فاصلة

مراجعات

«الفتاة ذات الإبرة» تفتح أبواب جحيم قديم

Reading Time: 2 minutes

في الدنمارك، ما بين عامي 1913 و1920، عاشت قاتلة متسلسلة اسمها داغمار أوفرباي، قيل إنها ساعدت النساء الفقيرات على قتل أطفالهن غير المرغوب فيهم. في عام 1921، كانت واحدة من ثلاث نساء في التاريخ الدنماركي حُكم عليهن بالإعدام. اتهمتها السلطات بقتل عدد يراوح بين 9 إلى 25 طفلًا، قبل أن يُخفّف الحكم لاحقًا إلى السجن مدى الحياة.

في سباقه على السعفة الذهبية، يعيد المخرج الدنماركي ماغنوس فان هورن، إحياء قصة داغمار، لكن بطريقة غير مباشرة. في فيلمه الثالث «الفتاة ذات الإبرة» (The Girl With The Needle)، المشارك في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كان»، يجد فان هورن طريقة بين الوجوه المشوهة والأصوات الصغيرة ذات النغمة الشريرة، وحيوات النساء الفقيرات في الدنمارك بعد الحرب العالمية الأولى، في فيلم يجعلنا دائمًا نتوقع الأسوأ من دون أن يكون ذلك واضحًا أمامنا، فنبقى مشدودين حتى النهاية. 

تبدأ مصاعب كارولين (فيكتوريا كارمن سون)، عندما ينفد المال لدفع الإيجار فتجد نفسها في الشارع، وينتهي بها الأمر في غرفة قذرة باردة يمكنها تحمّل تكاليفها بفضل عملها كخياطة في مصنع. لم يعد زوجها من الحرب، فتعتقد أنّه مات، وتبدأ مغامرة مع صاحب المعمل، وسرعان ما تحمل منه. لكن الحرب تنتهي، ويعود زوجها بيتر (بسير زسيري) بوجه مشوّه تمامًا. وبعد وعد بالزواج من مديرها، تُطرد من المصنع، تهرب. وبعد محاولة إجهاض فاشلة، تقابل بائعة حلويات ودودة تُدعى داغمار (تريني ديرلهولم)، تعرض عليها حلًا بديلًا هو أن تأخذ منها طفلها لتعرضه للتبني. شيئًا فشيئًا تصبح كارولين وداغمار شريكتين لا تنفصلان في «عمل» نكتشفه رويدًا.

كثيرة هي الأفلام التي أُنتجت بالأبيض والأسود حول مواضيع الحرب والحياة المعقدة، لكن قلّة منها كانت بقسوة «الفتاة ذات الإبرة». قسوة بالكاد تخفيها اللقطات البعيدة أو اللقطات القريبة على الوجوه، بل لا نرى سوى وحشية الحياة والمشاكل والخيارات السيئة والحظ السيء. مع ذاك، هناك شيء فاتن في الطريقة التي يقدم فيها المخرج نظرته الخبيثة والشريرة للعالم. فيلم يجذب الانتباه منذ البداية بسبب اتقانه في تقديم جماليات السينما الصامتة، مع جرعة قوية من التعبيرية، وميلودراما مروعة، تغازل أحيانًا سينما الرعب.

«الفتاة ذات الإبرة» صارم في وحشيته، وصورته البيضاء والسوداء بمثابة رحلة تشرّع أبواب الجحيم على مصاريعها. يخيط فان هورن المشاهد بطريقة مثيرة للقلق، تستعرض القبح والجمال. ولكن لا يتعمق كثيرًا في دوافع داغمار الكارهة للبشر ولا في تطور حياة كارولين، مما يتركنا بانطباع بأنه أضاع الطريق خلال رحلته، تمامًا كما أضاع طريق نهاية الفيلم، حيث أطاله أكثر من اللازم في النهاية، وأنهاه بطريقة لا تشبه تقريبًا روح الفيلم.

في «الفتاة ذات الإبرة» كل شيء يلدغ، تمامًا مثل الإبر المتعددة التي نراها، حتى في لحظاته الحميمية والسعيدة. في الفيلم سرّ غامض، يحشد شعورًا لا يمكن التعرف إليه، يترك داخلك مرارةً، قريبة جدًا من الشعور بالذنب. العنف غير الظاهر يؤذي أكثر، والضحية هي الطفولة. ولكن قبل أي شيء، هناك الموت، والموت فقط…

اقرأ أيضا: «درب الأشباح»… أن تشاهد البارانويا ولا تشعر بها

شارك هذا المنشور