يتسلل فيلم «الروبوت البري The Wild Robot» بشكل هادئ إلى قلبك، يخاطب مشاعرك وعقلك على الرغم من طفولية بعض المشاهد التي لا تتناسب مع عمق فكرته، وبدايته الواقعية.
يطرح الفيلم فكرة «الطبيعة الحيوانية» بمفهومها الشائع – الذي يتلخص في الافتراس والعنف- للمساءلة، من خلال تتبع مغامرة غير مخطط لها، تتورط فيها الإنسانة الآلية «روز 7134» التي يتغير اسمها فيما بعد وبشكل ذكي إلى «روز» فقط.
وجدت روز نفسها في غابة تأهُلها الحيوانات فقط بعدما سقطت فيها بالصدفة. ولأنها مبرمجة على الطاعة والتعامل بشكل ودي دون تمييز ما بين الإنسان والحيوان، تبدأ بالتعامل مع الحيوانات بسؤالهم بسذاجة عن أوامرهم ورغباتهم، فتواجه الكثير من الصعوبات من عنف ورفض وتبدو غارقة في عدم فهم ما يحصل من حولها. ولأنها غير مبرمجة على فهم لغة الحيوانات، تقوم بإعادة برمجة نفسها لفهمهم والتواصل معهم، ومن هنا تبدأ رحلة البطلة بالتعرف على محيطها على الرغم من صعوبته وتكوين علاقات بسيطة مع بعض الحيوانات، إلا أن كل شيء يتغير عندما أصبح عليها أن تقوم برعاية فرخ الإوز الذي قتلت عائلته خطأً. ولأنها أول كائن يشاهده الفرخ بعد فقسه من البيضة؛ يظن أنها أمه ويتعلق بها، وتبدأ هي في رعايته كمهمة عليها أن تنهيها بطيران الفرخ وهجرته إلى مكان آخر قبل حلول الشتاء. ويتعاون معها في ذلك ثعلب تعرفت عليه الروبوت ببداية خاطئة، وبنية وأهداف غير واضحة من قبل الثعلب.
يستمر فصل المهمة التي على الروبوت إنجازها بنجاح، ومع نمو الفرخ وتطوره، هناك أمر آخر ينمو داخل الروبوت ويتغير، إنها المشاعر، أمر جديد يحدث لها لأول مرة من خوف واهتمام ورعاية، إلا أن ما يصعب عليها تفسيره بالنسبة لها هو ما أشر إليه الثعلب عندما قال لها إنها كانت تستمع لنداء الفرخ بجزء مختلف من نفسها، جزء لم تكن تدري بوجوده وهو قلبها. ويكون عندها الحب. بالطبع لم تكن تدري «روز» في ذلك المشهد أنها فعلًا سوف تمر بمشاعر مختلفة ومتوهجة، مما يجعلها فيما بعد تقدّر وتسعد بهذا الدفق من الحب والحنان الذي دفعها بالاهتمام والسعادة بما تحمله، ورفض أن يمس أي أحد هذه المشاعر بالضرر.
لعل من يتابع فيلم «الروبوت البري» يجد أن هناك تشابه ما بينه وبين الفيلم القصير الحائز على جائزة الأوسكار (The Boy, the Mole, the Fox and the Horse) (الصبي والخلد والثعلب والحصان) من انتاج 2022. من ناحية العلاقة العاطفية والدافئة التي تنشأ ما بين الأفراد على الرغم من اختلافهم، وكذلك عمق الحوارات التي تتسم بالحكمة وتعبر عن مضامين ومفاصل الفيلم، وفي الصدق والعاطفة التي يتسم بها كلا الفيلمين. إلا أن ما يميز فيلم «الروبوت البري» بالإضافة إلى لحظاته المسلية والمضحكة؛ هي تلك الرحلة الإنسانية التي يمكن لمن يشاهد الفيلم أن يتوحد معها وجدانيًا؛ رحلة الفهم والتقبل، والحب والتضحية، رحلة النمو في فهم مشاعر بعضنا البعض وتقبلنا لاختلافاتنا. لذا كان الفيلم مؤثر في القبض على هذه اللحظات وتوظيفها لتقبض على عاطفتنا وتربطنا مع أحداثها. لذا قلت سابقًا إن تحول اسم الروبوت من «روز 7134» إلى «روز» فقط هو تحول ذكي، لأن من البداية كانت الروبوت تظن أن اسمها لا بد أن يحتوي على رقم بحسب برمجتها. وفي حوار قد لا يبدو مهمًا بالبداية، يخبر الثعلب الروبوت عندما قررا معًا تسمية فرخ الإوز، أن الاسم لا يمكن له أن يحتوي على رقم، لأنه سيبدو ماديًا ولا فيه شيء من الشخصية. وبعدها نجد هذا الفهم المتقدم الذي يصل له الروبوت عندما تختبر كل هذه المشاعر والعواطف، بأن تقول وفي مشهد ما بينها وبين روبوت آخر الذي ناداها «روز 7134» بأن اسمها هو «روز» فقط.
الفيلم الأحدث من إنتاجات «دريم وركز» يقدم رحلة عاطفية ودافئة عن العلاقات والنمو والصداقة والحب والأمومة، وكل ذلك داخل إطار لا يخلو من التسلية والمتعة والضحك تجعل الجميع بما فيهم الكبار مرتبطين بالشخصيات وبعلاقاتها حتى المشهد الختامي الذي لم يكن أكثر من طاقة حب تلامسك وتجعلك تخرج من الفيلم بغصة في الحلق، وبدمعة تواريها خشية أن يراك أحد (وما أكثر الدموع بسبب هذا الفيلم).
والمفارقة أنه على الرغم أن الفيلم يدور ما بين الآلة والحيوان دون حضور أي مشهد بشري، إلا أنه يقدم رؤية إنسانية عالمية وعظيمة عن الحب الذي يتحدى المنطق والأشياء، وعن المشاعر التي تنمو في مناطق وأماكن غير متوقعة، وعن التحديات التي تجعلنا متحدين. فيلم مليء بالرسائل العميقة واللحظات المؤثرة، دامجًا ما بين الجمال البصري الذي تتميز به مثل هذه الأعمال، وتطرح فكرة العلاقة ما بين الطبيعة والآلة، وعن التكيف في بيئة جديدة بعمق وتأمل عاطفي. ولعل هذا ما يجعله الفيلم الأكثر حظًا بالفوز بجائزة الأوسكار والمنافسات الأخرى ليصبح عندها فيلم العام، وكل عام.
اقرأ أيضا: أفلام أبي… أفلام أمي