كل فيلم جديد بطولة النجم كريم عبد العزيز هو حدث مُحبب لجمهور السينما المصرية والعربية، فنظرة سريعة على أفلامه منذ 2019 تكشف أن أغلبها حققت إيرادات مرتفعة جدًا. وفي فيلمه الأحدث «المشروع X» يتعاون للمرة الثانية سينمائيًا مع المخرج بيتر ميمي، بعد أن حقق فيلمهما السابق «بيت الروبي» (2023) إيرادات كانت الأضخم في وقتها. من خلال «المشروع X» يعود بيتر ميمي إلى المنطقة التي صنعت شهرته بالأساس، الأكشن والتشويق، ويتشارك في كتابة السيناريو أيضًا مع أحمد حسني.
على الورق يبدو كل شيء جيدًا: نجم محبوب، ومخرج ناجح في نوع أثبت حضوره فيه من قبل، بجانب ميزانية ضخمة وتصوير بكاميرات آي ماكس. لكن الورق شيء والنتيجة شيء آخر. حتى نستطيع أن ننظر بعين التحليل إلى هذا الفيلم، يجب أن ننظر أولًا إلى عنوانه، ونتساءل: ما معنى «إكس»؟ في الحقيقة، لم يقدم الفيلم نفسه إجابة لهذا السؤال، ولهذا سنحاول الاجتهاد في الإجابة من خلال هذه السطور.
إكس تعني «القَص»
المتمرسون في اختصارات لوحات المفاتيح يعلمون أن ضغط زري (Control و X) يقص النص أو الملف من مكانه ليسمح بنقله إلى مكان آخر.
يتتبع الفيلم عالم الآثار «يوسف الجمال»، ويجسد شخصيته كريم عبد العزيز، والذي يُتهم بقتل زوجته. ولينجح في تبرئة نفسه من هذه الجريمة، ويحافظ على حياة ابنته، يقرر التعاون مع ثري غامض يُدعى «آسر» الذي يلعب دوره إياد نصار، والذي يطلب منه استكمال أبحاث الزوجة الراحلة، والتي تحاول إثبات وجود غرفة خفية داخل الهرم الأكبر لم تُكتشف.
متابعو أفلام مثل «Mission: Impossible المهمة المستحيلة» سيشعرون سريعًا بأن هذا الفيلم متأثر جدًا بهذه السلسلة، بجانب الكثير من أفلام الأكشن الشهيرة، خاصة تلك التي تدور أحداثها في عدة دول، مثل سلسلتي «جايسون بورن» وبالطبع «جيمس بوند». لا ضرر في التأثر بالتأكيد، فالسينما الأمريكية هي الأشهر والأنجح في هذا النوع، ولكن المشكلة أن الفيلم يشبه عملية القص واللصق بالضبط: قص من أفلام مختلفة ولصق دون رؤية حقيقية. مطاردة بالسيارات هنا، معركة يدوية داخل قطار من هناك، يضاف إليهما محاولة سرقة من الفاتيكان، « راجع Mission: Impossible 3» والآن أصبح لدينا فيلم.
في الحقيقة، أخذ مشاهد وأفكار كاملة من أعمال أجنبية ليست بالأمر الجديد على المخرج بيتر ميمي، لكن على الأقل في الأعمال السابقة كان هناك تناسق في ما يأخذه، بينما هنا فإن سيناريو الفيلم مهلهل تمامًا.
في أعمال الأكشن والتشويق، يمكن أن يتغاضى المشاهد عن بعض المبالغات من أجل عدم تعكير صفو متعته بالفيلم، ولكن في «المشروع X» سنجد أننا نتساءل منذ البداية عن طبيعة هذه الحبكة: ما الذي يجعل راهبًا من الفاتيكان يسجل إحداثيات لغواصة غارقة وحده دونًا عن كل من عاصروا الواقعة؟ وما الذي يجعل غواصة سوفيتية تحمل أثرًا مصريًا تتجه إلى السلفادور؟ لا إجابة عن هذه الأسئلة داخل الفيلم، ولكن يمكن الإجابة عنها من خارجه. الإجابة هي رغبة الصناع في تقديم فيلم تدور أحداثه في عدة دول، حتى لو كان المنطق غائبًا.
الأمر لا يتوقف فقط عند الحبكة، بل يمتد إلى الطبيعة اللونية للفيلم المستخدمة في الإضاءة، والتي كانت تتراوح بين الأزرق والأحمر بشكل غير منطقي في أغلب الأحيان، ويبدو فيها التأثر واضحًا بأفلام مثل «جون ويك».

إكس تعني المجهول
يذكر أي طالب اجتهد ولو قليلًا في مادة الرياضيات الرمز «س»، والذي يعبر عن المجهول الذي يجب الوصول إليه لحل المسألة. «س» هي المعادل العربي لرمز «X» في الإنجليزية.
في المشهد الافتتاحي للفيلم، يخرج يوسف من مكان متجمد، ويخطو إلى بيت وسط الخلاء وآثار الجليد لا تزال عليه، ليقابل شخصًا لا ولن نعلم من هو. يؤنب هذا الشخص يوسف ويحذره من تبعات عدم إتمام المهمة الموكلة إليه، والتي لا نعلم سبب فشله فيها. نظن في البداية أن هذا الغموض سينقشع مع مرور الوقت، لكنه يستمر حتى النهاية دون إجابات. الأمر لا يتوقف فقط عند مشهد البداية.
المجهول هو وصف ينطبق على أغلب شخصيات الفيلم، بمن فيهم الشخصية الرئيسية. لا تقدم الأفلام المشابهة تاريخًا عميقًا للشخصيات المساعدة، لكنها توفر دائمًا ما يكفي من معلومات ومميزات لهذه الشخصيات حتى نتقبل وجودها داخل العالم. ما الذي يحدث في «المشروع X»؟
يوسف عالم آثار هو وزوجته، لكن عندما تبدأ العملية، سنجده يجيد القتال اليدوي واستعمال الأسلحة، وقيادة الدراجات النارية والسيارات بمنتهى المهارة، مقاتل من طراز رفيع. أين تلقى عالم الآثار كل هذه التدريبات؟ لن نعرف أبدًا! وبينما يبدو يوسف على الأقل شخصًا له دوافع حقيقية وبعض تاريخ، فإن الأمر يزداد صعوبة مع الشخصيات الأخرى. فشخصية «مورو» التي يقدمها أحمد غزي، والذي يساعد الفريق في تنفيذ مهمتهم في الفاتيكان، يستكمل الرحلة معهم دون أي مبرر واضح إلى السلفادور، إلا لو كان تحوله إلى عبء على الفريق هو مبرر في حد ذاته.
لا يمانع السيناريو أيضًا من إضافة مميزات مفاجئة للشخصية لم نعلم عنها أي شيء، مثل «صقر» الشخصية التي جسدها عصام السقا، الذي يُقدم أساسًا كفني لحام تحت الماء، لكنه يصبح قناصًا يجيد استخدام السلاح عند الحاجة إلى ذلك!

إكس تعني خطأ
إذ أمكننا التغاضي عن كل المشكلات سابقة الذكر، وحاولنا التركيز مع بقية عناصر الفيلم، فللأسف لن نجد الكثير أيضًا لنتحدث عنه بشكل إيجابي. بعد عدة تجارب في مجال الأكشن، ضم بعضها مشاهد جيدة بالفعل مثل فيلم «كازابلانكا»، يعود المخرج بيتر ميمي خطوات كبيرة إلى الوراء. مشاهد القتال اليدوي تبدو كأنها بروفات ما قبل التصوير لبطء الحركة فيها، هذا بجانب سذاجة المطارادات التي تنتهي إحداها فجأة لأن البطل قرر أن يدخل بسيارته البحر، فتقف السيارات المُطارِدة وتنظر له في تعجب، بينما لا نعلم نحن كيف وصل إلى الضفة الأخرى من البحر باستخدام السيارة! للأسف، هذه الحلول العجيبة تمتد لأغلب عُقد الفيلم حتى إن بعض الشخصيات تنتهي بشكل شديد الطرافة، فيبدو أن صناع الفيلم لم يجدوا حلولًا للأزمات التي خلقوها.
وإن كان بيتر ميمي جيدًا في صناعة الأكشن، فإنه لا يتميز بنفس القدرة في ما يتعلق بتوجيه الممثلين، وهو ما يتضح أكثر في الفيلم، إذ يجود كل ممثل بما عنده، فكان الاجتهاد الأكبر من نصيب إياد نصار وأحمد غزي. فيلم «المشروع X» يفتقر لأهم عوامل الجذب في هذا النوع من الأفلام، وهو التسلية، فمع مرور دقائق الفيلم سنشعر أن الجاذبية تقل تدريجيًا، وأن المبالغات تبتلع الفيلم، وعلى الأرجح لن نجد ما يشفع له.
اقرأ أيضا: «حادث بسيط» لجعفر بناهي.. من دحرج كرة الثلج؟