتماشى مع ما قاله المخرج يوسف نصر الله، حيث أشار إلى أن الفيلم مستفز وليس سهلًا استيعابه أو حبه.

نعم، وهو ليس من نوعية الأفلام التي نشاهدها كثيرًا في السينما العربية. الفيلم يحمل عناصر جديدة من حيث الأسلوب والقصة، فهو مزيج من الكوميديا والإثارة مع لمسات قوية. 

حاولنا أن نضع الجمهور في حالة الشخصية الرئيسية وتجربتها، وهي تجربة مضغوطة. كان عليّ الضغط على الجمهور معي، لكن ليس الجميع يحب هذا النوع من الضغط في السينما العربية. فبعض الأفلام تُشاهَد للتسلية، بينما هناك أفلام تجعلك تشعر بالضغط. إذا استطعت أن أضغط على المشاهد وأجعله يشعر بشيء، فهذا يعني أنني قمت بواجبي.

بالنسبة للسينما السعودية، هل تابعت بعض الأفلام هناك؟ هل تفكر في الدخول إلى السينما السعودية سواء كمونتير أو كمنتج؟

بالتأكيد، أنا متحمس لذلك.

هل هناك أشياء لفتت انتباهك؟

أحب كثيرًا «مندوب الليل»، وكنت أتطلع إلى أن يصنع علي الكلثمي فيلمًا طويلًا. أذكر أنني رأيت أعمالًا له ولناجي أبو نوار، مخرج فيلم «ذيب». في عام 2016، قال لي لماذا لا يزال الشباب يفضلون الأفلام القصيرة. أعتقد أنهم قادرون على إنتاج أفلام طويلة، لديهم أساس القصة والشخصيات، وأفكار رائعة في السينما. 

كنت أتساءل وأفكر؛ صحيح أن الأفلام القصيرة ويوتيوب جيدة، لكن لماذا لا ينتقلون لإنتاج أفلام طويلة؟ كنت متحمسًا لرؤية ما يمكن أن يقدمه علي ومشعل. لقد رأيت ما يحمله فيلم «بركة يقابل بركة» من وعد بسينما طازجة، وأحب أن أعمل مع الشباب هناك. الثقافة الأردنية قريبة من الثقافة السعودية، والعديد من الشباب الأردنيين يعملون حاليًا في السعودية، وهناك طاقات أردنية تساهم في الإنتاج هناك. لذا أظن أن أفق التعاون والعمل الأردني السعودي مفتوح.

مثل فيلم «نورة» و«هوبال» و«المجهولة»؟

صحيح، وهناك فيلم «هجان» لمخرج مصري، ولكنه عمل سعودي. أتذكر أنني في البداية كنت أتساءل لماذا لا نتعاون معًا، إذ كانت الأسواق مغلقة. في أوروبا وأمريكا، يعمل الناس معًا بشكل مشترك، والآن أصبح من الطبيعي رؤية أفلام مشتركة بين مصر والأردن والسعودية أو لبنان. وهذا يعكس أهمية تبادل الخبرات. بالنسبة لي، الأهم هو جودة العمل، وليس جنسية الطاقم. إذا احتجت إلى مهندس صوت من تونس ومدير ديكور من مصر، فلا مشكلة.

 ليث المجالي
مشهد من فيلم مندوب الليل

بالحديث عن المونتاج، هناك من يفضل حضور التصوير، بينما أنت لا تفضل ذلك. هل يمكنك توضيح السبب؟

هذا صحيح، عندما أعمل على مونتاج فيلم أفضل عدم النزول إلى موقع التصوير، إلا إذا كان ذلك ضروريًا. أُفضل عدم التعرف على الممثلين قبل الفيلم، لأنني لا أريد أن يؤثر انطباعي عنهم على عملي في المونتاج. 

كمونتير، أنا أقرب شخص إلى الجمهور وأستطيع قياس ردود فعلهم على المادة. من المهم الحفاظ على حياديتي. إذا نزلت إلى التصوير في حرارة 45 درجة، قد تؤثر الظروف المحيطة على شوت معين. أستطيع أن أخبر المخرج إذا كانت اللقطة مناسبة للقصة أم لا.

أريد أن أرى ما تقدمه لي المادة أولًا، ثم أتخذ قراراتي بناءً على ذلك. ربما ألتقي بشخص لم يعجبني أو أحببته كثيرًا، فهل سيؤثر ذلك على قراري؟ أُفضل الحفاظ على مسافة بيني وبين ما حدث في التصوير. 

هناك حالات خاصة تتطلب النزول لموقع التصوير، مثل المشاهد المعقدة، ولكن بشكل عام أفضل أن أرى كل شيء على الشاشة. الانطباع الأول عن المادة هو الأهم بالنسبة لي. 

عندما أبدأ بالمشاهدة، أتابع كل شيء وأضع ملاحظات. حتى لو كانت الملاحظات عابرة، فإنها تمثل انطباعي الأول عن المادة، وهو أقرب إلى كيفية مشاهدة الجمهور للأفلام. أريد أن أبقي هذه المسافة بيني وبين ما حدث في التصوير.

هل تعتقد أنه من الجيد أن يتخصص الشخص في نوع معين من الإنتاج الفني، سواء كانت برامج أو مسلسلات أو أفلام، وكيف يؤثر ذلك على إحساسك بالمونتاج؟

كمونتير، أحب العمل في مجالات متنوعة مثل الوثائقيات والدراما، وليس لدي مشكلة في العمل على مسلسلات قوية. أعتقد أن التنوع مهم، لأنه يساعدني على تجنب الشعور بالملل. العمل في مجالات مختلفة، مثل الوثائقيات أو الموسيقى، يمكن أن يمنحني مهارات إضافية تفيدني في الأفلام. 

أختلف قليلًا عن الآخرين، لأنني أمارس أكثر من تخصص؛ فأنا منتج ومونتير ومصور فوتوغرافي. التصوير الفوتوغرافي يتيح لي الخروج من غرفة المونتاج، حيث يجلس الكثير من المونتيرين في غرف مظلمة طوال حياتهم. أحب تصوير الناس في الشارع والمشاريع الوثائقية الطويلة، مما يعزز تواصلي مع المجتمع. 

أنا مهتم جدًا بحالة الإنسانية في المجتمع. أتجول في المدن مع كاميرتي، وألاحظ سلوك الناس وتفاعلاتهم، وهذا يلهمني كثيرًا في عملي كمونتير. دقة الملاحظة مهمة جدًا بالنسبة لي، وأجد نفسي في مقاهي أراقب الناس وكيف يتحدثون مع بعضهم. كل هذه التجارب تؤثر في النهاية على طريقة عملي. إذا قدمت نفس المادة لثلاثة مونتيرين مختلفين، ستحصل على ثلاثة أفلام مختلفة تمامًا.

ليث المجالي
أحد شوارع القاهرة من تصوير ليث المجالي

حدثنا أكثر عن خبرتك في التصوير الفوتوغرافي والكاميرات.  

لقد كنت أحب التصوير منذ الصغر. أذكر أن والدي أعطاني كاميرته عندما كنت صغيرًا، وكنت أصور في المدرسة. عندما التحقت بالجامعة، بدأت أتعلم التصوير الفوتوغرافي ووقعت في حب السينما والمونتاج، وركزت كل اهتمامي على هذا المجال. بعد التخرج، عدت إلى التصوير، وهو شيء مهم جدًا بالنسبة لي.

أحب العمل الجماعي في التصوير، إذ إن صوتي هو جزء من مجموعة الأصوات، ويحتاج التعاون لتحقيق النتيجة المرجوة. التصوير الفوتوغرافي يمنحني فرصة لرؤية العالم من خلال عيني، ويشمل العمل الفردي والجماعي. أعمل في تصوير الشارع، وألتقط لقطات من الحياة اليومية، كما أنني أعمل في التصوير الوثائقي على مدى طويل.

منذ عام 2006، وأنا أوثق عالم الهيب هوب في الوطن العربي، ومنذ أن انتقلت إلى أمريكا قبل سبع سنوات، أعمل على مشروع حول الجمال هناك. ألتقط صورًا للجمال في أمريكا، وأعمل في تصوير الموسيقى في لوس أنجلوس مع مصورين كنت أحلم بلقائهم. نحن الآن نعمل في نفس المكتب ونسافر معًا حول العالم، حيث نعمل على توثيق موسيقى الجاز والهيب هوب في لوس أنجلوس. كما قمت بتصوير أفلام أردنية وعربية في الأردن.

اقرأ أيضا: بريجيت لاكومب لـ«فاصلة»: كلّنا مصوّرون والخبرة أصبحت شيئاً ثانوياً

شارك هذا المنشور