فاصلة

مراجعات

«الفصل الثاني»… عبث كونتين دوبيو يفتتح مهرجان كان

Reading Time: 2 minutes

بعيدًا عن حقيقة أنّ فيلم افتتاح «مهرجان كانّ» في دورته السابعة والسبعين (خارج المسابقة الرسمية)، كان أقل قليلًا مما كنّا موعودين به، إلا أنّ «الفصل الثاني» (The Second Act) للمخرج الفرنسي كونتين دوبيو، يُعد خيارًا جيدًا بفضل مخرجه وطاقمه الذي ضم مجموعة من أشهر ممثلي السينما الفرنسية، وأيضًا بفضل موضوعه.

دوبيو الذي انتقل من هوامش السينما الفرنسية، ليصبح أحد متطرّفيها بأعماله العبثية، قدّم جديده الذي لا يفتقد إلى الجرأة والاستهتار والإبداع والكوميديا، ولو بدرجات متفاوتة أحيانًا، عادة ما تولد أفلام دوبيو من فكرة غير عادية للمزاح، أو لا تقبل المزاح وفقًا لثقافة الصوابية السياسية التي تحتلّ عالمنا اليوم؛ لكن دوبيو لا يعير ذلك اهتمامًا حتى وإن اعتبر البعض أفلامه «سخيفة». 

سينما دوبيو دائمًا مثيرة للجدل، ذات أساليب جريئة تعتمد على الكوميديا السوداء، ودائمًا ما تكون إشكالية. بعد فيلمه «يانيك» Yannik (2023)، الذي حلّل فيه عالم التمثيل في المسرح، عاد اليوم بالفكرة نفسها تقريبًا لكن عن السينما.

ديفيد (لوي غاريل)، وويلي (رافاييل كينار)، صديقان يسيران ويتحدثان عن فتاة تحب ديفيد، ولكن الأخير بدوره يريد من صديقه أن يغويها، لأنه لا يطيق وجودها في حياته. الفتاة هي فلورانس (ليا سيدو) التي تنتظر ديفيد مع والدها غيوم (فنسان ليندن)، ويلتقي الأربعة في مطعم قديم الطراز اسمه «الفصل الثاني» The second act.

هذه قصة الفيلم الأساسية، لكن ما يريد قوله دوبيو أكثر بكثير من هذه الحبكة البسيطة، فمن خلال تلك القصة يقدم لنا فيلمًا داخل فيلم، وممثلين يكسرون الجدار الرابع، وحوارات مكتوبة بالذكاء الاصطناعي، والحقيقة والخيال يتشابكان إلى درجة لا تفقدنا القدرة على إدراك في أي مكان نحن. فهل ننظر إلى الشخصيات أم الممثلين؟ أين الحقيقة وأين الخيال؟ يخلط دوبيو كل شيء بعناية، ليكشف لنا بطريقته نفاق صناعة الترفيه والسينما، ونفاق الصوابية السياسية وثقافة الإلغاء.

لكي يقدم لنا خلطته التي تسخر من كل شيء، تنتقل تلك الحبكة البسيطة على مساحة الكوميديا السوداء شيئًا فشيئًا، بينما تسود معارك بين الممثلين ومواقف مربكة ومضايقات، ونحكم اللقطات عبثية دوبيو التي نعرفها جيدًا. نجد الفيلم يُخلص لعنوانه «الفصل الثاني» فيكشف عن نفسه بعد انتهاء النصف الأول، فتتجمد تلك الحبكة وتبدأ اللعبة؛ لعبة إرباك المشاهد والممثلين بين الواقع والخيال، بين ما هو موجود وما هو غير موجود، بطريقة كوميدية منمّقة، بينما نحاول نحن كمشاهدين فك الرموز. 

مهرجان كان

النصف الأول من الفيلم جيد جدًا، لكن كما يحدث دائمًا في أفلام دوبيو، فإن النكتة تتشتّت وتتكرر وتتلاشى تقريبًا مع تقدم الفيلم. لكننا نعرف أن دوبيو لا ينجح عندما يكون جادًا، أو عندما يحاول أن يقدم خطابًا، وهذا ما لا يفعله هنا، أو يفعله بطريقته الفكاهية العبثية. لذلك، تعمل النكات في «الفصل الثاني» بطريقة ذكية جدًا، تجعلنا نضحك لفترة طويلة، مع الكثير من المفاجآت في الحبكة، التي تأتي من دون أن نتوقعها.

اختيار هذا الفيلم هو بداية موفقة إلى حد ما للمهرجان، مع فيلم يتحدث عن صناعة السينما وعن المخرج بول توماس أندرسون وعن «تايتانيك»، وعبثية الحياة، والذكاء الاصطناعي. قد يبدو كل شيء معقدًا قليلًا، لكن دوبيو يعرف كيف يخرجنا من الصالة من دون أن يعكّر مزاجنا أو حتى يخيّب آمالنا. فهو لا يؤمن إلا بالنتيجة الغوغائية وبتعامله مع السخرية غير المبتذلة. والنتيجة دائمًا قد لا تكون مريحة، لكن ذكية، تضرب على الوتر الحساس وتمشي على الخط الرفيع بين التهور والجدية.

اقرأ أيضا: كان 77.. المهرجان السينمائي

شارك هذا المنشور