بحلول الوقت الذي غادرت فيه السيدة ماغي سميث (1934 – 2024) الحياة الأسبوع الفائت، عن عمر يناهز 89 عاماً، كان الجميع يعرفها. الصغار والمراهقون والكبار، أجيال من المشاهدين، جذبتهم سميث من خلال الشخصيات التي لعبتها على المسرح وفي السينما والتلفزيون.
تركت سميث بدور البروفيسورة الساحرة مينيرفا ماكغونغال بصمتها على جميع متابعي ملحمة «هاري بوتر» (2001 – 2011 «Harry Potter»)، بفساتينها الفيكتورية ذات الياقة العالية، ودبوس أسكتلندي مميز، وشعر مثبت للخلف تحت قبعة ساحرة سوداء طويلة. كما أصبحت الكونتيسة الأرملة اللاذعة والماكرة من غرانثام، فيوليت مراولي، من سلسلة «داونتون آبي» (2010 – 2015 «Downton Abbey»)، التمثيل الحي للأرستقراطية البريطانية.
سميث مثابرة من الطبقة العامة، في مهنة امتدت لسبعة عقود، لم تتوقف خلالها تقريباً عن العمل. هي واحدة من أعظم سيدات التمثيل في بريطانيا، شكلها وأسلوبها في الكلام وشخصيتها يصعب تجاهلها. كانت هي، التي تجنبت الظهور العلني في وسائل الإعلام، ونادراً ما أجرت مقابلات، أول من قلل من شأن فنها: «تذهب إلى المدرسة، وتريد أن تكرس نفسك للتمثيل، وتبدأ التمثيل وتستمر في التمثيل»، هكذا لخصت ذات مرة حياتها ومسيرتها المهنية.
ما تعلمته ماغي سميث عن جذب انتباه الجماهير، عرفته في وقت مبكر. فقد وصلت إلى المسرح الاحترافي في سن المراهقة، وتخرجت بسرعة إلى المسرح الوطني البريطاني، وويست إند وبرودواي، حيث أثبت نطقها الدقيق أنه مثالي لتقديم السخرية في الكوميديا الترميمية، والعبارات المقتضبة لنويل كوارد. وعندما سنحت لها الفرصة لأداء دور الثرثارة في المسرحية التي كتبها جورج برنارد شو، كان من الصعب أحياناً على زملائها في التمثيل أن ينطقوا بكلمة.
كانت سميث من الممثلات القلائل اللاتي فزن بجائزة الأوسكار ثلاث مرات، مرتين («ذروة السيدة جين برودي» (1969 – «The Prime of Miss Jean Brodie»)، «جناح كاليفورنيا» (1978 – «California Suite»))، وإيمي (أربع مرات) وجائزة توني. كما فازت بخمس جوائز بافتا للسينما البريطانية، وثلاث جوائز غولدن غلوب. منحتها الملكة إليزابيث الثانية وسام قائد الإمبراطورية البريطانية، ثم وسام سيدة.
الشيء المميز في ماغي هو أنها تستطيع الانتقال من الكوميديا إلى المأساة في جملة واحدة، كما قدرتها على التنقل في مجموعة واسعة من الأدوار. بينما كانت تقدم شكسبير على المسرح، كانت تلقي التعويذات على الأطفال في «هاري بوتر»، بينما آباؤهم وأجدادهم ينتظرون كل كلمة تنطق بها في مسلسل «داونتون آبي»، حيث جلبت على مدى ستة مواسم حساً متقلباً من الفكاهة لامرأة منعزلة، غير دبلوماسية، غير صبورة، مجادلة، ومتشددة وجذابة تماماً.
كانت سميث معروفة بكونها متطلبة من نفسها ومن الآخرين، قال المخرج المسرحي بيتر هول، الذي عمل معها عن كثب لسنوات عديدة: «إنها تزعج نفسها حتى تصل إلى الكمال». ولكن البحث عن الذات فيما يتعلق بفنها كان لعنة على الممثلة التي كانت تحرس خصوصيتها بغيرة وترفض زخارف النجومية، فقالت ذات مرة: «أتمنى لو أستطيع الذهاب إلى هاوردز وطلب شخصية، فهذا سيجعل الحياة أسهل كثيراً».
لقد برعت سميث في الأدوار التي تتطلب مزيجاً من الذكاء والحدة والسخرية. كانت تبث الحياة في الشخصيات المعقدة، وغالباً ما تجد عمقاً عاطفياً في الأدوار التي تبدو نمطية. كانت تحب الأدوار التقدمية ولكن المتلاعبة، وقدرتها على موازنة كاريزما الشخصية مع جانب أكثر قتامة وسيطرة كان أيقونياً. كانت تلعب الأدوار بمزيج من الاستبداد والضعف، وترفع الشخصيات، حتى الثانوية منها، من خلال إضفاء الإنسانية والذكاء عليها. فهي تقدم بلا عناء جملاً قصيرة وذكية مع التقاط عمق الشخصية وتعقيدها، وأدوارها التمثيلية كانت دروساً في التمثيل والتوقيت والتقديم.
لقد أصبح ذكاؤها الحاد واللاذع في بعض الأحيان أسلوباً مميزاً، لكنه لم يحجب أبداً قدرتها على إبراز الحقيقة العاطفية للشخصية. مدهشة في اهتمامها الدقيق بالتفاصيل، سواء في الإيماءات أو تعبيرات الوجه أو تعديل الصوت. صوتها، على وجه الخصوص، أحد أقوى أدواتها. سواء كانت تلعب دور سيدة عظيمة أو شخصية أكثر ضعفاً، فإن أداؤها الصوتي غالباً ما يكشف عن طبقات خفية من المعنى. يمكن لسميث أن تنقل ثروة من المشاعر بمجرد رفع حاجبها أو التوقف في الحوار.
اقرأ أيضا: «ريفنشتال»… زيارة جديدة لعبقرية مثيرة للجدل